متابعات يتوقع خبراء أن تنخفض مشتريات الولاياتالمتحدة من نفط الشرق الأوسط بحلول 2020 فيما يؤكد مسؤولون ان المنطقة ستبقى مهما للسياسة الخارجية الأميركية بسبب استمرار تأثيرها في أسعار النفط العالمية. لندن: يتوقع محللون أن تخفض الولاياتالمتحدة اعتمادها على نفط الشرق الأوسط بمقدار النصف في هذا العقد ويمكن أن تنهيه تماما بحلول عام 2035 نظرًا لهبوط الطلب ونمو مصادر نفطية جديدة بوتائر متسارعة في نصف الكرة الغربي. وستكون لهذا التطور الناجم عن تقدم التكنولوجيا المتخصصة بفتح مصادر نفطية جديدة في تكوينات الصخر الصفحي والرمال النفطية وقيعان المحيطات، آثار بالغة على اقتصاد الولاياتالمتحدة وأمنها في مجال الطاقة. وتأتي نسبة كبيرة من هذه الوفرة المفاجئة نتيجة الاستخدام الواسع لتكنولوجيا "التكسير المائي" التي أُتقنت خلال العقد الماضي في حقول أميركية كانت في السابق تُعد عديمة الجدوى. وتقول ادارة معلومات الطاقة في الولاياتالمتحدة ان ما يقرب من نصف النفط الذي تستهلكه أميركا سيكون من انتاج محلي بحلول عام 2020 وان 80 في المئة منه سيُنتج من الساحل الشرقي للولايات المتحدة. وكانت منظمة البلدان المصدرة للنفط "اوبك" توقعت مؤخرا ان شحنات النفط من الشرق الأوسط الى أميركا الشمالية "يمكن ان تنتهي تقريبا" بحلول عام 2035 لأسباب منها سيارات ذات محركات أعلى كفاءة وامدادات أكبر من الطاقة المتجددة سوف تُسهم كلها في الحد من الطلب. ويحقق هذا التغير هدفا قديما في السياسة الأميركية هو زيادة انتاج النفط من مصادر قريبة مستقرة وخفض استيراده من منطقة متفجرة في النصف الآخر من الكرة الأرضية، على حد تعبير صحيفة وول ستريت جورنال ناقلة عن مسؤول شؤون الطاقة في وزارة الخارجية الأميركية كارلوس باسكوال قوله "في حين ان مخاوف حقيقية وجدية كانت قائمة في السابق بشأن القدرة على إدامة الاستمرار في امكانية تأمين امدادات الى الولاياتالمتحدة لو حدثت انقطاعات في الشرق الأوسط فان هذا الوضع تغير" الآن. ويؤكد مسؤولون أميركيون ان الشرق الأوسط سيبقى مهما للسياسة الخارجية الأميركية بسبب استمرار تأثيره في اسعار النفط العالمية من بين عوامل اخرى. وقال باسكوال "ان من الضروري ان نواصل الاهتمام بطريقة عمل الأسواق العالمية لأن لدينا مصلحة اساسية في ان تكون هذه الأسواق مستقرة". ويعني هذا ان قوات الجيش الأميركي ستواصل حماية ممرات نقل النفط في المنطقة كما فعلت منذ عقود. وقال مايكل اوهانلون الخبير بشؤون الأمن القومي في معهد بروكنز "ان لا أحد آخر يستطيع حمايتها وإذا لم تعد هذه الحماية متوفرة فان اسعار النفط سترتفع في الولاياتالمتحدة". ولكن الصين التي يزداد استهلاكها لنفط الشرق الأوسط تسعى الى تعزيز وجودها في المنطقة بمشاركة بحريتها في مكافحة اعمال القرصنة قرب الصومال. ومع ذلك يمكن لتزايد انتاج الطاقة محليا ان يمكِّن الولاياتالمتحدة من تقليل اعتمادها بمرور الزمن على منطقة لا يمكن التنبؤ بما سيحدث فيها. وكان الاعتماد على نفط الشرق الأوسط حدد شكل السياسات الخارجية والأمنية والدفاعية الأميركية طيلة ما يقرب من نصف قرن. واسهم هذا الاعتماد في دفع الولاياتالمتحدة الى المشاركة بنشاط في العمل على تحقيق السلام بين العرب واسرائيل