لم يكد يصل الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن على الى السعودية حتى اغرقت غرفة التجارة والصناعة الالمانية في برلين بالاتصالات ولم تنقطع حتى الان. ولقد اشار مسؤول في الغرفة الى ان اغلب الاتصالات كانت من مصدرين المانيين ينقلون بضائعهم عبر منطقة البلقان الى تونس والى بلدان في المغرب العربي لا يدرون حتى الان ماذا يفعلون ويريدون الحصول على معلومات عن الوضع، ما دفعهم الى تخزين ما يشحنونه في عنابر الموانئ رغم التكلفة العالية بانتظار ما سيحدث، اذ ان اعادتها الى المانيا يعني لهم خسائر بالملايين. وقال احد المصدرين الذي فضل عدم ذكر اسمه ولا البلد الذي يصدر اليه، لقد أبلغت منذ المظاهرات في تونس وتطور الاوضاع بان كل سفن الشحن التى كان من المفترض ان تغادر احد موانئ البلقان الى شمال افريقيا قد توقفت عن الابحار، وكلها محملة بآليات لمشاريع في مجال الطاقة المتجددة في بلدان عربية، لذا لن يصدّر بعد الان اي سلعة الى حين تجلي الوضع في تونس. وحسب قول مصدر في غرفة التجارة والصناعة الالمانية في برلين ل "إيلاف" فان الامر يتعلق ايضا باجهزة واليات تستخدم في استخراج النفط والغاز في المنطقة واجهزة لمشروع "دزرتك" لانتاج الطاقة المتجددة في صحراء شمال افريقيا. والوضع الان من وجهة نظره غير واضح ويجب الانتظار، فعدم الاستقرار السياسي يهدد الكثير من المشاريع. الا انه كذّب ما يتردد عن احتمال سحب بعض الشركات والمصانع فروعها من تونس ومصر ونقلها الى اوروبا الشرقية او بقاع اخرى من العالم. والحال ينطبق على الصادرات التي كانت في طريقها الى مصر وتصل قيمتها الى الملايين منها سيارات وقطع غيار واليات وما يتعلق بمشاريع انمائية ولانتاج الطاقة المتجددة. فبعد انفجار الوضع في مصر ومازال، لا يدري المصدرون الالمان مصير بضائعهم، خاصة تلك التي تشحن عن طريق قناة السويس، ايضا البضائع التي وصلت الى الموانئ المصرية فهي مازالت في العنابر او فوق السفن ولم يتم تفرغها بعد، ما يعني ايضا خسائر جسيمة لهم. فهل يهدد الخطر مصر كموقع استثماري الماني تقليدي منذ سنوات طويلة؟ هنا يقول خبير الاقتصاد الالماني فلتر نويهاوزن ل "إيلاف" يعتبر هذا البلد بالنسبة للكثير من الشركات الالمانية الاكثر اهمية في المنطقة العربية، فمصانع مثل مصنع MAN Ferrostaal او RWE او مصانع السيارات مثل "فولغسفاغن" يرى في مصر شريكا تقليديا.
عدا عن ذلك فهي سوقا للمنتجات الالمانية لها مكانتها، حيث تجاوزت قيمة الصادرات اليها عام 2010 ال 11 مليار يورو. وهو كما العديد من خبراء الاقتصاد يستبعد ان يتراجع اهتمام المانيا الاقتصادي والتجاري بالبلدان العربية او بمصر وتونس. ايضا الاستثمارات، لان لها اهمية كبيرة في الدورة الاقتصادية الالمانية.
وفي هذا الصدد اشار فيلكس نوغارت خبير منطقة الشرق الاوسط في غرفة التجارة والصناعة الالمانية، الى مواصلة الاهتمام بالساحة المصرية ان فيما يتعلق بانتاج الطاقة او الاليات على انواعها، لكن قد تضطر بعض الشركات الى التقليل من نشاطها لبعض الوقت الى حين تجلي الاوضاع. فهناك الكثير من المستثمرين خططوا لمشاريع في مصر وتونس ايضا ولن يلغوها ابدا.
وحسب تقدير محللين اقتصاديين المان تنظر الشركات الالمانية الى مراحل التغيير في البلدان العربية نظرة ايجابية، مع ذلك فان اي استثمار يحتاج الى استقرار طويل الامد وضمان قانوني، لذا ينتاب القلق بعض الشركات بسبب عدم الاستقرار السياسي في المنطقة، الا ان اول اشارة ايجابية على الاقل قد ظهرت في تونس بعد ان بدأت الاوضاع تعود الى طبيعتها. ما جعل المستثمرين الالمان وغيرهم يطمأنون بعض الشيء. لكن الاعمال هناك لم تعد بعد الى وتيرتها العادية لان الكثير من المصانع اصيب بالخراب نتيجة المواجهات بين الشرطة المواطنيين كما ولم يحضر الكثير من العمال الى العمل.
ومن المشاريع الالمانية المهمة في تونس مصنع لشركة كا اف تست بافاريا في مدينة سوسة ويعمل منذ عام 1974 اضافة الى فروع في مدن اخرى وتشغل اكثر من 7000 عامل تونسي. ولهذه الشركة فروع ايضا في منطقة الجيزة في مصر. وتملك شركة ريفال لوني للالكترونيات الدقيقة ومركزها في مدينة نوربيرغ فروعا في مصر وتونس وتشغل الاف العمال.
ورغم ان مصر بلد صغير مقارنة مع بلدان صناعة غربية، الا ان الصادرات الالمانية اليها تزيد باطراد. فاستنادا الى بيانات مكتب الاحصائيات الاتحادي في فيسبادن وصل حجمها عام 2010 الى حوالي مليارين ونصف المليار يورو، وتتشكل من اليات وسيارات وقطع غيار مقابل استيراد المانيا الغاز والنفط منها بقيمة وصلت العام الماضي الى حوالي 800 مليون يورو. وزادت الصادرات الالمانية الى تونس لتصل الى 1،33 مليار يورو والورادات مليار ومائة مليون يورو.
وتعتبر الاستثمارات الالمانية في مصر هي الاكبر في المنطقة العربية حيث وصلت العام الماضي الى 4،300 مليار يورو في مجالات متعددة منها في صناعة قطع الغيار لسيارات ومفروشات السيارات وهياكلها. فيما تعمل في تونس حوالي 300 شركة ومصنع وفروع لمصانع المانية في مجالات انتاجية عديدة وتشغل اكثر من 50 الف تونسي.