الشؤون الخارجية بالانتقالي تبحث التعاون مع المفوضية السامية وتؤكد احترام المجلس لحقوق الإنسان    اغتيال جار الله عمر.. اللحظة التي دخل فيها ملف الإرهاب في اليمن دائرة التوظيف السياسي    وقفة قبلية في جحانة تنديدًا بالإساءة للقرآن وإعلانًا للجهوزية والاستنفار    الأرصاد: سحب منخفضة كثيفة على سقطرى والسواحل والمرتفعات المحاذية    جوائز غلوب سوكر: باريس والبرتغال ويامال الأفضل    تشييع جثمان الشهيد المقدم توفيق العسيقي في التعزية    مدارس أمانة العاصمة تحتفي بعيد جمعة رجب    منذ أكثر من شهر.. مليشيا الحوثي تمنع دخول عشرات الشاحنات المحملة بمادة الأخشاب    الشتاء يتحول إلى كارثة إنسانية: 20 وفاة وآلاف النازحين بالعراء في غزة    مركز البحر الأحمر للدراسات يصدر كتابين جديدين حول الهجرة الأفريقية غير الشرعية إلى اليمن والقضية الفلسطينية    عاجل: أهم نقاط البيان.. سيئون تجدد العهد لاستعادة دولة الجنوب وتفوض الانتقالي خيارًا نهائيًا بلا تراجع أو مساومة    ميلان يقسو على فيرونا بثلاثية ويعتلي صدارة "الكالتشيو" مؤقتاً    ورشة حول الصحة والسلامة المهنية بصنعاء    مجلس الأمن الدولي يعقد جلسة طارئة غدا لبحث الاعتراف الإسرائيلي ب"أرض الصومال"    أمين العاصمة يتفقد أعمال صيانة شارع سبأ بمشاركة مجتمعية    خفر السواحل تحذر من السباحة قبالة سواحل عدن وأبين وشبوة    المجلس الإسلامي العلوي: سلطة الأمر الواقع كشفت حقيقتها القمعية    المحرّمي يطّلع على سير العمل في المؤسسة العامة للاتصالات وخططها المستقبلية    تحت شعار الهوية والانتماء.. جامعة صنعاء تُحيي ذكرى "جمعة رجب"    صنعاء.. صدور حكم استئنافي في قضية الصحفي محمد المياحي    صنعاء: المكاتب التنفيذية تُحيي ذكرى "جمعة رجب"    الصين: تأسيس أكثر من مليون شركة جديدة في 11 شهرا    هل بات قادة اوروبا يخشون "سلام ترامب" في أوكرانيا؟!    اليمن بين ثبات النهج ومنزلق الارتهان: قراءة في ميزان السيادة والهوية    صحيفة فرنسية: غارات جوية وأزمة إنسانية.. لماذا تصاعدت التوترات فجأة في اليمن ؟!    نيجيريا تسقط تونس في مباراة مثيرة وتبلغ ثمن نهائي كأس أمم إفريقيا    الاعتراف الإسرائيلي بالصومال خطر يهدد الجنوب العربي وخليج عدن    وفاة المخرج المصري الكبير داوود عبد السيد    هروب    هؤلاء هم أبطال حضرموت قيادات صنعت المجد وقهرت الإرهاب    رشاد العليمي يسهل لنجله عبدالحافظ سرقة نفط حضرموت    محمد صلاح يواصل تحطيم الأرقام القياسية في «كأس أمم إفريقيا»    الصحفي المهتم بقضايا الناس وانشطة الصحافة الثقافية عبدالعزيز الويز    في صنعاء.. هل ابتلعنا "الثقب الأسود" جميعًا؟    