ودفع واشنطن الى اقامة تحالفات مع دول الخليج وفرض عليها ان تتخذ جانب العراق في حربه مع ايران ثم حملها على الانقلاب على العراق بعد غزوه الكويت ودفع واشنطن بعد ذلك الى بناء وجودها العسكري في المنطقة وإدامته، كما تستعرض صحيفة وول ستريت جورنال. ويعني تقليل الاعتماد على نفط الشرق الأوسط تعزيز العلاقات مع كندا التي أخذت تظهر بوصفها الحليف الأول للولايات المتحدة في مجال الطاقة، وكذلك مع دول أميركية لاتينية تعتبر من الشركاء التجاريين الأقوياء. فان احتمالات عودة الدولار الذي يُنفق على شراء النفط من هذه البلدان الى الولاياتالمتحدة اكبر من احتمالات عودته اليها لو أُنفق على شراء النفط العراقي أو السعودي، بحسب صحيفة وول ستريت جورنال. كما تتردد اصداء الثورة الأميركية في قطاع الطاقة على الضفة الأخرى من الأطلسي. فان بلدانا في اوروبا الشرق ظلت فترة طويلة تعتمد على روسيا في امدادات الطاقة، تسعى الآن الى استثمار مواردها الخاصة من نفط الصخور الصفحية بمساعدة شركات أميركية. وحتى روسيا التي تحتاج الى مصادر نفطية جديدة للحفاظ على موقعها كقوة طاقية عظمى تستخدم تقنية التكسير المائي من خلال التعاون مع شركة اكسون موبل الأميركية العملاقة. وأصبح النفط جزء من الحملة الانتخابية الرئاسية في الولاياتالمتحدة هذا العام. إذ يروق للرئيس باراك اوباما ان يشير الى زيادة الانتاج المحلي من النفط في ولايته الأولى فيما تقول اعلانات منافسه الجمهوري ميت رومني انه في اليوم الأول من دخوله البيت الأبيض سيوافق على المشروع الذي رفضته ادارة اوباما حتى الآن لبناء انبوب ينقل النفط من كندا. ويُسهم النمو الذي يشهده انتاج النفط داخل الولاياتالمتحدة في خفض اسعاره ومنح الاقتصاد الأميركي دفعة في وقت يهدد تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي بالحد من الطلب. وخفضت شركة ريموند جيمس للأبحاث توقعاتها لسعر الخام في عام 2013 الى 65 دولارا من 83 دولارا لأسباب بينها ارتفاع الانتاج في الولاياتالمتحدة بمعدلات أعلى مما كان متوقعا. ولكن تبقى هناك عقبات تعترض تطوير موارد النفط في نصف الكرة الغربي. فان الأرجنتين اقدمت على تأميم شركة ريبسول الاسبانية العملاقة قائلة ان الشركة لا توظف استثمارات كافية لتطوير ثروات الارجنتين النفطية بكامل طاقتها. ومن شأن هذا الاجراء ان يُبعد المستثمرين عن المخاطرة برؤوس اموالهم في الارجنتين لاستثمار تكوينات من الصخر الصفحي يمكن ان تنافس حقول النفط الأميركية المنتعشة. وفي البرازيل أدى تسرب نفطي في حقل بحري تابع لشركة شيفرون الى اتهامات جنائية تطعن بها شيفرون. كما ان شركة بتروليو برازيليرو الحكومية العملاقة خفضت توقعاتها للانتاج العالمي من النفط في عام 2020 بنسبة 11 في المئة وقدرت ان ترتفع تكاليف استخراج النفط من حقولها الى مستوى أعلى من المتوقع. وفي الولاياتالمتحدة تتعافى اعمال التنقيب في خليج المكسيك ببطء من آثار التسرب النفطي الذي سببه احد آبار شركة بي بي البحرية عام 2010. ولكن خبراء الحكومة الأميركية رغم ذلك يتوقعون ان تنخفض مشتريات الولاياتالمتحدة من نفط الشرق الأوسط وافريقيا واوروبا الى نحو 2.5 مليون برميل يوميا بحلول 2020 من أكثر من 4 ملايين برميل يوميا الآن. وسينخفض