يبدو أن مسلسل البروباجندا الإعلامية المرافقة لوزير الداخلية الجديد اللواء عبده الترب، تم سحقها بالأمس تحت عجلات سيارتين، وأقدام أكثر من 10 مسلحين نفذوا جريمة بحق أستاذ جامعي، هو الدكتور إسماعيل الوزير، رئيس شورى حزب الحق، أدت الى استشهاد اثنين من مرافقيه، وإصابته هو وآخر بجروح بليغة، في وسط أمانة العاصمة صنعاء، وفي عز الظهر، وأمام مرأى ومسمع من كل الأجهزة الأمنية، وفر الجناة، ومروا مرور الكرام، وبسهولة ويسر، من كل النقاط الأمنية، التي سبق ومر منها الوزير متنكراً. ركز الوزير منذ الوهلة الأولى على تلميع نفسه، وأنشأ له مطبخاً إعلامياً من صحافة وصحفيين، سردوا القصص والروايات عن الزيارات الميدانية التنكرية التي نفذها وزير الداخلية لعدد من النقاط الأمنية، ليختبر مدى فاعليتها، وليكتشف مكامن الخلل الأمني، مرة فوق سيارة أجرة -تم الإبلاغ عن أنها مسروقة- وأخرى فوق سيارة صالون معكسة، مدعياً أنه شيخ قبلي، وانتهت زيارات الوزير التنكرية تلك الى إيقاف وإحالة عدد من الضباط والأفراد للتحقيق، واستبدالهم بآخرين.
وفجأة، ظهر لنا الوزير في الجامع يصلي بمجموعة، وأخرى وهو يأكل مع الجنود، وغيرها الكثير من الصور التي تم تناقلها في مواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" و"تويتر"، ووصلت إلى بعض الصحف، وكنا قاب قوسين أو أدنى من صورة يظهر فيها الوزير الخارق "الافتراضي"، وهو نائم تحت إحدى أشجار حديقة 21 مارس "الافتراضية"، ومكتوب في أعلى الصورة "عدلت فأمنت فنمت".
المطبخ الإعلامي المحيط به غرر عليه، وامتص سيولته المالية، مستغلاً "زقرعة" الوزير، وجعلوه يعيش الحلم وكأنه حقيقة، بعد أن خلقوا منه أنجح وزير داخلية على مستوى الشرق الأوسط. ولأن الوزير بسيط، فقد نام -أيضاً تحت نفس الشجرة في حديقة 21 مارس- على وقع تلك الصور وتلك الإنجازات الفيسبوكية، مطمئناً على وضعه في السلطة، وحالماً بمستقبل مزهر، وفجأة إذا بعلي محسن الأحمر "يزبطه" ويصحيه قائلاً له: سير ارقد يا ولدي في البيت قبل ما يجوا "الغويان" يلقطوك بالغلط.
نسي الوزير -عند تعيينه- أنه أمام مهام جسيمة، ووضع أمني صعب، بحاجة إلى مراجعة شاملة، وتخطيط مدروس، واجتماع بخبراء وفنيين لدراسة أفضل السبل لاستعادة الأمن والاستقرار، بعد دراسة موضوعية للملف بشكل متكامل بكافة أبعاده السياسية والأمنية، ووضع حلول عملية قد لا نلمس فوائدها إلا بعد أشهر عديدة.
أراد الوزير أن يصنع له إنجازات وهمية، وفي فترة قياسية، فوقع في شر أعماله، واستمر مسلسل الجريمة على الأرض بنفس الوتيرة، دون توقف، وحصد العشرات من أفراد وضباط وزارة الداخلية في النقاط الأمنية بحضرموت وغيرها من الأماكن، مروراً بعدة جرائم كاغتيال المحضار في عدن، واختطاف عبدالسلام الضوراني، مدير مدرسة الحمزة في مدينة ذمار، وصولاً إلى محاولة اغتيال الدكتور إسماعيل الوزير، التي قتل فيها عدد من مرافقيه، وجرح هو وآخرون.
المجرمون والقتلة ومقاولو الاغتيالات لا يتأثرون بما ينشره المطبخ الإعلامي للوزير على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، ولا يخافون من القصص والزيارات التنكرية التي يقوم بها الوزير للنقاط الأمنية، فهم يعرفون أن كل تلك أوهام صنعت في مواقع افتراضية. وبما أنهم لن ينفذوا جرائمهم على صفحات موقعي "فيسبوك" و"تويتر" الافتراضية، فإن وزارة ال"فيسبوك" ووزيرها "الفيسبوكي" لن يطالوهم، لأنهم -على أرض الواقع- يتعاملون مع وزارة ووزير الداخلية الحقيقيين، والذين هم على حالهم وأوضاعهم "محلك سر" منذ أن بيع كرسي الوزير أمام الوزارة قبل عامين تقريباً بالمزاد العلني بمبلغ 6000 ريال بعد نهب الوزارة في وضح النهار.
عزيزي عبده الترب: أقدر صدمتك وإحساسك بالفشل بعد كل تلك الجرائم، وبالأخص الواقعة منها على بعد كيلومترات قليلة من مقر وزارتك، وفي نفس الوقت أتعجب كيف تصنع بنفسك الكذبة ثم تصدقها؟ فأنت تعلم أن الإجراءات الشكلية والقشرية لتي اتخذتها لم ولن تلامس نقاط الضعف الأمنية، فمهما كانت إمكاناتك وقدراتك لن تتمكن لوحدك من معالجة ذلك الملف الذي يحتاج الى قرار سياسي أكثر منه قراراً أمنياً.
عزيزي عبده الترب: لن يفيدك قلم كاتب أو صحفي أو موقع أو صحيفة، لن تفيدك العزائم التي تنظمها للصحفيين والكتاب، ولا المؤتمرات الصحفية التي تعلن فيها إنجازات وزارتك الوهمية. فما سيقنع الناس فعلاً هو تحسن الوضع الأمني، وكشفك عدداً من الجرائم، وتقديم بعضهم للمحاكمة، وفتحك الملف الأمني بشكل واضح وشفاف، عبر استغلال الإعلام ليس للترويج لك، بل لإطلاع الرأي العام على الصعوبات التي تواجهها، والتي تعيق معالجة الوضع الأمني.
ابتعد قليلاً عن الإعلام، وركز على الأعمال والإنجازات الفعلية، وليس بالضرورة أن تظهر علنا في المساجد، فما يهمنا هو أن تظهر إنجازاتك خارج المساجد، وتمنع الجريمة، أو تمسك بمرتكبها على الأقل عندما تُنَفذ داخل أمانة العاصمة، فمهما صليت لن تقينا صلاتك من رصاص الغدر والخيانة، فأجر الصلاة بالتأكيد لك، لكن أجر المواطن لا يزال منذ سنوات الرصاص.