إن الدين لله وحده عبر الأنبياء وللبشر أجمعين .. وليس أكثر من تلك العظمة ولا أقل منها.. وهو الدين المعاملة والنصيحة وهو القيم والثقافة المقدسة التي تجسد ضمير الشعوب والبشر بلا تجزئة أو تسيّيس أو خصخصة! هذا هو الدين الذي يبني الإنسان ويرسخ العدالة والكرامة ويهدي في هذه الحياة وينبئ بالحياة الآخرة، وما سواه فهو كهنوتية وضعية زائفة ومزورة، وهو كما حذر منه نبي الإسلام محمد "صلى الله عليه وسلم" مصيبة على من حمله أو اتبعه! فمن أخطر الهفوات الفكرية في العقل الجمعي والتي تعاني منها الشعوب العربية والإسلامية هو التعاطي مع كل خطاب أو جماعة دينية على أنها انعكاس حقيقي للدين في قيمه ورسالته وزهد المتحدثين به .. فيسلب بعض المزورين والمنافقين باسم الدين على صك الوقار وحصانة " العصمة " في تحركاتهم ومبرراتهم ..!! وهنا جوهر الخطر والمشكلة التي تجعل من خطاب الدين المزيف طعنة في ظهر الدين الحقيقي ووصمة عار ومصيبة على أهلة وأممه. وتنبت هذه الظاهرة الخطيرة في مجتمعات تعاني الأمية والعوز مع تفشي الجاهلية العقلية والحضارية اللازمة لاستيعاب توجهات الدين السماوي الحكيم للإنسان، وذلك من خلال تناول اجتماعي ضيق سطحي لمفهوم الرسالة الدينية مع تعاطي خطاب ديني زائف ينتهز الجهل ليتجسد في صورة كهنوتية ذات مغاز سياسية تستهدف إيهام عقول تلك الفئات عن واقعها وصرفهم عن متطلبات نموهم وتطورهم من خلال تسخيرهم السياسي كقطيع مُساق في صفقات سياسية محلية موالية أو دولية متآمرة. خطاب يستهدف فصل العقل عن الدين وتكفير التفكير وتمييع الوعي وتخوين الخصوم وهكذا في ظل إقحام الدين في السلطة والثروة وفي ظل إفساد منطق الأمة في السلوك والحجة والعدالة ومتطلبات السلام والقوة والحضارة ! فليس هناك من طغيان أبشع ولا من استبداد أنكى من كاهن مستبد تتبعه وتعبده جماعة من خوارج لا يعرفون الله إلا من خلاله ولا يفقهون الدين إلا برأيه وروايته ! والتضليل باسم وصور الدين نهج استبدادي تاريخي ذو منحى سياسي واضح إما بإرضاخ الناس لفرعون، أو تسليم الأمة لكسرى وقيصر ! ولا ننسى في هكذا مقام بأن نؤكد بأن لرجال الدين والتقوى باعاً مشرفاً في الدعوة لإصلاح الأمم والحكم وتنوير الشعوب صوب النهضة والحضارة والعلم ،من خلال الدعوة المضبوطة بفقه السياسة الشرعية التي تبنوها بكافة خياراتها ومساراتها، غير أنها جميعاً وفي جميع صفحاتها لم تزاول لعبة السياسة ولم تنحط في تسخير الدين لقضايا الدنيا وأطماع الطغاة والمستعمرين ! فرغم تشابههم بجلابيب الدين واللحى كان هناك فرق شاسع بين الدعوة والإرشاد بكلمة الحق أمام سلطان جائر وبين الكهنوتية والنفاق بين أيدي سلطان ومستعمر جائر ... فنضال دعاة المسلمين جسد صور القيم والتضحية والتسامح والزهد السياسي غير القابل لتقليد، بينما دعاة مسيلمة شيء آخر لهم علامات الغدر والتضليل وسلوكيات الرهبنة وتكفير الغير في ظل نفي صفة الإيمان والتقى لغيرهم !! يقول العالم الإسلامي "ابن سيناء" في شأنهم "بُلينا بقوم يظنون إن الله لم يهد سواهم". وللكهنوتية عبر التاريخ والأمم محطات وعبر نكلت أديان وشعوب ودول ، بل وكرست جهل الشعوب في تقديس الفساد وتبرير بناء الاقطاعيات، وقد مثلت في حالات كثيرة موطئاً آمناً لبسط جيوش المستعمرين واضمحلال الأمم. وفي عصرنا الحديث ولحظتنا الراهنة عاشت وتحيا شعوبنا والأمة بين كافة عوامل المناخ الكهنوتي التي استنبتت منذ بدايات القرن الماضي حركات كهنوتية تستهلك وتدعو لدين إسلامي فارغ الرسالة والقيمة الحضارية من خلال خطاب سياسي مؤلب ومسخر لجهل وفقر الجماهير والفئات الشبابية ، خطاب امتهن لغة التكفير والغدر ومناصرة وتضليل الحكام وقتل الفكر والإبداع والتصدي لكل فرص ومناهج التطور الحضاري ، هذه الحركات التي مثلت صماماً تاريخياً للأنظمة والطغاة من خلال تمييع مسارات الفقراء والجهلاء تجلت مؤخراً وبلا سابق خطابي أو مسيرة تصحيحية كقادة ثورة ومقاتلي تحرير في ما سمي ب "الربيع العربي" من خلال سرقتها للثورات وتزويرها للمبادئ وتحريفها للأهداف وسلبها للسلطة .. هكذا قفزاً على المألوف حاملة ملياراتها في ظل تسهيلات غربية متواطئة وتتحالف مع الفرس والروم في لحظة تتوازى مع متطلبات الاستراتيجية الأمريكية للسيادة العالم في القرن الحالي! إن جماعة الإخوان والسلفيين تُبنى / تبني لكهنوتية تحتكر خطاباً أوتوقراطياً يدعي الإسلام، فتعطل مقاصد العدل في الدين في ظل خطاب إسلامي سطحي مفرغ من روحه وجوهره ورسالته ، وبما يطرد الأوطان من عصورها ويدجن الأنظمة من مؤسساتها ويئد التيارات من أفكارها، وذلك في سبيل الاتجاه نحو بناء دولة الكاهن وإمبراطورية الأمريكيين! إن مصيبتنا تجسدت في ديننا كما استعاذ منها نبينا الكريم محمد "صلى الله عليه وسلم"، وبالطبع فالمصيبة هنا ليست الدين كرسالة إنسانية خالدة ولكنها بفكر هذا الجيل كحالة عارضة يجب الوقوف عليها.. فنتذكر جميعاً بأن نفاق التقي المصلي "عبدالله بن أبي ومسيلمة" كان أكثر ضرراً على الإسلام والأمة من كفر " أبي لهب"! هكذا هي الكهنوتية في كل تجلياتها .. إخوانية وسلفية كانت أم حوثية .. فارسية كانت أم تركية.. ويجب أن نحمي بدورنا الإسلام والأوطان من خطر كان على مر التاريخ بلاء خبيثاً وشراً عظيماً. والله من وراء القصد [email protected]