كاتب من الكويت ما يجري في اليمن من فوضى واضطرابات وحروب داخلية، لايمكن فصله عما يجري في المنطقة العربية – الإسلامية كلها، خصوصا في العراق والصومال والسودان ولبنان وأفغانستان والباكستان. . الخ. والهدف كله طبعا المزيد من زعزعة كل بلد عربي وإسلامي تمهيدا لتقسيمه، وإعادة تشكيله وفق قوى الأمر الواقع داخليا وخارجيا. ولا أي بلد، عربيا كان او اسلاميا، مستثنى من هذا «الاستحقاق» المدمر. والبلد الذي لم تدهمه الحروب او الفوضى بعد. . نجد التمهيد لها على الارض من خلال اثارة كل التناقضات والحساسيات الطائفية والمذهبية والقبلية، وأيضا الجهوية، تمهيدا للحظة القرار الخارجي المتماهي مع لحظة الداخل عندما تنضج ظروفها وتصبح الارض خصبة لتنفيذ المخطط. نعم، اليمن مهدد بالتقسيم، ولكن هذه المرة ليس الى بلدين: شمالي وجنوبي، وانما الى اربع او اكثر. . منها مثلا دولة «أبين» نسبة لمحافظة «أبين» الشهيرة والتي يطالب بسلخها عن اراضي الدولة وضم اجزاء اليها من محافظة «عدن» المدعو طارق الفضلي حفيد سلطان أبين «السابق». ودولة «حضرموت»، وتضم معها المحافظات الصحراوية شمالا وجنوبا«مأرب»، «الجوف»و«شبوه»، واساسا حضرموت كانت تطالب بالانفصال عما كان يسمى اليمن الجنوبي «سابقا»، وهذه جميعها مواطن النفط باليمن، كما ان هناك ما يسمى «ابطال حركة ابناء الصحراء» الذين يطالبون بها دولة انفصالية لهم. وهناك ايضا دولة «لحج» التى يطالب بها وبأجزاء من محافظة عدن قبائل «الضالع» «وردفان». وللحوثيين، وهم من المذهب الشيعي، دويلتهم ايضا التي يطالبون بها في شمال اليمن، وتحديدا في نواحي «صعدة وعمران وحجة وصنعاء». والحوثيون عنوان تحدٍ كبير لجيش الدولة المركزية، والاشتباكات معهم ساخنة جدا هذه الايام. حتى ان بعض الدول -ومنها ليبيا- توسطت بين هؤلاء والحكومة المركزية في صنعاء، حيث اعلن الرئيس علي عبدالله صالح وقف الحرب معهم في يوليو من العام الماضي، لكن التصعيد الحوثي المتبادل مع السلطي ظل يطل بقرنه بين الفنية والاخرى، وان كانت قطر قد تدخلت في وساطة لم تعمر طويلا. . وانتهت الى حرب رابعة بين الطرفين. غير ان الزعامات الحوثية كانت قد اختلف بعضها مع بعض بُعيد النجاح النسبي للوساطة القطرية، ثم عادت الامور الى مربعها الاول خصوصا بعد تفجير مسجد في صنعاء اتهمت الحكومة الحوثيين بأنهم وراء هذا التفجير، على الرغم من نفيهم ذلك، ومن زعماء بعض الحوثيين نذكر اسماء منهم عبدالملك الحوثي، ويحيى الحوثي، وعبدالكريم الحوثي، وبعضهم متهم بالعمالة مع جهات خارجية(ايران). نعم ثمة جهات خارجية تعبث في اليمن. . وقد استغلت اخطاء النظام في عدم توزيع الثروة على عموم البلاد بالشكل العادل المطلوب، وكذلك تعمقت فجوة الحساسية بين ابناء الشمال والجنوب، فشعر ابناء الجنوب بأنهم اكثر من مغبونين، وان اوضاعهم في النظام السابق افضل حالا مما هم عليه في دولة الوحده، ولا تزال صنعاء تتصرف فيها وكأنها هي وحدها «ام الصبي»، ولم تعمل على ردم الفجوات التي كانت تتسع يوما بعد يوم. وهنا لا بد من التذكير ايضا بأن فلول النظام السابق في اليمن الجنوبية، كانت تتربص الدوائر بسلطة علي عبدالله صالح. ولم يتورع «الماركسيون» السابقون من التحالف مع القبائل والافخاذ، فقط من أجل اسقاط النظام، غير عابئين بثقافة الديمقراطية، وثقافة الوحدة، التي كانوا ينادون بها طوال الفترة الماضية.. ولم يعد يهمهم سواء انقسم البلد او «تفدرل او حتى تذرر».. جلّ ما يهمهم ويعنيهم ان يأخذوا حصتهم من الكعكة الكبرى. ربما كان «الماركسيون السابقون» اكثر وعيا من غيرهم بما يحضّر للمشرق العربي – الاسلامي من تفكيك وفق ما يسمى بمشروع «الكايوس» او«الفوضى الخلّاقة» التي افتتحها بوش وادارته السابقة من «المحافظين الجدد» ويكملها اليوم خلفه اوباما وفريقه في البيت الابيض، وان كان باسلوب مختلف يحمل الدعة والنعومة بين طياته، ويحمل شعارا «الحوار مع الجميع». ومع هذا لا يهم الجماعات «المتمركسة» السابقة ان تخرب بلادهم ويبور اقتصادهم، ويجوع شعبهم، المهم ان يستعيدوا دويلة ولو على ظهر حمار في اليمن السعيد!! نعم، اخطاء المعارضة اليمنية لا تعد ولا تحصى، وهي بحجم اخطاء السلطة، وقد داس الجميع على «الحكمة اليمانية». يكفي المعارضة مثلا انها لم تحمل مشروعا جديدا لليمن.. لا في السياسة ولا في التنمية ولا في الاقتصاد ولا في استقطابات حتى البنية التقليدية للمجتمع اليمني، ممثلة بالقبيلة والاسرة، المهم ان شهوة السلطة هي الغالبة على كل العقول.. لكن لاتزال هناك فرصة أمام المعارضة في ان تتحالف مع السلطة المركزية في اليمن على اخطائها وعيوبها بل وخطاياها ايضا في سبيل انقاذ وحدة الوطن، ومنعا من انهياره وتفتته.. هذا ان خلصت النوايا بين الطرفين او جميع الاطراف المتنازعة. نعم ينبغي ان يتم الاصغاء عميقا، ومن الجميع، لما حذر منه المستشار السياسي للرئيس علي عبدالله صالح د.عبدالكريم الارياني، الا وهو تدويل النزعة الانفصالية في جنوب البلاد، فإذا ما تداولت هذه «النزعة» ومعها سائر «النزعات»، يكون اليمن قد دخل في نفق خطير ربما لن ينتهي منه خلال مائة عام، وقد يصبح صومالا آخر، أي دولة اشلاء، يقتتل أهلها لأجل الاقتتال والافناء المتبادل ليس الا!!