الرجل الصعب نتاج المواقف الصعبة، والمهمات الخطرة، واللحظات الحاسمة، السياقات الاستثنائية فقط هي التي تتكشَّف عن الشخصيات الاستثنائية، وعلى جمرها يتوهَّج معدن البطل. الربيع العربي، وبغض النظر عن وصفه الشعري، مرحلة استثنائية، وضعت كثيراً من الأشخاص والمفاهيم والإيديولوجيات.. وفي كل بلد عربي، على محكِّ التجربة، وكشفت خلال فترة وجيزة عن حقائق لم يكن بالإمكان كشفها خلال عقود.. من كان يتصوَّر أن الثورة يمكن أن تكون أسوأ من الاستبداد، كما برهن ثوار ليبيا، أو أن الإسلام السياسي بكلِّ هذا التوحش والهمجية التي حدثت ويحدث في سوريا في ظل الثورة..!! سقطت أيديولوجيات وأساطير وأقنعة، وبرزت أخرى، خُلطت أرواقٌ كثيرة وأعيد فرزها، وتميزت ملامح أبطال ولصوص ومدعين وتجار حروب، كما لم يحدث من قبل.. حتى أعداء آل الأحمر في اليمن لم يكونوا يتمنون أن يتعرَّوا حتى العظم كما حدث لهم خلال الثورة!! في مصر، كشفت ثورة يناير، عن خرافة القبضة الأمنية لمبارك، وعن تفكُّك المعارضة التقليدية، وعن نبل وسذاجة الثورة الشبابية، وعن الحقيقة المكشوفة لجماعة الإخوان المسلمين، وأشياء كثيرة أفضت في حصيلتها إلى كابوس بدلاً عن الحلم. الاضطرابات الثورية المتأججة التي مكَّنت جماعة الإخوان المسلمين من امتطاء الثورة إلى السلطة، سرعان ما كشفت عن حقيقة أن تطبع الجماعة بالشعارات الثورية والمدنية، لا يمكنه أن يغلب الطبع الشمولي الإقصائي الكامن في الجينات الإيديولوجية لهذه الجماعة التي كان من الطبيعي أن تسقط خرافتها في أول تجربة عملية لها.. قصة السقوط المريع معروفة، تابعها الجميع، خلال أشهر حدثت فجوة تتوسع باطراد مخيف بين الشعب والنظام، أزمات مركَّبة ومربِكة من كلِّ شكلٍ ونوع، وعلى كلِّ مستوى، الشارع يغلي بغضب متزايد، مسيرات جماهيرية استثنائية غير مسبوقة من حيث الكمّ والنوع، تحتج على ممارسات النظام الفاشل وتدعو لإسقاطه، الحرب الأهلية على وشك الانفجار والجماعة في مواجهة الجميع.. والرئيس مرسي يصدِّر أزماته إلى سوريا!! في هذه اللحظات الصعبة الحرجة، والظروف المتفجرة، تدخَّل السيسي، بدا أشبه بالمخلِّص المنتظَر في اللحظات الحرجة المدلهمة، لم يفعل أكثر من الواجب، في الوقت المناسب، ولكن ذلك حدث في لحظات مصيرية، وما فعله السيسي حتى الآن، وبغض النظر عمَّا ستؤول إليه الأمور، يجعل منه علامة فارقة في التاريخ المصري الحديث، وبطلاً كبيراً بالمعنى التاريخي للبطولة، كاستحقاق لأعمال وتحوّلات نوعية لا تقلّ في حالته عظمة وأهمية، عنها لدى أيِّ بطل أو زعيم حقيقي آخر شهده التاريخ المصري العريق..