قراءة تحليلية لنص «صدمة استقبلتها بقهقهة» ل"أحمد سيف حاشد"    دوري روشن السعودي: اتحاد جدة يهزم الشباب بثنائية نظيفة    اكتشاف آثار حضارة متطورة في باكستان    ضبط مصفاة نفط جديدة غير قانونية لمتنفذ يمني في خشعة حضرموت    الافراج عن اكبر دفعة سجناء بالحديدة تنفيذا لتوجيهات قائد الثورة    ضربة بداية منافسات بطولة كأس العالم للشطرنج السريع والخاطف قطر 2025    اتحاد حضرموت بحافظ على صدارة المجموعة الثانية بدوري الدرجة الثانية    مأرب تحتفي بتخريج 1301 حافظًا وحافظة في مهرجان العطاء القرآني    القيادة التنفيذية العُليا تناقش الجهود المبذولة لتأمين الخدمات للمواطنين ومراقبة أسعار الصرف    ما علاقة ضوء الشمس بداء السكري.. نصيحة للمصابين    الدولار الأمريكي يترنح في أسوأ أداء أسبوعي منذ شهور    إنجاز 5 آلاف معاملة في أسبوع.. كيف سهلت شرطة المرور إجراءات المواطنين؟    العطاس: نخب اليمن واللطميات المبالغ فيها بشأن حضرموت"    الكشف عن عدد باصات النساء في صنعاء    الكتابُ.. ذلكَ المجهول    ريال مدريد يدرس طلب تعويضات ضخمة من برشلونة    صدور كتاب جديد يكشف تحولات اليمن الإقليمية بين التكامل والتبعية    الصحفي المتخصص بالإعلام الاقتصادي نجيب إسماعيل نجيب العدوفي ..    "أهازيج البراعم".. إصدار شعري جديد للأطفال يصدر في صنعاء    تحذير طبي برودة القدمين المستمرة تنذر بأمراض خطيرة    هيئة المواصفات والمقاييس تحذر من منتج حليب أطفال ملوث ببكتيريا خطرة    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    لملس والعاقل يدشنان مهرجان عدن الدولي للشعوب والتراث    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما بين ملكة سبأ وفرعون مصر (3 4 )
إلى أين سيمضي بنا (اللقاء المشترك) ؟!
نشر في 14 أكتوبر يوم 29 - 01 - 2011

لا يمكن فهم أسباب رفض أحزاب المعارضة المنضوية في تكتل (اللقاء المشترك) بقيادة حزب التجمع اليمني للإصلاح إجراء الانتخابات البرلمانية القادمة في موعدها المحدد ، وإصرارها على ممارسة مختلف أشكال التهديد والوعيد والتكفير والتضليل من أجل تأزيم المناخ السياسي في البلاد وتعطيل صناديق الاقتراع ، بمعزل عن موقفها المسعور ضد مشروع التعديلات الدستورية بما هو مشروع لإصلاح النظام السياسي وتطوير وتحديث المنظومة القانونية لدولة الوحدة وتخليصها من التشوهات الخطيرة التي لحقت بها بسبب إصرار حزب التجمع اليمني للإصلاح على فرض بعض التشريعات والسياسات الرجعية أثناء مشاركته في السلطة بعد حرب صيف 1994م . وقد كانت المرأة في مقدمة ضحايا تلك التشريعات التي شوهت صورة الوحدة ، وتسببت في انفجار وتعاظم صرخات الاحتجاجات الناتجة عن معاناة المجتمع من جراء الانتهاكات التي أصابت حقوق النساء وأساءت إلى كرامتهن الإنسانية .
والثابت ان مشروع التعديلات الدستورية الذي تقدم به الى مجلس النواب مائة من أعضاء الكتلة البرلمانية للمؤتمر الشعبي العام يعد جزءا لا يتجزأ من البرنامج الانتخابي لرئيس الجمهورية الذي فاز بثقة ملايين الناخبين والناخبات في الانتخابات الرئاسية لعام 2006م.
