كان ينظر الكثيرون للمؤتمر الشعبي العام على أنه تجمع لجماعات متناقضة، بعضها جيدة لكنها لا تملك أي تأثير في داخل المؤتمر وفي حكومته، وبعضها الآخر عبارة عن مجموعات وشخصيات انتهازية، وأن ما يحرك هذا التنظيم هو المصالح الصغيرة لأفراده بصورها المختلفة، المال والسلطة والوظيفة العامة. وللإنصاف، أعتقد أن هناك أساساً لنظرتهم تلك للمؤتمر الشعبي العام، وكان فرار عدد من الشخصيات والمجموعات من صفوف المؤتمر الشعبي العام خوفاً من أن يتم اجتثاث المؤتمر وهم بداخله خلال العام الماضي، دليلاً جلياً على أنهم فعلاً كانوا عبارة عن انتهازيين وكان المال والسلطة والوظيفة العامة كل ما أرادوه من عضويتهم في هذا التنظيم، وعندما رأوا أنه لن يحقق لهم ذلك وأنه أوشك على الانهيار –من وجهة نظرهم- تركوه ليبحثوا عن جهة أخرى يأملون منها أن توفر لهم تلك المصالح الشخصية. لم يحاول هؤلاء أن يدافعوا عن المؤتمر الشعبي العام أو أن يسعوا للتغيير من داخله، بل أخذوا معاولهم ليضربوا بها على جسد المؤتمر بطريقة أكثر حدة وحقداً ممن كانوا معارضين للمؤتمر من أعوام أو عقود سابقة، كان طمعهم بأن يصبحوا هم ورثة المساحة التي تخيلوا أن المؤتمر سيخلفها بعد اجتثاثه، الذي توقعونه وراهنوا عليه. ادعى هؤلاء في حينه أنهم انضموا لثورة تبني دولة مدنية، وكان أول قرار اتخذوه هو استقالتهم من منظمة مدنية لينضموا إلى تجمع فرقة عسكرية أو لتحالف قبلي التي كانت -وبترتيبات أجراها فرع التنظيم الديني الدولي المعروف- تقوم بابتلاع ما يتقيأه المؤتمر. الآن...وبعد أن شاهد الجميع الحضور المهيب الذي شهده الحفل التكريمي الذي أقامه المؤتمر الشعبي العام في ذكرى تأسيسه الثلاثين لمؤسسيه، نرى تخبطاً مهيناً لدى من راهنوا على اجتثاث المؤتمر، بينما نجد القوى المدنية الحقيقية سواء الشريكة للمؤتمر أو المنافسة له تعاملت مع الفعالية بنضوج واحترام لإرادة أعضاء المؤتمر الذين يشكلون طرفاً سياسياً مهماً بل ورئيسياً في الحياة السياسية المدنية اليمنية. أغلب من حضروا هذه الفعالية أو حاولوا حضورها ولم يتمكنوا من ذلك بسبب امتلاء قاعة الاحتفال لم تدفعهم المصالح الشخصية للحضور من محافظاتهم، فلم تتم صرف بدلات السفر إلا للقيادات التي تم تكليفها بمهام لإنجاح هذه الفعالية، وكان أغلب من حضروا يبلغون الأمانة العامة للمؤتمر بأنهم سيحضرون إلى صنعاء ولا يريدون أي مقابل إلا أن يسمح لهم بالحضور، ولم يصل إجمالي صرفيات المؤتمر في هذه الفعالية إلى ثلث ما كان يتم صرفه في فعالياته التنظيمية المماثلة. كما أنهم لم يطمحوا للحصول على وظيفة عامة من المؤتمر، بل على العكس من ذلك، فقد حضر عدد كبير من الموظفين العموميين مع إدراكهم بأن حضورهم قد يتسبب بإقالتهم أو مضايقتهم على الأقل، لأن حكومة الوفاق الوطني تقوم فعلاً بإقالة كل من ثبت أنه متمسك برأيه السياسي بالرغم من عدم تأثير ذلك على أدائه الوظيفي. كان حضور هؤلاء هو من أجل حماية حزبهم ووفاء له، لم يحضروا تملقاً لعلي عبدالله صالح رئيس المؤتمر كما كان يتملقه وينافقه عدد غير قليل من رموز الثورة العسكريين والإعلاميين والدينيين والقبليين لأنه كان يرأس السلطة وبيده المال أيضاً، واليوم نراهم أنفسهم ذهبوا للتملق والنفاق حول من استلم السلطة وتحكم بالمال والوظيفة العامة، حتى أن أمين عام المؤتمر وبموجب لوائح المؤتمر هو وحده أو من يفوضه من يملك الصرف من أرصدة المؤتمر، ولم يفوض أمين عام المؤتمر أحداً بصلاحية الصرف. الثورة الشبابية ساهمت وبقوة في هذا التحول الإيجابي الذي يشهده المؤتمر الشعبي العام، وكانت الأصوات العقلانية المدنية في قيادة المؤتمر الشعبي العام مؤهلة لإدارة هذا التطور وجعله إضافة كبيرة للمؤتمر وللحياة السياسية المدنية اليمنية عموماً. *رسالة خاصة: لأول مرة يغيب أمين عام للمؤتمر عن فعالية مؤتمر كبيرة كهذه، والمرحلة الحالية تتطلب تفرغ الأمين العام للعمل التنظيمي نظراً لحيوية الموقع والمهام المناطة بمشاغله. رسالة عامة: تعلموا من المؤتمر بدلاً من تضييع مجهوداتكم في أشياء غير مفيدة.