من أسقط صنعاء؟! السؤال بمعنى أكثر دقة: ما علاقة الرئيس السابق علي عبدالله صالح، والسفير أحمد علي عبدالله، حتى تطالعنا باسميهما الأخبار المسرَّبة من الرئاسة والمبعوث الأممي جمال بنعُمر ضمن خمسة يقال بأنهم مهددون بعقوبات أممية على خلفية سقوط صنعاء؟! التي أكد، أصلاً، الرئيس عبدربه منصور هادي أنها لم تسقط!! الحرب من مبتداها في عمران، وما قبلها في كتاف ودماج، وصولاً إلى العاصمة صنعاء لم تكن بين أشباح وإنما بين جماعات مسلحة لكلٍّ منها مواقعه وراياته والمتحدثون باسمه ومبرراته "المقدسة" للحرب.. ووسائل الإعلام التي تعلن على الملأ كم من القتلى والجرحى في صفوف خصومه، وأحياناً كم شهيداً اختاره الله من بين صفوف مقاتليه.. وكان لكلِّ طرف مفاتيح للجنة يوزعها على مقاتليه، وهي المفاتيح التي لا يمتلكها الرئيس السابق وسعادة السفير، وحزب المؤتمر الشعبي بشكل عام.
هذه الحرب طالما تخلَّلتها اتفاقيات هدنة، صحيح أنه كان- الاتفاق- سرعان ما ينهار، غير أنه يكفي للتعرف على الأطراف الموقعة عليه باعتبارها أطراف الصراع.
****
صحيح أن حزب الإصلاح "الإخوان" حارب تحت مسمَّيات عدَّة، وبحسب ما تتطلَّبه ظروف المنطقة، "شباب الثورة، اللجان الشعبية، القبائل، الجيش... وأخيراً القاعدة"، إلَّا أنه عند التوقيع على الهدنة كان يوقِّع باسمه صراحة، كشرط يضعه الطرف الآخر لقبول الاتفاق.
دوماً، كان يمثل الطرف الأول في كل اتفاق "حزب الإصلاح ومن معه"، والطرف الثاني "أنصار الله ومن إليهم"، هكذا كان يتم تحديد الأطراف وبهذه الصيغة، وبإمكان لجنة العقوبات الدولية أن تطلب تزويدها بنسخة طبق الأصل من كلِّ اتفاقية.
في مدينة عمران، مثلاً، قاتل حزب الإصلاح خصومه بأحد أكبر ألوية الجيش (310 مدرع) والذي يفترض أنه تابع لوزارة الدفاع.. وقبل أن يسقط كانت قد حصلت هدنة، لم يوقِّعها قائد اللواء (حميد القشيبي) باعتباره طرفاً وإنما وقَّع عنه قادة فرع الإصلاح في عمران.. وعندما اقتحم الحوثيون هذا اللواء وقتلوا قائده ونهبوا كامل آلياته لم يصدر من الرئاسة أو الدفاع أو هيئة الأركان ما يدين صراحة الحوثيين، بل على العكس نفَّذ الرئيس، تزامناً مع تشييع القشيبي في صنعاء زيارة إلى عمران ومن هناك قال: "عمران اليوم تنعم بالأمن والأمان"!! ما يعني أن الرئيس كان ينتظر هذه النتيجة.
واتِّساقاً مع هذا الموقف للرئيس، حدَّدت بيانات المجتمع الدولي (مجلس الأمن، الاتحاد الأوروبي، أمريكا، الدول العشر) أطراف الصراع بأنها بين جماعة الحوثي ومجاميع مسلحة من حزب الإصلاح وجماعات مسلحة أخرى.. في إشارة واضحة إلى مشاركة تنظيم القاعدة، قبل أن يعلنها التنظيم رسمية، وشدَّدت تلك البيانات على ضرورة التزام وحدات الجيش والأمن بالعمل تحت السيادة الوطنية.. وهي إشارة لا تقبل الَّلبس بأن اللواء 310 مدرع خاض المواجهات متمرداً، وممثلاً عن حزب الإصلاح وحلفائه القبليين والعسكريين والدينيين، لا عن الدولة.
***
تمدَّدت الحرب المتناسلة والتي جرت جميع أحداثها في المناطق الواقعة عسكرياً في إطار ما كان يعرف ب(المنطقة الشمالية الشرقية) بقيادة اللواء علي محسن الأحمر. وتساقطت معاقل الإخوان واللواء علي محسن، الواحد تلو الآخر، وصولاً إلى أطراف العاصمة، ثم أصدر الرئيس هادي-وليس علي عبدالله صالح وأحمد علي- قرار رفع الدعم عن المشتقات النفطية، لتبدأ بذلك معركة صنعاء وسقوط معاقل الإخوان ومحسن في العاصمة، بقرار خاطئ من الإخوان ومحسن أنفسهم عندما تقدموا لخوض الحرب وإملاء المعسكرات بالمليشيات، وكان مبرر هادي-للجرعة- أن البلاد وصلت إلى حافة الانهيار، وأن الحكومة لم تعد قادرة على الوفاء بالتزاماتها!!، فيما كان مبرر الإخوان ومحسن أن الحكومة غير قادرة على مواجهة "الروافض" وحماية صنعاء من المدِّ الحوثي.
