يمكن قراءة تصريح وزير الخارجية الأميركي جون كيري أمس، من زوايا عديدة، رغم أنه يقل أكثر من أن الاتفاق بين مصر وصندوق النقد أمر ملحٌّ وضروري وبالغ الأهمية. وقد يكفي ذلك لدفع الجانبين لتقديم تنازلات من أجل اتمام القرض، لأن البديل قد يكون كارثة كبرى تدمر البلاد. وقال كيري لمديري شركات مصريين وأمريكيين في القاهرة "إنه لأمر بالغ الأهمية وضروري وملح أن يشتد عود الاقتصاد المصري وأن يعود للوقوف على قدميه." بل إنه ذهب أبعد من ذلك وقال إنه "يجب التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي وأننا يجب أن نمنح الأسواق الثقة" بالاقتصاد المصري." وهناك إجماع بين المحللين بأن حكومة الاخوان كانت تتعمد المماطلة لأنها لا تريد الاعلان عن شروط التقشف قبل الانتخابات، بل إنها لا تريد حتى مجرد الحديث عنها، لأنها تخشى خسارة الانتخابات. ويضيف هؤلاء أن صندوق النقد ينبغي عليه أيضا أن ينظر للحالة المصرية بمنظار مختلف عن بقية بلدان العالم، لأن الاقتصاد لم يعد أمامه سوى هذا القرض أو الانهيار. وسرعان ما وصلت الرسالة لحكومة الإخوان، فأعلن وزير المالية المصري المرسي السيد حجازي بعد ساعات على تصريحات كيري، بأن الحكومة تأمل بإتمام اتفاق القرض، الذي تبلغ قيمته 4.8 مليار دولار، قبل بدء الانتخابات البرلمانية في أواخر ابريل نيسان. ويستبعد المحللون أن تترجم الحكومة ذلك على أرض الواقع بتقديم برنامج اقتصادي قابل للتنفيذ، لخفض العجز في الموازنة والدين العام. لكن هؤلاء يقولون إن حكومة الإخوان قد لا تستطيع المماطلة طويلا، لأن ذلك أصبح مكشوفا محليا وعالميا، إضافة الى التراجع الحاد في احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي وتنامي عجز الميزانية. وتراجعت احتياطيات مصر من العملات الأجنبية إلى ما يزيد قليلا على ثلث مستوياتها قبل ثورة عام 2011 وفقدت عملتها أكثر من ثمانية بالمئة مقابل الدولار في الشهرين الماضيين. ونظرا لأنه من المحتمل أن يتضمن الاتفاق مع صندوق النقد إجراءات مؤلمة دعا كيري للتوصل إلى توافق على كيفية معالجة المشكلات. وقال بعد اجتماعه مع وزير الخارجية المصري محمد كامل عمرو "نرى أنه من المهم في لحظة التحدي الاقتصادي الخطير هذه أن يتوحد الشعب المصري… حول الاختيارات الاقتصادية وأن يتوصل إلى أرضية مشتركة." وقال عمرو "نتوقع من الولاياتالمتحدة كحليف وكصديق استراتيجي بوجه خاص أن تقف إلى جانب مصر فى هذه المرحلة التى نمر بها وخاصة فى المواضيع الاقتصادية." وأجرى كيري محادثات مع مرسي بشأن أشياء يمكن للولايات المتحدة أن تقدمها لمصر من بينها مساعدة الاقتصاد المصري ودعم الشركات الخاصة وزيادة الصادرات المصرية للولايات المتحدة. لكنه أضاف أن واشنطن تريد معرفة ما إذا كانت "مصر ستتخذ القرارات الاقتصادية الأساسية الصائبة فيما يتعلق بصندوق النقد الدولي." والعلامات على الأزمة الاقتصادية كثيرة. فالواردات من القمح اللازمة لإطعام سكان يتزايدون بسرعة "وبلغ عددهم 84 مليونا" تتراجع بشدة إلى الآن هذا العام رغم تصريح الحكومة بأنها تعطي الأولوية في تخصيص الدولارات لمستوردي الغذاء. كذلك أعلنت الحكومة في وقت سابق زيادة بنسبة 50 في المئة في سعر زيت الوقود المدعوم للمستهلكين باستثناء الصناعات ذات الأولوية ومن بينها إنتاج الغذاء والكهرباء. وقلص البنك المركزي كمية الدولارات التي تطرح من خلال البنوك التجارية مما أجبر كثيرا من الشركات على التحول إلى السوق السوداء للعملات. وكان مسؤول أمريكي كبير قال أمس إن كيري سيشدد على أهمية تحقيق توافق سياسي في مصر بشأن إصلاحات اقتصادية مؤلمة لكن ضرورية للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي. وترى الولاياتالمتحدة ضرورة أن تزيد مصر حصيلة الضرائب وأن تخفض دعم الطاقة وهي إجراءات من المرجح ألا تحظى بتأييد شعبي إذا أجبرت حكومة الإخوان المسلمين التي يقودها مرسي على اتخاذها. وقد جمدت الحكومة المصرية قرار زيادة الضرائب لكن من المرجح أن يواجه الرئيس محمد مرسي احتجاجات شديدة نظرا لأن خفض الدعم الذي يطالب به صندوق النقد سيرفع تكاليف المعيشة في بلد ينتشر فيه الفقر. وتلتهم مخصصات دعم الطاقة نحو 20 بالمئة من ميزانية الحكومة مما يزيد من العجز الذي من المتوقع أن يرتفع إلى 12.3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية الحالية.