حرية التعبير والتفكير محك أساسي للتغيير ،والفتاوى التي راج سوقها منذ بداية التسعينيات ،أسهمت بشكل كبير في صنع التشوهات ،وتأليه الاستبداد.. الأخوة الأفاضل علماء الدين افتوني فيما حصل قبل أيام ،في جولة القصر أمام مصنع الثلج ،وبجوار موقف الحافلات المؤدية إلى الحوبان :أربعة مسلحون ،يسوقون موتسيكلات ،ومعهم حافلة ،نزلوا فجأة ليختطفوا بالقوة فتاتين ،الفتاتان كانتا تشربان الماء من محل بيع الثلج ،وفجأة وجدتا انفسهما تتعرضان للخطف بالقوة ،...كانتا تستغيثان بالناس ،لكن المسلحين أقنعوا المتجمعين أنهما سرقا مبلغاً من المال من سعودي ،كان يقلهما بسيارته ،ولأنهما مزينات وجوههما ،تحول الجمهور إلى جزء من عملية الاغتصاب «محاولة الخطف» شعرت بالعجز ،وأنا أحاول أن أخاطب المسلحين ،بقيم النخوة والشهامة ،لم يلتفتوا إليّ إلاّ بأسلحتهم ...مع ذلك الفتاتان قاومتا باستماتة ،واستطاعتا أن تذهبا معاً ،رغم أنّ إحداهما أغمي عليها بسبب قسوة الحدث -باتجاه الحافلات ،تركت المشهد ،والمسلحين يسوقون موتسيكلاتهم باتجاه الفتاتين ...هل هناك شعور بالعجز والذل أقوى من أن تقف عاجزاً عن الدفاع عن فتاتين تتعرضان للخطف ،ثم الاغتصاب ؟المختطفون أخرجوا بطائق للناس على أنهم مباحث !لكنني متيقن من ان حالة اللا دولة هي التي ستجعلنا نعيش مثل هذا الوضع ...أفكر بشكل عملي بأن أسفِّر بناتي إلى القرية ،لأنهن يتعرضن للأذية بشكل يومي ...هل يجوز الانشغال بصياغة فتاوى التكفير ،ونحن في وضع كارثي كهذا ؟ موقف الناس الذين تجمعوا ،وتعاطفوا مع المسلحين ، ليس ملفتاً للأمر هم صناعة وعاظ السلاطين ،والأسرة التي ترى الفتاة عورة وعاراً ،ودرجة ثانية، موقفهم ينسجم مع الآلة التي انتجتهم ،لهذا خاطبهم المختطفون بلغة مشتركة بينهم جميعاً... جريمة اغتصاب فتاة ،من خلال الزواج وهي دون الثامنة عشرة -رغم فظاعتها أهون من سحل فتاتين في الشارع العام ،وبمباركة الناس ... حين قلت للإصلاح أين يساركم؟ ،كنت أريد تطوير حالة التجمع اليمني للاصلاح لأنهم الأقدر على التجديد الديني ،اجتماعياً ...أنا أريد ديناً يشبه حلم سلمان الفارسي ،وابي ذر الغفاري ،وعلي بن أبي طالب ،وعقلانية عمر بن الخطاب ،وإنسانية نبيل الصوفي ،وشعور أروى الخطابي وتصور عصام المشمر ... من حيث التوجه لا زال عندي أمل في التجديد عند الاصلاح ،ولعل حضور الزيدية وتطورها المذهبي سيدفع الاصلاح للتطور … ليس هناك ما يجعل الفتوى مجرد رأي ،هي سلطة إدانة وقمع ،لهذا لا يمكن التعامل معها في البلدان العربية والاسلامية على أنها مجرد رأي ،وتعبير عن حق فكري ،على عكس كتابات بعض الزملاء الذين يتوسلون لغة تشخيصية ،ليعبروا عن حالة يأس أو قهر ،فتأتي لغتهم عاكسة لتلك الحالة ،باستخدام لغة استعارية ،رائجة كثيراً في اسفزاز العوام ورجال الدين -لكن سلطة الفتوى لديها سلطة التحريض ،وتعزيز ثقافة العنف ... في كل مراحل التحولات في اليمن ،كانت الفتوى ،وكان رجال الدين أحد أدوات السلطان ،التي يتكئ عليها في تثبيت ملكه ...في اليمن حين قام الأحرار عام 1948م بحركتهم وفشلت ،كان الناس يرمونهم بالقاذورات ،أثناء اقتيادهم الى سجن حجة ،لأنهم «مدسترين» وكلمة «مدسترين» تطلق على رجالات 48م لأنهم نادوا بضرورة صياغة دستور ،أي أنهم ارادوا حكما دستورياً ،وهي كلمة تماثل مصطلح “الحداثيين”من حيث التحريض الشعبي ضدها ...في بداية حكم «علي عبد الله صالح» كان الدين عنصراً هاماً بل الأهم في الصراع ضد جمهورية اليمن الديمقراطية ،فالوطني يدحضه الاسلامي ،والجبهة الوطنية تدحضها الجبهة الاسلامية ...لقد تم تكفير الدكتور «حمود العودي» بسبب عبارة هشة ،وليست جوهرية في كتابه ،لكن ترويض المثقف كان يحتاج إلى الدين كي يخيف به المثقف ،فلا يجد ملجأ يحميه ،سوى السلطة ،وهكذا تحول «حمود العودي» إلى مثقف سلطة ،وأصبح يدير مركز منارات ،وبتمويل وتبعية للواء «علي محسن»وكذلك تم تكفير الدكتور عبد العزيز المقالح بسبب قصيدة له واستتيب ،فتاب واعتذر ،ضمن سياق ترويض المثقف،وتدجينه ،واثناء محادثات التوقيع على اتفاقية الوحدة ،تم تكفير أحمد ناجي النبهاني ،وكان للعزيز حسن زيد دور منافح ومدافع عن أحمد ناجي -كان رجال الدين وما زالوا ،جاهزين في تكفير المثقف ،لمجرد لفظة يقولها مثقف ،في لحظة نزق أو رفض ،ولعلّ تكفير أحمد ناجي النبهاني كان واحداً من تلك الممارسات التي جعلت التدين عند بعض المثقفين ،مجرد تعبير عن حالة خوف من هيمنة الفتوى ...وطيلة أعوام 90-94م كانت خطب الأستاذ عبد المجيد الزنداني ،وعبد الله صعتر ،والعماد والديلمي ...الخ جلها تدور حول جهودهم في إدخال الشيوعيين إلى الاسلام ،وعلى هذا الأساس كانت فتوى حرب 1994م... ولأننا في مرحلة تحول ،وفي مفترق مسارات ،تأتي الفتوى هذه الأيام لتفرض خياراً قسرياً باسم الدين.