وكان طبيعيا بحكم قواعد اللعبة السياسية أن تلجأ أحزاب المعارضة المنضوية ضمن تكتل (اللقاء المشترك) بقيادة حزب التجمع اليمني للاصلاح الى صياغة خطاب سياسي واعلامي يساعده في منع حكومة الحزب الحاكم من تنفيذ البرنامج الانتخابي لرئيس الجمهورية، وإظهار الرئيس أمام ناخبيه في صورة العاجز عن الوفاء بالتزاماته تجاه ناخبيه الذين منحوه ثقتهم وأصواتهم، لكنه من غير الطبيعي وغير المقبول أن تلجأ هذه الأحزاب الى استخدام الدين كخطاب تحريضي في معاركها السياسية من أجل الوصول الى السلطة على نحو ما حدث خلال السنوات الماضية منذ هزيمة (اللقاء المشترك) بقيادة حزب التجمع اليمني للإصلاح في الانتخابات الرئاسية والمحلية لعام 2006م.
وقد سبق لنا القول إنّ منظمي الحملة المناهضة لمشاريع التعديلات الدستورية والقانونية أفرطوا في اتهام الحكومة بالرضوخ لما يسمونه (الغرب العلماني الكافر)، والانخراط في مخططاته التي تسعى الى محاربة الإسلام من خلال هذه التعديلات بحسب زعمهم، وهو ما كرره بكل وضوح وصراحة النائب عن حزب (الاصلاح) محمد الحزمي خطيب مسجد الرحمن في مقال نشره قبل اسبوعين في إحدى صحف حزب التجمع اليمني للاصلاح ، وتضمن هجوما مسعوراً على مشروع التعديلات الدستورية التي يناقشها مجلس النواب حالياً. كما لجأ منظمو هذه الحملة الى تسويق وإحياء آراء ووجهات نظر قديمة وميتة لبعض الفقهاء الأسلاف، كأدلة على أنّ ما يدعو إليه أو يعتقد به ملالي حزب ((الإصلاح)) هو الاسلام الصحيح، واتهام كل من يخالف آراءهم ووجهات نظرهم بالكفر والخروج عن الدين والامتناع عن تطبيق الشريعة الإسلامية، وهو خطاب سياسي درج على ترديده ملالي حزب ((الإصلاح)) لتبرير استخدام سلاح التكفير ضد كل من يدافع عن مشاريع التعديلات الدستورية والقانونية التي من شأنها إدانة جرائم هذا الحزب بحق النساء والمجتمع عموماً، وفضح زيف وكذب خطابه السياسي الانتهازي الذي يحاول من خلاله تلميع صورته لدى السفارات الاجنبية والفضائيات الخارجية ، والظهور كمدافع عن الحريات المدنية وحقوق الإنسان في سياق مناوراته السياسية الرامية إلى تضليل الرأي العام اليمني والعربي والدولي ، والسعي لكسب أصوات الناخبين في الانتخابات البرلمانية القادمة، تمهيداً للاستيلاء على السلطة، وتطبيق (شريعة طالبان) في اليمن.
ومما له دلالة أن يرفع النائب (الإخواني) محمد الحزمي في وجه مشروع التعديلات الدستورية ورقة قديمة ومهترئة زعم أنها فتوى أصدرها من أسماهم (علماء اليمن) تقضي بتحريم تخصيص نسبة مئوية من مقاعد مجلس النواب للنساء، وهو ما أعاد الى الأذهان وقائع الاجتماع الذي انعقد قبل ما يزيد على ثلاث سنوات في قاعة أبولو بالعاصمة صنعاء، وتحديدا في يوم الثلاثاء 15 يوليو 2008م، تحت شعار (حتى لا تغرق السفينة)، حيث احتشد حوالي ثلاثة آلاف ناشط سياسي من رجال الدين المقلدين والقيادات والكوادر الحزبية وخطباء المساجد الذين ينتسبون الى حزب التجمع اليمني للإصلاح، بمشاركة مكشوفة من كافة المدرسين والطلاب والعاملين والحراس في جامعة الإيمان، وبضمنهم مئات العاطلين عن العمل من خريجي هذه الجامعة الدينية المثيرة للجدل.
