يوقن الإنسان المحاط بالمخاطر وبالمهام الصعبة، أن النجاح والمراهنة على قوة الناس هما القيمة الوحيدة والأكيدة للبلوغ إلى الرفعة والى المجد، وكذلك هو الرئيس هادي كما يبدو إلى حدس الناس البسطاء الآن، فضلا عن حدس أساطين السياسة. خلال العقود ال3 الأخيرة، كانت صورة الرئيس في الذاكرة الشعبية للناس، هو ذاك الذي يأتي بالجن مربطين. الأمر لا يخلو من "نخيط" متكئ على جيش من الأقارب بالتأكيد. وخلال الأشهر القليلة الفائتة، تغيرت الصورة إلى حد كبير، ولم يعد الرئيس في الوجدان الشعبي هو ذاك الذي يأتي بالجن مربطين، بل ذاك الذي يخطو إلى الأمام عازما بوضوح أن حياة اليمنيين لن تظل مربوطة في أيادي حفنة من الجن! وبالنظر إلى الخطوات الواثقة والشجاعة التي يقوم بها الرئيس عبد ربه منصور هادي، يدرك -حتى الإنسان العادي- أن هذا الرجل القادم إلى كرسي الرئاسة في ظرف صعب –كهذا- يحمل في وجدانه اليمني مصرع الجن، ولكن بطريقة لا تؤجج أحقادا، فلم يعد بوسع اليمنيين احتمال المزيد من الخراب. ببساطة، يمكن القول إن آلة الكلام الكثير لدى منصور معطلة، وآلة المضي انسيابية، ما يجعلنا نشعر –بصدق- أن لهذا الرجل "المرحلي" مهابة بناء عتيد سيطفو بالبلد فوق الهشاشات، وفي هذا البلد الطيب يا سيدي ما يستحق الفعل بدأب وصدق. أيها الرجل "المرحلي"، طهر المراحل كلها من الأحقاد ومن الانقسام ومن بطولات الكلام. ستكون سواعد اليمنيين كلها عضدا لك، ستكون عصاك التي تتوكأ عليها وتهش بها، وترقع بها نثرات الخائبين هنا وهناك.. لا تكن ظهرا لأي أحد، ستكون اليمن كلها ظهرك. البلد والناس معا بحاجة ماسة إلى قيادة رجل متخفف من الأحقاد، ومنصور الذي ذاع صيته -في البدء- كقائد عسكري أثناء حرب صيف 94 اللعينة (كم أمقت هذه الحرب)، يسير بالبلد إلى سماوات من الحلم والأمل، ما جعل اليمنيين المنهكين من أحمال الماضي يتابعون -لأول مرة في حياتهم- قنوات الأخبار وفي عيونهم صورة كبيرة لرجل يكبر على نار هادئة. كانت أكبر مشاكل الرئيس صالح أنه لم يبنِ دولة حقيقية قدر ما جعل الناس ميالين إلى "الديولة"، فكانت مغادرته للسلطة صادمة، لقد استيقظ الناس على تركة ثقيلة من الأشخاص اللي كل واحد منهم عامل نفسه "ديولة" لا رأسه! غادر صالح السلطة، واستيقظ محبوه وخصومه معا على بلد كل شيء فيه بلا ملامح واضحة، وعند السؤال مثلا: هذا الجيش يتبع من؟ هذا الأمن يتبع من؟ هذه القاعدة تتبع من؟ هذه المؤسسات الكبيرة تتبع من؟ هذا البرلمان يتبع من؟ عادة ما يكون الجواب واحداً: إنها مجرد "ديولات" صغيرة اعتقدنا مرارا أنها تتبع رجلاً واحداً جعل كل شيء في يديه، غير أن انقسام الجيش لا يفقأ عين إنسان اليمن فحسب، بل ويفقع مراراته أيضا. وإنه لمن المعيب علينا جميعا أن نصفق لبقائها أو نقايض بها. وبين هذا وذاك أقول مقتنعا أيضا بأن الكتابة عن الرئيس صالح بحقد أو بلون الخصومة الآن، لم تعد مهمة شريفة على الإطلاق. البلد لا يحتاج إلى خطاب مشحون بالخصومات وبالمناكفات، بل إلى خطاب محبة وبناء وتسامح. الأحقاد لا تورث غير الأحقاد، والبلاد والله ما هي ناقصة .