على غرار جدِّه المؤسس الملك عبد العزيز تلقّى الأمير محمد بن سلمان البيعة وليّاً للعهد باختيار خادم الحرمين الشريفين له، وعبر النظام الأساسي للحكم، ومن خلال هيئة البيعة والتصويت الذي نال فيه أغلبية ساحقةً وغير مسبوقة، تمثلت بواحد وثلاثين صوتاً من أصل أربعةٍ وثلاثين. كان لافتاً للعالم مدى السلاسة التي تم بها انتقال السلطة في السعودية، فولي العهد السابق سلّم الراية لخلفه بكل المحبة والودّ، وقدّم قبل الناس البيعة للأمير محمد بن سلمان، في مقطعٍ عفوي تمّ تصويره قبل إعلان القرار الملكي، وهو مقطع تاريخي بكل المقاييس يمثل أبلغ ردٍ على حملاتٍ إعلاميةٍ امتدت لعقودٍ تتحدث عن صراعاتٍ وأجنحةٍ داخل الأسرة المالكة السعودية، اتضح طوال هذه السنين أنها كانت جميعاً خاطئةً أو مغرضةً وليس فيها من الحقيقة شيءٌ. الاستقرار السياسي، هو إحدى ركائز الحكم في السعودية، وقد أكدته الدولة السعودية الحديثة منذ تأسيسها، وهي تزيده تأكيداً في كل مناسبةٍ، بل إن السعودية هي الداعم الأول لاستقرار الدول العربية خلافاً للدول المارقة في المنطقة الداعمة لاستقرار الفوضى، واختيار ولي العهد السعودي يؤكد المسير في هذه السياسة، ويفتح أفقاً جديداً نحو مستقبل مشرق. ولي العهد السعودي محمد بن سلمان رجل دولةٍ من طرازٍ رفيعٍ، تخرّج في مدرسة والده خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، حيث عمل معه لسنواتٍ في مناصب متعددةٍ، وصولاً لتوليه وزارة الدفاع وتنصيبه ولياً لولي العهد ونائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء ورئيساً لمجلس الاقتصاد والتنمية، حيث أظهر قدراته وبرزت شخصيته القيادية وعرف الناس مشاريعه الكبرى. نجح الأمير الشاب الذي ينتمي لشريحة الجيل الشاب في السعودية (الذي يمثل أكثر من سبعين في المائة) في كل الملفات التي أوكِلَت إليه، وأثبت للجميع قدراتٍ فذةً في إدارة الملفات المعقدة خارجياً وداخلياً، وفي تجديد الدولة وإعادة هيكلة الحكومة، وقد عُرِف عنه التفكير الشمولي في كل ملفٍ، والنظرة البعيدة للمستقبل، والاستيعاب الكامل للتفاصيل، ومن ثم رسم طريق تحقيق الأهداف والوصول إلى الغاية. بزياراتٍ مكوكيةٍ لدول العالم، من شرقه إلى غربه، ومن شماله إلى جنوبه، كان يعقد التحالفات والصفقات لوضع الأسس المتينة لدولةٍ سعوديةٍ جديدةٍ لم يفكر بها سواه، ولم يخطط لها غيره، فأقام مجالس تنسيقٍ مع الدول تعزز علاقات السعودية بأشقائها وأصدقائها، وأقام تحالفين عسكريين كبيرين: التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن من أكثر من عشر دولٍ وتحالف الدول المسلمة للحرب على الإرهاب من أكثر من خمسين دولةً، مع تعزيز دور السعودية في التحالف الدولي ضد تنظيم داعش، لتصبح ثاني أقوى دولةٍ فاعلةٍ فيه بعد الولاياتالمتحدة. الحدث التاريخي الذي جرى، الشهر الماضي، من قيام الرئيس الأميركي دونالد ترمب باختيار السعودية أول وجهةٍ خارجيةٍ له، إنما جاء بعد لقائه بولي العهد السعودي، وثمرة لجهد ولي العهد في بناء صلاتٍ وثيقةٍ بدول العالم، ما مكّن السعودية في وقتٍ قياسي من استقطاب أكثر من خمسين دولةً مسلمةً في قمم الرياض الثلاث. أكبر خصوم السعودية في المنطقة هو النظام