كل يوم جديد تتكشف معلومات جديدة، وحقائق خطيرة حول مسلسل التآمر على اليمن، وحلقاته الداخلية والخارجية، إلا أن أهم الحقائق التي ينبغي الوقوف أمامها بأطول زمن مستطاع هي: أن كل هذه الأحداث والمؤامرات ليست وليدة اليوم، أو هذا الشهر، بل إنها طبخت في غضون فترات سابقة قد تكون عدة أعوام. إن تلك الحقيقة دفعت البعض إلى محاولة استثمارها في الاتجاه السلبي بإثارة السؤال: أين كانت الدولة؟! وقد يبدو السؤال منطقياً؛ إلا أن تعقب المصادر التي تثيره يكشف أنها نفس الأطراف المتورطة في إثارة الفتن بصعدة وعمران وبعض مدن الجنوب، أو التي تقدم لها دعماً لوجستياً.. وبما يؤكد أن القصد من السؤال هو التنكيل بأجهزة الدولة، ورفع وتيرة الشكوك، وزعزعة ثقة صناع القرار بالأدوات الوطنية. ويبدو أن الخطأ الذي يقع فيه البعض الآخر عند مناقشة نفس السؤال هو قراءة الأحداث مجزأة وبمزاجية انتقائية، قد تكون أحياناً بسبب نقص المعرفة بالشيء؛ لأن أية مراجعة شاملة لمسيرة الدولة اليمنية لابد أن تقود الجميع إلى إدراك أن الدولة لم تكن «نائمة» بل كانت تستشعر الخطر، وتعدّ عدتها لمواجهته. لو دققنا بالأحداث لوجدنا أن قرار إنشاء جهاز الأمن القومي جاء متزامناً تقريباً مع أول شرارة للفتنة في صعدة أشعلها حسين الحوثي الذي دفع حياته ثمناً لما اقترفت يداه.. ثم قامت وزارة الداخلية بعد فترة وجيزة من ذلك بإنشاء قوات مكافحة الإرهاب، والشرطة النسائية، وقوات خفر السواحل، وتبنت مشروعاً إصلاحياً لإعادة هيكلة بعض القطاعات الأمنية، وإقرار أوسع خطة إعادة انتشار أمني تم تنفيذها على أربع مراحل انتهت مطلع العام الجاري. وإلى جانب مشاريع تحديث المؤسسة الأمنية، فإن كل ما سبق ذكره لم يأتِ من فراغ، بل هو استشعار مبكر للتحديات الأمنية التي تتوقع القيادة اليمنية مواجهتها.. لكن تعاظم التهديدات الأمنية كان وليد غباء سياسي ترجمته بعض القوى السياسية المعارضة التي تصورت أن تعزيز الفوضى الأمنية، ودعم القوى التي تمارس العنف وتخترق الدستور والثوابت الوطنية قد يهيأ المناخ أمامها للانقضاض على الحكم، فكانت أن فجرت العنف والشغب في بعض المناطق وخلقت تحدياً أمنياً جديداً يمارس اعتداءات مباشرة على أرواح وممتلكات المواطنين ومؤسسات الدولة.. وجدت فيه تنظيمات القاعدة مظلة آمنة لتفعيل نشاطها هي الأخرى.. كما وجدت فيه قوى الفساد فرصتها الذهبية لتعطيل أية برامج حكومية باشرتها الدولة على صعيد مكافحة الفساد والإصلاحات المالية والإدارية. ومن هنا وجدنا أنفسنا جميعاً نسلط الأضواء على المحافظات الجنوبية، ولا شيء آخر سواه، دون أن نلتفت إلى أن ثمة فراغاً حدث في «الشمال» وأن هناك من بدأ يستغله لتكديس الأسلحة وتعبئة المقاتلين والاستعداد لإشعال حرب انفصالية جديدة تطالب بإرث الإمامة. لذلك، وبمجرد أن أشعل الحوثي فتيل الحرب السادسة؛ فوجئنا جميعاً بتوقف الحراك ، وعودة أحزاب المعارضة من الشوارع إلى المقايل لتغط في نوم عميق، فقد أنهى الفريقان المهمة المناطة بهما من قبل القوى الخارجية. ومع كل ذلك، فإن المؤسسة الأمنية استكملت بناء أجهزتها المستحدثة، وطوّرت آلياتها، وسطرت أكبر انتصاراتها في تجفيف منابع الإرهاب القاعدي، والحد من الجريمة المنظمة، وكانت أول مؤسسة عربية تضبط خلية إرهاب الكتروني - الذي يعتبر أخطر أشكال الإرهاب - ولولا الاستعدادات المبكرة لما كان بوسع أحد اكتشاف الخيوط الخارجية والداخلية للتمرد الحوثي والحراك الانفصالي. وبالتأكيد، هناك مؤامرات سرية تم إحباطها، وظلت ملفاتها في أدراج أسرار الدولة.. فهل عرف المشككون أين كانت الدولة طوال الفترة الماضية؟!.