اللافت للنظر أنّ مؤسسي (هيئة الأمر والنهي) حاولوا إضفاء الشرعية الدينية عليها من خلال الزعم بأنها قامت بموجب تكليف إلهي من رب السماء، يسمح لعصبة من رجال الدين المشتغلين في السياسة والعمل الحزبي بإنقاذ سفينة البلاد والعباد من الغرق، حيث زعمت العصبة المؤسسة لذلك الكيان الذي ولد ميتاً أن البلاد ((سقطت في المعاصي والحفلات الغنائية والموسيقية والمهرجانات السياحية، وغرقت في الفساد الأخلاقي والرذيلة، بعد أنْ أصبح شيطان النساء ينشر الفسوق والمجون في كل مكان يلتقي فيه الرجال والنساء، سواء في مواقع العمل والإنتاج والمدارس والجامعات، أم في المجمعات التجارية والمطاعم وحافلات النقل العام ومحلات الانترنت والساحات والحدائق العامة، والموانئ والمطارات)) بحسب زعمهم!!.
ولم يكتف هؤلاء التكفيريون بهذا القدر الخطير من تفسيق المجتمع والتشكيك في أخلاقياته وفضائله، بل أنهم وصلوا إلى قمة الدولة وأفرطوا في تكفيرها بالقول إنها ((أصبحت تحكم بمناهج كفرية وشركية وإباحية))، فيما تعرضت الصحافة لهجوم شرس ، وصل إلى حد اتهامها بالدعوة إلى الحرية الجنسية والسخرية من فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تحت مسمى ((حرية الصحافة)) التي قال البيان الصادر عن الملتقى إنها تندرج ضمن المخططات الصليبية والصهيونية التي تستهدف القضاء على الهوية الإسلامية ليمن الإيمان دولةً وشعباً!!
وفي حركة مسرحية مثيرة رفع أحد كبار مؤسسي الملتقى أثناء إلقاء كلمته كتيباً صغيراً، تم توزيعه على الحاضرين بتوقيع (114) من رجال الدين الحزبيين وبعض الدعاة وخطباء المساجد، وتضمن فتوى بتحريم (الكوتا) النسائية التي وردت في مشروع للتعديلات الدستورية سبق لرئيس الجمهورية تقديمه آنذاك، وقد زعم أصحاب ذلك الكتيب الأسود أنّ ترشيح المرأة لعضوية مجلس النواب مخالف لشريعتهم، وانها (( ستؤدي الى انتشار الرذيلة في المجتمع، وستفتح الباب لتسابق النساء على الخروج إلى الانتخابات وانجذاب الرجال اليهن والى زينتهن وروائحهن العطرة، حيث سينشأ عن ذلك فوضى جنسية ))، كما طالب أصحاب الكتيب بمنع المرأة من العمل، ((لأنّ اختلاطها بالرجال سيؤدي إلى إنشاء علاقات عاطفية وجنسية غير مشروعة، وإغراق البلاد بالأولاد غير الشرعيين))!!.
المثير للدهشة ان الموقعين على تلك الفتوى وبضمنهم النائب محمد الحزمي وغيره من كهنة حزب التجمع اليمني للاصلاح اتهموا مطالبة مشروع التعديلات الدستورية بتخصيص كوتا برلمانية للنساء بالخروج عن الدين ومخالفة الشريعة الاسلامية، ما يجعلنا نرد عليهم بالقول إن من يخالف الاسلام في النظرة الى المرأة هم محمد الحزمي وأضرابه من الموقعين على تلك الفتوى التي نظرت الى المرأة من منظور مخالف لنظرة القرآن الكريم الذى نظر الى المرأة بصورة واقعية دون إجحاف بحقها. فلم يستنكر القرآن تولي امرأة سلطة الملك في قوم كانوا يتمتعون بالقوة والبأس الشديد ، بل قال لنا ان قوم سبأ أفلحوا عندما حكمتهم امرأة بالشورى والحكمة.. وأورد القرآن ما يدل على كفاءة ملكة سبأ وحسن سياستها وكيف انتهت الى الإيمان الصحيح فى تعاملها مع النبي سليمان. وفي المقابل استنكر القرآن استبداد فرعون وظلمه وادعاءه الألوهية. وأوضح لنا كيف انتهى تعامله مع موسى وهارون بأن اهلك نفسه وقومه. وكيف كانت ملكة سبأ اكفأ من فرعون مصر وكل منهما كان حاكما على قومه. بمعنى أن اثنين من الحكام تعاملا مع نبي من الأنبياء بطريقة مختلفة، حيث فازت الحاكم الأنثى وخسر الحاكم الذكر وأضاع عرشه وقومه ، في إشارة تاريخية ذات مغزى قرآني يفيد بأن ثمة امرأة حكمت قومها فكانت راشدة على النقيض من بعض الحكام الذكور.