قرار الجرعة، لا قرار علي عبدالله صالح وأحمد علي، شكَّل أرضية خصبة لأية مخيمات اعتصام تُنصب، وكان أنصار الله (الحوثيون) الأكثر تهيؤاً لقطف ثمار الفرصة واستغلال "القوة" الشعبية التي منحهم إياها قرار الجرعة أولاً من هادي، وثانياً قرار التمسُّك والدفاع عنها من قبل الإصلاح ومحسن.. فرضوا حزاماً قبلياً على العاصمة صنعاء من جميع الاتجاهات.. قادمين من مناطق كان "الإخوان" الإصلاح ومحسن يعتبرونها حزاماً قبلياً مسلحاً خاصاً بهم لتطويق صنعاء، وقوات الحرس الجمهوري كما حصل في 2011م، ولكن سرعان ما ثبتت هشاشته ليأتي حزام الحوثيين بأربع ساحات غير مسبوقة في تاريخ اليمن (حزيز، الصباحة، الرحبة، بيت نعم) وتمدَّدت بعد ذلك إلى داخل أحياء العاصمة قبل أن تنفجر الأوضاع بسبب محاولات الأمن ومليشيات مسلحة فضّ الاعتصام في شارع المطار، تلا ذلك مجزرة ساحة مجلس الوزراء.. وتبادلت الرئاسة والإخوان الاتهامات بشأن مسؤولية ما حدث، ورغم التحرك المكثف للجان الرئاسية وما حققته لجنة (هلال والإرياني) انفجر الوضع بشكل أكبر، وذهب الطرفان (الحوثيون والإخوان) لخيار الحسم بقرار مفاجئ، ليس من الرئيس صالح وسعادة السفير أحمد علي، وإنما من الرئيس هادي والمبعوث الأممي بنعُمر، قضى بتجميد هلال والإرياني وما توصلا إليه من اتفاق لوقف الحرب واستبدالهما بمدير مكتب الرئيس "أحمد بن مبارك" وبنعُمر، وكما لو أن المخطط كان يقتضي سرعة التدخُّل لقطع الطريق أمام أية اتفاقيات وترك الحرب تأخذ مجراها حتى السقوط الكامل لأوراق الضغط الإخوانية وقوات اللواء علي محسن "الفرقة"، والتي ظلت تشكل عائقاً أمام امتلاك الرئيس هادي حق اتخاذ القرار.
***
ما الذي فعله اللواء علي محسن الأحمر وقيادات حزب الإصلاح؟!
بدون أية صفة، عاد الجنرال علي محسن الأحمر، وليس علي عبدالله صالح وأحمد علي، إلى مكتبه السابق في الفرقة الأولى مدرع "المنحلة" ليطلق رصاصته الأخيرة.. وقال حزب الإصلاح في صفحات ناشطيه على مواقع التواصل الاجتماعي: "عاد الأسد إلى عرينه".. طبعاً قبل أن يرحل إلى جهة مجهولة تاركاً مسلحي خصومه "الحوثيين" شباباً شُعثاً غُبراً، والذي شكَّلت عودته لقيادة المواجهات حافزاً لا يماثله حافز، يتجشَّمون عناء نقل آلياته المتهالكة الثقيلة وما تبقى من الأسلحة المتوسطة والذخائر التي لم يسعفه الوقت لتبديدها، أكان في أجساد خصومه أو توزيعها على مقاتلي جماعته "الإخوان" ومن تم استقدامهم من تنظيم القاعدة لقتال "الروافض"، كما يحب تسميهم.
وفيما تركهم أيضاً، محسن، يتحمَّلون عناء البحث عنه، ولا يزالون، تسابق حزب الإصلاح والرئيس هادي في التنصُّل مما حصل، وتبادل الاتهامات في ما بينهما، ولكن دون نسيان توجيه اتهاماتهما المتبادلة صوب الرئيس السابق والسفير أحمد علي، وكما لو أنه كان على الرئيس صالح وسعادة السفير القيام بدور القائد الأعلى للقوات المسلحة والأمن "هادي" في حماية مؤسسات الدولة، أو القيام بدور قيادة الإصلاح في تجنيب حزبهم والوطن ويلات الحروب، أو القيام بدور مليشيات الإصلاح وعلي محسن والقاعدة وأولاد الأحمر في التصدي للحوثيين وإلحاق الهزيمة بهم.
في إطار تبادل الاتهامات، قال حزب الإصلاح وهو يحمَّل المسئولية الرئيس هادي، ومبرراً لقواعده هذا السقوط المدوي: "هذه الحرب لا تخصُّنا، لسنا مسئولين في الدفاع عن قوات الجيش وجامعة الإيمان ومؤسسات الدولة".
وعلى العكس، قال الرئيس هادي: "الدولة التزمت الحياد"، محمِّلاً الإصلاح ومحسن المسئولية، ومبرِّراً عجزه في القيام بأي شيء، وهو يراقب من شرفة قصره شباباً لم تغتسل ثيابهم لأسابيع، يغتنمون معسكرات الجيش والأمن.
***
خلاصة الأمر..
الحوثيون، وبعد مواجهات طاحنة، تغلَّبوا على خصومهم واقتحموا معسكرات الجيش والأمن ونهبوها. فإن كانت تلك القوات خاضت الحرب بأوامر الرئيس والدفاع فهما- الرئيس والدفاع- من يتحمَّل مسئولية الفشل لعجزهم في الدفاع عنها أمام جماعة مسلحة. هذا إذا لم تكن المسألة "خيانة عظمى".
وإن كانت قوات الجيش (الفرقة) خاضت المواجهات متمردة على القائد الأعلى للقوات المسلحة والأمن، ووزارة الدفاع، فالمسئولية تقع على عاتق قادة الإصلاح، وفي المقدمة حلفاؤهم القبليون أولاد الأحمر، وحليفهم العسكري اللواء علي محسن الأحمر، دون إعفاء الرئيس من المسئولية، حيث كان عليه أن يعمل على منعهم وإعلان تمردهم للشعب وتحريك قوة عسكرية من الحرس الرئاسي لاعتقالهم وإحالتهم للقضاء العسكري، وإخطار رعاة المبادرة الخليجية صراحةً بذلك لإصدار عقوبات أممية بحقهم.