حملت موافقة كوريا الشمالية على تعليق إطلاق صواريخها طويلة المدى وتجاربها النووية ونشاطاتها لتخصيب اليورانيوم في مفاعل يونغبيون الشهير، وموافقتها كذلك على عودة المفتشين الدوليين للتحقق من تعليق نشاطاتها لتخصيب اليورانيوم، انفراجا لدى المجتمع الدولي، بينما لا تزال جارتها سيئول أنها تشكل الخطر. بعد ثلاثة أشهر من وفاة الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ إيل الرمز الأعتى فهما وقبولا، أتت روح الشباب في ابنه "أون" الذي لم يتجاوز عقده الثالث من العمر منصبا إياه بوصيته زعيما خلفا لأقوى الأنظمة الدوغمائية والمقلقة في تطوراتها النووية المجتمع الدولي. دولة بيونع يانغ أرهقت الاستخبارات العالمية بكافة تطوراتها وجواسيسها من الأميركيين حتى جيرانهم الكوريين على الطرف الجنوبي، وجعلت الدولة الشمالية من تصرفاتها وخروجها عن العرف الدولي تحت طائلة العقوبات، ورغم ذلك عاشت هذه الدولة وكأنها بعيدة عن الكرة الأرضية، غير أبهة بما يحدث وما سيكون. أون الفتى اليافع الذي تعيش فيه روح الشباب الطامح والحالم بالتغيير، يبدو عليه الرغبة في تغيير الدفة قليلا عن مسار والده الذي ظل يحكم لأكثر من ثلاثين سنة راميا بلاده تحت جنح الظلام، وموصدا الأبواب الكبرى عن التفاوضات أو حتى الاعتراف بدول العالم عدا جارته الجنوبية ي اجتماع عابر في العام 2000. تفاؤل عالمي في أن الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ –أون سيغير مسار والده رغم وقوعه تحت ظل حزب شيوعي ناري، ووفقا لصحيفة نيويورك تايمز ترى أن الكورية الشمالية "استجابت للظروف الداخلية، فهي إن امتلكت السلاح النووي فدلالة ذلك أن من بين شعبها علماء وعقول من الممكن استغلالها إيجابيا لخدمة البشرية مع أن في تولي الرئيس الشاب الجديد مقاليد الأمور في كوريا الشمالية قد يعرض الأمن الإقليمي والدولي للخطر نتيجة صراعات السلطة وعلاقاته مع الجيش". الزعيم الجديد الذي جاء كاسم وحيد بعد شقيقين لا يحبذهما والده، الأول زور الجوازات للدخول إلى اليابان، بينما الآخر يميل إلى حب الحياة والهوى ما جعل والده يلقبه بالأنثى، وليس الزعيم أون ببعيد عنهم، لكنه راضى والده عبر العزف على وتره الذي يحبذه الكبير الراحل، وإلا فهو رجل عاشق للفن والحياة، تخرج من مدارس سويسرا وتعلم الحاسب الآلي اللغة العصرية من خارج أسوار دولته. اليوم جاءت الأنباء من واشنطن معلنة موافقة بيونغ يانغ على تعليق إطلاق صواريخها طويلة المدى وتجاربها النووية ونشاطاتها لتخصيب اليورانيوم في مفاعل يونغبيون الشهير، وموافقتها كذلك على عودة المفتشين الدوليين للتحقق من تعليق نشاطاتها لتخصيب اليورانيوم فيه. كل ذلك التطور يرسم خطا في الأفق لونه "غير تفاؤلي"، وسيكون من نصيب الكورية الشمالية وكذلك شبه الجزيرة الكورية ومنطقة آسيا الشرقية، وهي دول تشكل في اقتصادها ونموها قوة العالم القادمة والحالية، وهو أمر يصب في مصلحة كوريا الشمالية إن هدمت الأسوار المبنية حولها. وفي ذات المواصلة من الموقف ومن باب المفاوضات المتكررة أعلنت أميركا موافقتها على عقد لقاء مع كوريا الشمالية لوضع اللمسات الأخيرة على تفاصيل إرسال مساعدات غذائية إلى بيونغ يانغ وضمان وصولها إلى المحتاجين، وهو ما يؤكد السعي إلى إعادة ترتيب الأوضاع الداخلية لدى الشعب الكوري الشمالي بعد أن أعياه الفقر والجوع والخوف. صف آخر من الشرق الآسيوي يرى أن كل تلك التطورات لم تخرج عن عباءة الزعيم كيم ايل سونغ، فالحزب هو من يحرك كل الصغائر والكبائر داخل سياج كوريا الشمالية، وإن كان الحالم بالتغيير يود غير ذلك، لكن تاريخ الشيوعيين على مدار تاريخهم يطل برأس التغيير والتصفية. كوريا الشمالية في شعارها الحي "أمة قوية ومزدهرة" لن تكون كذلك إلا عبر أخذ العظة من دول عربية وغربية مالت إلى التغيير الإجباري بعد عواصف الربيع والخريف السياسي التي لا تنبع سوى من الشعب، حتى وإن زادت القوة العسكرية والأمنية لكن الشعوب تظل هي منبعه. لا مزايا تذكر في شخصية أون الجديد، لكن ربيعه الذي يقترب من بداية الثلاثين من العمر يعطي دلالات المستقبل بناء على ما يريده الجيل الطموح القابع خلف تقنيات الشبكة والمنفتح على العالم على بُعد لمسة واحدة، عليه تغيير الدفة كما بدأ في أول أشهره الأولى لإقرار تعليق تخصيب اليورانيوم والسماح للمراقبين الدوليين بزيارة بلده، فلعل في ذلك عتبة يستطيع تجاوزها للوصول إلى النمور الأسيوية ذات الاقتصاد القوي، أو أقلها التكامل والاتحاد مع الجارة الجنوبية الغازية للعالم بتقنيات التطور، و"أون" أول العارفين بمدى تطور سيئول التي عاش فيها للدراسة "سرا".