استيراد أميركا من نفط اوبك الى 800 ألف برميل في اليوم من 1.6 مليون برميل في اليوم حاليا، بحسب وول ستريت جورنال. وكانت الاستثمارات العالمية في قطاع النفط والغاز تضاعفت ثلاث مرات في الفترة الواقعة بين 2003 و2011، كما تشير ارقام شركة آي ايتش كامبردج اينرجي ريسيرتش اسوشييتس لأبحاث الطاقة، وتضاعفت اربع مرات تقريبا في نصف الكرة الغربي. وبلغت حصة الأميركيتين من هذه الاستثمارات 48 في المئة أو 320 مليار دولار في عام 2011 بالمقارنة مع 39 في المئة عام 2003. واستُثمرت موارد مالية كبيرة في انعاش الرقعة النفطية في الولاياتالمتحدة نفسها حيث تعلمت شركات الطاقة انتاج النفط انتاجا مربحا من تكوينات صخرية نفطية بضخ ماء ممزوج بمواد كيمياوية ورمل بقوة ضغط عالية. واثارت هذه التقنية مخاوف بين انصار البيئة الذين يقولون انها تستخدم كميات كبيرة من الماء ويمكن ان تلوث امدادات الماء. واسفرت تقنية التكسير المائي التي استُخدمت أول مرة في حقول الغاز عن انتعاش نفطي غير متوقع اعاد رسم جغرافية الطاقة الأميركية، على حد وصف صحيفة وول ستريت جورنال. وتضافرت وفرة النفط الخام مع قاعدة التكرير الضخمة وهبوط الطلب في الداخل على تحويل الولاياتالمتحدة الى بلد مصدِّر للمنتجات النفطية المكررة في المحصلة النهائية وتتوقع ادارة معلومات الطاقة ان يستمر هذا الوضع أبعد من عام 2020. ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن المحلل جيم بركهارد من شركة آي ايتش أس لأبحاث الطاقة "ان انتاج النفط في الولاياتالمتحدة كان في تراجع منذ قرابة 40 عاما وكان المفترض ألا ينتهي هذا التراجع ابدا" وان ما حدث مؤخرا يشكل "نقطة محورية". وتحوي رمال كندا النفطية كميات من النفط تعتبر من أكبر الكميات في العالم ولكن استثمارها كان باهظ الكلفة. إذ كان يتعين على الشركات ان تستخرج اطنانا من الرمل المشبع بالنفط من اجل الحصول على برميل واحد أو تضخ دفقا من الماء تحت الأرض لتسييل النفط بما يكفي لاستخراجه. وعندما بدأت اسعار النفط بالارتفاع منذ عام 1999 اصبحت احتياطات الرمال النفطية مربحة وعملت الاستثمارات الأولى من شركات كندية ثم شركات عالمية مثل شل على تحويل كندا الى اكبر مصدِّر للنفط الى الولاياتالمتحدة. وفي وقت لاحق من العقد تدفقت على مقاطعة البرتا الكندية استثمارات عالمية من شركات أميركية مثل كونوكو فيليبس واكسون موبل وشركات صينية مثل ساينوبك وبترو تشاينا كو وسنوك. وأتاحت تكنولوجيا المياه العميقة للبرازيل ان تصبح مصدِّرا للنفط في عام 2009 بعدما كانت لفترة طويلة بلدا مستوردا. وبحلول عام 2020 من المتوقع ان يضاهي انتاج البرازيل انتاج كندا بارتفاعه الى 4.7 برميل في اليوم أو بنسبة 57 في المئة بفضل اكتشاف حقول نفطية بحرية جديدة هي الأكبر منذ 30 عاما. ويأتي هبوط استيراد أميركا من الطاقة في وقت بدأ مئات الملايين في العالم النامي يستهلكون كميات أكبر من الطاقة مع تحررهم من غائلة الفقر. ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن مارفن اودم رئيس فرع شركة شل في الولاياتالمتحدة ومسؤول عمليات التنقيب والانتاج في نصف الكرة الغربي قوله "نحن محظوظون جدا لحدوث ذلك فهو يتيح تدفق الموارد النفطية الى اقتصادات ناشئة".