يقع «صحافي المسافات الطويلة» في 400 صفحة. ثلثاها، للحديث عن سيرة الزميل الكبير رياض نجيب الريس في دنيا الصحافة، كاتباً ومحرراً ورئيس تحرير وناشراً للصحف والكتب. أما الثلث الأخير فعبارة عن مختارات من مواضيع كتبها من اليمن وفيتنام وبراغ وعدن وهونغ كونغ، وغيرها من أماكن الاضطراب والخوف. الثلثان الأولان، توثيق لحياة ومرحلة صحافي طموح ومشاغب وباحث عن إحياء إرث العائلة. فوالده، نجيب الريس، كان من كبار صحافيي سوريا، وصاحب «القبس» التي خاضت شتى المعارك السياسية في دمشق، من الاستقلال حتى وفاته. لكن نصوص الثلث الأخير هي إعادة اكتشاف رياض الريس «الريبورتر» والمغامر بلا حدود، نازلاً من طائرة داكوتا مهلهلة في تعز، مترجلاً من سيارة لاند روفر حملته إلى المكلا (1866) لمقابلة سلطان الدولة القعيطية. ... «كان أصغر سلطان في العالم وآخر السلاطين الذين حكموا الدولة القعيطية لأربعمائة عام. توجهت إلى قصره في المكلا ولم يكن هناك من حراس على باب قصره سوى جندي حافي القدمين يحمل بندقية عتيقة. لم يسألني إلى أين وأنا أدخل بوابة القصر. بدا كل شيء في غاية الهدوء، ثم ظهر شاب لاستقبالي ظننت أنه أحد العاملين لدى السلطان، إذ كان يحمل عصا من البامبو الهندي، ويقف على رأس سلم خشبي. وعندما وصلت إليه صافحني وقال في صوت خافت: (أنا السلطان). لم يكن قصر المكلا سوى منزل عادي، والسلطان غالب لا يريد شيئاً سوى أن يكمل علومه في بريطانيا. وفي العام التالي خلع، وحصل على منحة دراسية في بريطانيا. وفي الثمانينات، جاء إلى مكتبة (الكشكول) التي يملكها رياض في لندن، ووقف أمام مكتبه قائلاً: أنا غالب، هل عرفتني؟»... نجد أن مرحلة المراسَلة هي الأغنى في مسافات رياض الريس. ومثل جميع المراسلين نجد أن حكاية الوصول إلى المكان هي الأكثر صعوبة وتشويقاً. وترى المراسل مرتعداً في صنعاء وهو يحاول أن يلتقط صورة لإعدام سبعة أشخاص دفعة واحدة، أو ماشياً في شوارع عدن المليئة بالجثث لا يرفعها أحد، أو ذاهباً إلى أرض المعارك في سايغون، أو يقود سيارة فولسفاغن طراز خنفساء، في محاولة للوصول إلى براغ بعد احتلال السوفيات لربيعها عام 1968. «صحافي المسافات الطويلة» في الثلثين الأولين، وضع في شكل حوار مع الكاتبة سعاد جروس. أحزن ما فيه قول الصحافي «إن المرض قد أقعده». والأكثر حزناً أن يقول إنه منذ ثلث قرن في نشر الكتب (الممتازة) وعينه وقلبه في الصحافة.