طوت القمة العربية في مدينة "سرت" الليبية أوراقها دون أن تنبس ببنت شفه عن القضية الفلسطينية؛ التي كان حكام العرب يسمونها القضية المركزية للأمة العربية. وقد ثبتوا تلك المقولة باللاءات الثلاث التي أطلقوها في الخرطوم على إثر هزيمة العرب في العام 1967 ثم نكثوا بها. وإذا كان المعروف أن زعماء اليهود ينكثون بعهودهم مع الغير لصالح شعوبهم؛ فإن حكامنا قد أثبتوا قدرتهم على النكوث بوعودهم مع شعوبهم لصالح الغير! إنهم في قمة ال 2010 افترضوا أن القضية ستبلغ الحل النهائي بعد أن ينقضي شهر المهلة الذي طلبته الإدارة الأميركية منهم لتقنع الصهاينة بتجميد عمليات الاستيطان. وهو ما يعني أن المتجمد يمكن أن يُذاب بالتسخين في أية لحظة تحددها الدولة العبرية. ومع ذلك فإن بناء المستوطنات لم يتوقف بعد أن قرض الصهاينة أجزاء كبيرة من المساحات التي حددتها قرارات الشرعية الدولية للدولة الفلسطينية، وهم يرفضون جهارا نهارا العودة إلى حدود ما قبل الخامس من يونيو 1967 التي حددتها القرارات الدولية، وبحسب اتفاقات وقرارات الاستسلام الكثيرة التي وقعها العرب في مدريد وفي بيروت وغيرها. كما يرفضون أن تكون القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية الوهمية. أما حق العودة للاجئي فلسطين فإن حكومة "نتنياهو" لا ترفضها فحسب؛ بل إنها تريد أن تطرد من بقي من أبناء فلسطين في منازلهم وبَلداتِهم لتكون المناطق التي احتلوها يهودية خالصة لهم، وبحيث لا يبقى من أهل البلاد في منازلهم وقراهم ومدنهم ومزارعهم إلا من أقسم منهم يمين الولاء لدولة الاحتلال. وهذا أول حدث تاريخي من نوعه في العلاقة بين المستعمرين والشعوب المستعمرة. ويبدو أن جل هم الحكام العرب الآن هو إطفاء وهج المقاومة العربية في فلسطين ولبنان ليثبتوا لأنفسهم ما أوهموا به شعوبهم؛ أن لا قبل لجيوشهم الجرارة بمواجهة جيش إسرائيل الذي لا يقهر والذي أثبتت المقاومة في لبنان وفلسطين أن من الممكن أن يقهر بسهولة. ولعل الحسنة الوحيدة في وقائع اجتماعات "سرت" أن قمة أفريقية عربية تلت القمة العربية (الصافية)، وإذا كان بعض العرب يأمل منها استعادة الدور الأفريقي للوقوف مع قضايا الحق العربي العادلة كلها؛ فإن غرض البعض منها في ظني لم يكن سوى تدارك تداعيات المشكلة الناشبة بين دول منابع وحوض النيل حول توزيع مياه النهر العظيم. أعجبني تعليق ساخر لأحد المحللين السياسيين لنتائج القمة العربية المذكورة، حيث قال إن القمم العربية قد فرغت من حل القضية الفلسطينية وهي الآن بصدد حل القضية السودانية بنفس الطريقة؛ أي الاعتراف بما سيفرضه المجتمع الدولي الذي هو الإدارة الأميركية متعاضدة مع الوجود الصهيوني في القارة الأفريقية كأمر واقع وهو تقسيم السودان. حقيقة الأمر أن أحدا لم يعد يعبأ بقمم عربية كهذه إلا الدولة الصهيونية التي تجد في بياناتها ومقرراتها فُسَحا زمنية متوالية لتغيير الوقائع الجغرافية والسكانية على الأرض الفلسطينيةالمحتلة. وليس هناك من هو أكثر واقعية في التعبير عن حقيقة هذه المؤتمرات من الشعوب العربية ذاتها. ويكفي أن نشاهد النماذج التي قدمتها مختلف الفضائيات العربية والإسلامية والأوربية عن رأي المواطن العربي في مشرق الوطن ومغربه لنكتشف اليأس العام والشامل من هذه القمم فيما عدى استثناءات فردية نادرة تؤكد القاعدة. بقي في الموضوع ملاحظة لافتة وهي أنني شاهدت على شاشة الجزيرة أثناء إعلان قرارات القمة رسالة هاتفية تقول: "إن الجواب ما ترى وليس ما تسمع"، وحسبت أنها رسالة خفية صادرة عن القمة ذاتها توحي للعرب أن حكامهم سيصنعون معجزة بعد القمة. لكن الرؤية ثبتت بأسرع مما توقعت. فقد وافقت حكومة "نتنياهو"على إثر القمة مباشرة على المناقصة الخاصة ببناء مائتين وخمسين مستوطنة في القدس الشرقية. ففهمت عندها فقط من الذي أرسل الرسالة.