بوسع كل من يتأمل الكلمات والتصريحات والمطالب التي أُثيرت في الملتقى التأسيسي لما تسمى (هيئة الأمر والنهي) التي ولدت ميتة وغير مأسوف عليها، والبيان الذي تم الإعلان عنه في ختام ذلك الاجتماع ، ونشرته صحيفة ((أخبار اليوم)) في عددها الصادر يوم الأربعاء 16 / 7 / 2008م وصحيفة (الشموع ) في عددها الصادر يوم السبت 19 يوليو 2008م، ملاحظة الطابع السياسي الحزبي لهذه الهيئة التي كان تكتل (اللقاء المشترك) بزعامة حزب التجمع اليمني للاصلاح يخطط من خلالها لاستخدام الدين كغطاء لتنفيذ مخطط انقلابي كهنوتي إقطاعي يستهدف القضاء على النظام الديمقراطي التعددي، ومصادرة الحقوق والحريات المدنية وتقويض الأسس الدستورية لدولة المؤسسات المنتخبة من قبل الشعب مباشرة، بوصفه مالك السلطة ومصدرها، واستبدالها بنظام كهنوتي يقوم على مؤسستين ثيوقراطيتين فقط: الأولى هي مؤسسة ولاة الأمر. والثانية هي مؤسسة رجال الدين الكهنوت، وبينهما أهل الحل والعقد من كبار المتنفذين والإقطاعيين، وبما يجعل من هاتين المؤسستين وأهل الحل والعقد وصياً ًعلى الدولة والمجتمع ، ومالكاً وحيداً للسلطة والثروة، بذريعة الحاجة إلى (إنقاذ السفينة من الغرق)!!
وبالنظر إلى أنّ الذين يخططون لهذا الانقلاب هم من الحرس الكهنوتي القديم في حزب التجمع اليمني للإصلاح الذي يقود ويوجه تكتل أحزاب المعارضة المنضوية في إطار ((اللقاء المشترك)) باتجاه إضعاف الحزب الحاكم، وتمهيد الطريق لإفشال البرنامج الانتخابي لفخامة رئيس الجمهورية والمؤتمر الشعبي العام الذي حاز على ثقة غالبية الناخبين عبر صناديق الاقتراع، والوثوب إلى السلطة بعد ذلك سواء بالوسائل الديمقراطية التكتيكية التي يمارسها حزب ((الإصلاح)) من خلال تكتل ((اللقاء المشترك))، أم بالوسائل الانقلابية السافرة التي يسعى إلى ممارستها الحرس الكهنوتي القديم في هذا الحزب من خلال ما تسمى هيئة (الأمر والنهي) التي كشفت المضمون الحقيقي لبرنامج حزب (الاصلاح) بعد وصوله الى السلطة تحت واجهة ( اللقاء المشترك )، وهو ما يدفع إلى الاستنتاج بأنّ ثمة خلافات داخلية حادة تدور بين الجناحين السياسي والكهنوتي لحزب ((الإصلاح)) حول قضايا تتعلق بالديمقراطية والحريات المدنية وحقوق المرأة والموقف من الآخر في المجتمع المحلي والنظام الدولي، أو الاستنتاج بأنّ الخلافات تدور حول الأولويات فقط في إطار توزيع تكتيكي للأدوار بين تيار براغماتي يعمل على توظيف التحالف مع أحزاب ((اللقاء المشترك)) والتواصل مع السفارات والهيئات الدولية والقنوات الفضائية الخارجية بهدف تعظيم فرص إضعاف النظام وتشويه صورته داخلياً وخارجياً، وبما يعزز فرص الاستيلاء التدريجي على السلطة انطلاقاً مما يسميه كهنة الإسلام السياسي (فقه التمكين) و(فقه الأولويات)، وبين تيار كهنوتي يضع في أولوية أجندته السياسية حراسة المشروع الإستراتيجي لحزب ((الإصلاح))، وهو القضاء على النظام الجمهوري وإقامة نظام الخلافة السني الذي قضت عليه الجمهورية التركية عام 1924م، بدلاً من نظام الإمامة الشيعي الهادوي الذي قضت عليه ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م.