الإيراني، نظام ولاية الفقيه والخمينية الطائفية ذات أحلام التوسع وبسط النفوذ واستعادة الإمبراطورية الفارسية، وقد استطاع الأمير الشاب تحجيم هذا الخصم وإخراجه من كل القارة الأفريقية ومن مواطن كثيرةٍ أخرى، وهو صرّح بأنه سيدفع إيران للداخل والاهتمام بشأن مواطنيها ورعاية مصالحهم، بدلاً من هذه المغامرات والتخريب، وقد قال الأمير صراحةً: «لن ننتظر حتى تصل المعركة للسعودية، بل سنعمل على نقلها داخل إيران». ولي العهد السعودي حازمٌ في قراراته الداخلية والخارجية، وهو حزمٌ ممزوجٌ بالحكمة؛ فهو يفكر بواقعيةٍ وعقلانيةٍ صارمةٍ، وكما نجح في التعامل مع إيران فقد نجح من قبل في إدارة الأزمة مع السويد، وحمى بكل قوةٍ سيادة السعودية، حتى اضطرت للتراجع، وفعل الأمر عينه مع ألمانيا حتى اضطرت للتراجع، وهو يتميز بذات الواقعية والعقلانية والحزم في قراراته الداخلية، فأي مسؤول يقصر في أداء مهمته لا يتردد في الحسم وبسرعة. عبر عقودٍ ظلّت السعودية تنظر لنفسها كدولةٍ ذات اقتصاد قائمٍ على النفط حتى جاء ولي العهد السعودي لينظر للسعودية بمنظارٍ مختلفٍ ورؤيةٍ أشمل وإيمانٍ بكل مواطن القوة التي تمتلكها بلاده، وتوظيفها لخدمة الدولة والمواطنين ومصالح البلاد والعباد، فكانت رؤية السعودية 2030 التي هو عرّابها ورائدها، والتي أصبحت حديث المجتمع والعالم حتى اليوم. الاعتراف بالأخطاء هو أول طريق التصحيح، وقد تحدث الأمير صراحةً عن «إدمان البترول» الذي عاشه الاقتصاد السعودي لسنواتٍ طوالٍ، وتحدث عن تعديلات جوهريةٍ كبرى لتحويل الاقتصاد من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد منتجٍ، وهو ما يضمن للأجيال القادمة عدم الارتهان لموردٍ وحيدٍ للبلاد. من أراد أن يعرف شيئاً من طريقة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في القيادة السياسية والوعي الدقيق القائم على المعرفة الواسعة والتحليل الدقيق، فليس عليه إلا أن يعود ليتصفّح رؤية السعودية 2030 التي أبانت عن شمولية التفكير الاستراتيجي في الحاضر والمستقبل، والوعي بكل عناصر القوة التي تمتلكها البلاد، والطرق الأنجع للاستثمار فيها، وعشرات البرامج الكبرى المتفرعة عنها والخادمة لها، مثل برنامج التحول الوطني وبرنامج تحقيق التوازن المالي 2020، ليعلم أي رجل دولةٍ هو ولي العهد محمد بن سلمان. تقوم «رؤية 2030» على ثلاثة محاور كبرى، هي: العمق العربي والإسلامي، وقوة استثمارية رائدة، ومحورٌ لربط القارات الثلاث، وقد شهد المجتمع السعودي تغييراتٍ كبرى وبالغة التأثير في قراراته الداخلية نحو مزيدٍ من الانفتاح الواعي، ومن استثمار قيم المجتمع وتراثه ودينه وثقافته لتعزيز القيمة الحضارية للبلاد، وهذه خطواتٌ أولى في رؤيته المستقبلية التي ستعزز ذلك أكثر في المستقبل، وكذلك في تنويع مصادر الدخل حيث الاستثمارات الضخمة في التعدين، وفي التصنيع الحربي، وفي التركيز على المحتوى المحلي، من أجل تطوير أجيالٍ جديدةٍ من السعوديين الذين يمتلكون الكفاءة والقدرة على التطوير واكتساب المهارات. أخيراً، سعد الشعب السعودي وحلفاء السعودية بولي العهد، كما شرق به كل خصوم السعودية، وسيحمل المستقبل كل بشائر السعودية الجديدة. وكل عامٍ وأنتم بخير.