المشهد فى بنغازى، أمس، أقرب إلى محمد أمين مشهد اليوم الأخير.. صلاة جمعة يسمونها «جمعة النصرة».. ينطلقون بعدها إلى ميدان كبير، يشبه ميدان التحرير.. فهو لا يختلف كثيراً عن مشهد اليوم الأخير فى ميدان التحرير.. معناها أن شرعية القذافى قد سقطت داخلياً وخارجياً.. والعد التنازلى قد بدأ صوب نهاية النظام.. الثورة لن تطيح بالرئيس وحده.. ولكن سوف تطيح بالرئيس وابنه كالعادة! فالثورات العربية لا تطيح بنظام الرئيس فقط.. إنما تطيح بالرئيس والوريث.. حدث ذلك فى مصر، ويحدث الآن فى ليبيا، وقريباً فى اليمن.. ربما تعلّم الرئيس عبدالله صالح الدرس.. وتحدث عن تعديل الدستور، وعدم رغبته فى الترشح مرة أخرى.. لكن اليمنيين لن يمهلوه، حتى يُتم مدته الحالية.. الشعب يريد إسقاط النظام.. هكذا هو الحال فى كل الميادين.. يرفعون شعاراً واحداً «ارحل»! كان المصريون يقولون: «ارحل يعنى امشى.. أصله ما بيفهمشى».. ويبدو أن هذه الثورة، بالطريقة التى تمت بها، كانت ملهمة للشعوب العربية والغربية أيضاً.. من ناحية الطريقة والأدوات، وما صاحبها من شعر ومن شعارات.. لا تكتفى بالتنازلات قطعة قطعة.. لكن تصل إلى نقطة النهاية، وترفع سقف المطالبات إلى ضرورة رحيل الرئيس، تمهيداً لرحيل النظام كله.. وتنظيف مصر! وحين تتأمل المشهد فى بنغازى عقب صلاة الجمعة سوف ترى أن المصلين كانوا فى ميدان التحرير.. وأنهم ينتظرون خطاب التنحى.. هناك فى المقابل صورة باهتة وغريبة، لصلاة الجمعة أيضاً، يبثها التليفزيون الرسمى الليبى، هى أقرب إلى نقل الصلاة من مسجد التليفزيون.. وفارق كبير بين الصورتين.. ومؤشر كبير على أن نظام القذافى قد ينتهى، أو ينتحر! وجه الاختلاف بين ما حدث فى تونس ومصر.. وما يحدث فى ليبيا، أن القذافى لم يقدم تنازلاً واحداً.. باستثناء ما قاله سيف الإسلام القذافى.. حول ليبيا الجديدة والعَلَم الجديد والنشيد الجديد.. هناك وجه خلاف آخر أن رجال القذافى ينفضون من حوله.. يستقيلون فى الجيش وفى الداخلية وفى الخارجية، مما يؤكد أن القذافى يعيش فى عزلة.. وأنه يعد الساعات نحو النهاية، التى يريدها أن تبقى محرقة! الثورة العربية تتحرك غرباً وشرقاً.. تتهاوى عروش وتسقط أنظمة وعواصم، من تونس إلى القاهرة إلى بنغازى.. المدن تسقط فى أيدى الثوار.. لا نعرف إن كانت ستنضم إليها صنعاء؟.. ولا نعرف إن كان الجزائريون قد اكتفوا برفع حالة الطوارئ.. ولا نعرف إن كانت هذه الثورات تقف عند حدود الجمهوريات فقط، أم أن الملكيات العربية تتأهب هى الأخرى للسقوط؟!
وهل تكون الثورة فى البحرين مدخلاً لسقوط الملكيات العربية؟.. هل تبدأ من البحرين ثم تتحرك إلى المغرب، ومنها إلى الأردن والسعودية والإمارات؟.. المؤكد أن التغيير فى المنطقة لا يتعامل مع جمهوريات فقط، ثم يستثنى الملكيات.. بالعكس.. أظن أن الأنظمة الملكية أكثر استبداداً من الأنظمة الجمهورية.. وإن كانت الجمهوريات قد تحولت إلى ملكيات.. يرث فيها الأبناء آباءهم الرؤساء!
هذه هى الصورة فعلاً.. ميادين وثوار وحكام مستبدون.. بعضهم سلم نفسه.. وبعضهم هرب.. وبعضهم يحارب حتى آخر قطرة دم.. هكذا كان العرب بين جمهوريات مستبدة، وملكيات ظالمة.. وكلاهما كان يضحك علينا.. إما بالحوار الكاذب فى الجمهوريات.. وإما بتغيير الحكومات فقط فى الأنظمة الملكية.. الآن لا جمهوريات، ولا جماهيريات، ولا ملكيات.. قطار التغيير يبدو أنه من النوع القشاش!