يقيناً إنّ منظومة القيم والمبادئ والحقوق والواجبات التي تضمنتها الأوامر والنواهي الإلهية الواردة في القرآن الكريم، تتكامل على نحوٍ يجعل من غياب إحداها سبباً في اختلال ميزان هذه المنظومة القيمية المتكاملة، فغياب العدالة يؤدي الى انتشار الظلم والاستغلال وانعدام الشعور بالأمان، فيما يؤدي الاستبداد السياسي والجمود الفكري إلى غياب الحرية وتغييب العقل وسيادة الجهل وانتشار الفقر وتكريس التمييز الطبقي بين الناس، وشحة الحوافز التي تشجع على العمل والانتاج في سبيل تحسين مستوى الحياة الحرة والكريمة.
وعندما تتم ممارسة الاستبداد والظلم والتسلط والخداع باسم الدين، تضعف المكانة السامية للعقيدة في النفوس، فيما تبرز الحاجة للدفاع عن العقيدة وحمايتها من كل أشكال الوصاية عليها، ومنع توظيفها لتحقيق أهداف ومصالح دنيوية تتعارض مع قيمها ومبادئها ومقاصدها، حيث تتحول العقيدة الدينية تبعاً لذلك من فضاء روحي يمنح الحياة عناصر القوة وحوافز التجدد والاستمرار، إلى مؤسسة منغلقة على صراع بين المبادئ والقيم والمقاصد النبيلة والمصالح المرسلة من جهة، وبين الأهواء والأغراض الدنيوية الضيقة من جهة أخرى، وما يترتب على ذلك من تشوهات تؤدي إلى إفقار الحياة وإنهاكها بالآلام والمواجع ، وتجويفها بالجمود والتقليد النقلي والركود.
لا ريب في أنّ التعاليم والأوامر والنواهي الالهية التي وردت في القرآن الكريم تستهدف إصلاح حياة الإنسان حتى يكون الاستخلاف في الأرض صالحاً ونافعاً.. لأنّ الذين يرثون الأرض من بعد الله، هم عباده الذين يسهمون في العمل الصالح ويكافحون منكرات الفقر والمرض والتخلف والعزلة والاستبداد من خلال تطوير الفكر السياسي والحقوقي وتحديث أنظمة الحكم، وتحسين أنماط ومستويات الحياة الإنسانية بأعمالهم التي تنفع الناس على الأرض في مختلف مجالات البحوث والاكتشافات والاختراعات العلمية والانتاج الصناعي والزراعي وخدمات الكهرباء والمياه والاتصالات والنقل البري والبحري والجوي، وعلوم الذرة والهندسة البيولوجية والفيزيائية والفلك والجيولوجيا والعمران والطب والطاقة ، وإستخراج الثروات الطبيعية والخيرات المادية والغذائية من باطن الأرض والبحر.. ومن الأسماك والحيوان والنبات،لأن الذين يقومون بهذه الأعمال عن علم وخبرة ومعرفة هم الذين يخشون الله، وهم الذين سيزيدهم الله علماً، بحسب ما جاء في القرآن الكريم.. وقد وعد الله كل الذين سيقومون بهذه الأعمال الصالحة في الحياة، من الرجال والنساء ، ومن كل أتباع الأديان السماوية، بما يستحقونه من جزاء على تلك العلوم والأعمال التي تدخل ضمن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حيث لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، بحسب وعد الله القائل: (انّ الّذِينَ آمَنُوا والّذِينَ هادُوا والنّصَارى والصّابِئينَ مَنْ آمَنَ باللهِ واليَوم ِ الآخَرِ وعَملَ صالِحا ً فلهُمْ أجْرُهُمْ عِندَ ربِّهمْ ولا خَوفٌ عليهم ولا هُمْ يَحْزَنُونْ) (البقرة 62).
وبالنظر إلى أنّ القرآن لم يحدد شكلاً لنظام الحكم أو الدولة التي يعيش فيها المسلمون، فالغاية الأسمى لدين الله هي الإنسان سواء كان ذكرا أم أنثى في كل بقاع الأرض، ومن غير المعقول أنْ تحتكر جماعة أوعصبة معينة حق وواجب الإشراف على حياة الإنسان من خلال الأوامر والنواهي التي تمارس مختلف أشكال الوصاية على الدولة والمجتمع، والإفراط في التمييز ضد النساء.. بمعنى أنّ كلاً من الدولة والحكومة والسلطة التشريعية والأجهزة الحكومية والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الاقتصادية تعد أمة معنية بذلك التكليف، وفي نطاق اختصاص كل منها.
وبوسع كل من يراجع البرامج الانتخابية المتنافسة في الانتخابات ملاحظة أنها تمثل قوى وجماعات منظمة تتبارى على الوعد بالعمل من أجل تقديم أفضل الأعمال الصالحة والنافعة التي تجعل حياة الإنسان حرة وكريمة وآمنة وخالية من كل صور الظلم والتخلف والفقر والفساد في إطار دولة مدنية يتوافر فيها أفضل قدر من المبادئ والقيم والحقوق والواجبات التي تضمنتها الأوامر والنواهي الإلهية الواردة في القرآن الكريم..والثابت أنّ الإسلام دشن عملية بناء أول مجتمع مدني مسلم خلال العهد النبوي الذي أنشأ نظام حياة للناس يشبه نظام دولة المدينة عند الإغريق، غير أنها كانت حياة ذات طبيعة انسانية متميزة، وقد تغير شكل هذا النظام بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وسلّم) وانتشار الفتوحات، وتحول نظام الخلافة القائم على التداول السلمي للحكم عن طريق الشورى، الى دولة ملكية وراثية ذات طبيعة إمبراطورية بدءاً بالعهد الأموي، ومروراً بالعهد العباسي، وانتهاءً بالعهد العثماني الذي انتهى بعده الشكل الامبراطوري للدولة الدينية التي كانت فيها السلطة السياسية والتنفيذية محصورة بين مؤسسة ولاة الأمر الملكية الوراثية، ومؤسسة رجال الدين الكهنوتية.
ويبقى القول إن الولاء في تلك العهود كان للدين والمذهب السائد وليس للوطن والدستور النافذ كما هو الحال عليه الآن فيما أصبحت الدولة الحديثة قائمة على التمثيل الوطني لكل قوى وفئات المجتمع رجالا ونساء ً من مختلف الطوائف والعقائد والمذاهب والأحزاب السياسية والمنظمات المدنية والفاعليات الاقتصادية والاجتماعية بمن فيها العمال والمزارعون والحرفيون الذين كانوا يتعرضون للتحقير والتهميش في الدولة الدينية الثيوقراطية، الأمر الذي أفسح المجال لظهور أشكال متنوعة للمشاركة في إدارة شؤون الدولة من خلال مؤسسات ذات طابع تمثيلي، وقد وصلت هذه المشاركة ذروتها بظهور نظم ديمقراطية حديثة تقوم على ضمان حقوق المواطنين والمواطنات على حد سواء في تولي وظائف الولاية العامة والانتخاب الحر و المباشر لهيئات الدولة عبر صناديق الاقتراع، والتداول السلمي للسلطة بين أحزاب ومشاريع وبرامج متنافسة، تسندها منظومة متكاملة من الحقوق والحريات المدنية والسياسية التي أعطت مفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أبعاداً عميقة ومتجددة في ضوء تعاليم القرآن الكريم التي تصلح لكل زمان ومكان.
* عن / صحيفة ( 26 سبتمبر )


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.