في مقابلات صحفية سابقة مع اعلاميين أجانب وعرب ويمنيين حول ثورات الربيع العربي، كان ردي الدائم على السؤال المتكرر بصيغ عدة مختلفة (( هل لديك قلق من حكم الإخوان )) يقابل بالاستغراب حينما كنت اقول: (( لا مشكلة لدي من وصول الإخوان أو أي تيار إسلامي آخر أو سياسي الى سدة الحكم في اليمن أو أي بلد عربي إسلامي شقيق, فلهم كل الحق في ذلك مثلما هو حق غيرهم من القوى السياسية والدينية بشرط ان تصل الى مقاليد السلطة بآليات ديمقراطية، سلمية، شفافة ونزيهة، حينها سيكون قرار الشعب الحر لا بتزييف ارادته وخياره، وأن كل من سيصل الى السلطة هو من سيجعل الناس إما أن تتمسك به أو استبداله من خلال شرعية رضاء الشعب بمن يحكمه أو برفضه.كان هذا موقفي المبدئ والثابت ولا يزال. بالمناسبة، في العام الماضي كنت في القاهرة، وكان يوم انتظار الشعب المصري ومتابعة العالم دقيقة بدقيقة لإعلان نتائج الفرز للانتخابات الرئاسية بين المرشحين مرسي وشفيق، كنت في شرفة غرفتي في الطابق الثالث والعشرين في فندق سميراميس المطل على ميدان التحرير، وكنت اتنقل بسرعة مكوكية بين الغرفة لمتابعة الاستماع للتقرير المطول لنتائج الفرز من التلفزيون وشرفة الغرفة لمشاهدة جموع المصريين والمصريات الغفيرة التي كانت تصلي لفوز الدكتور مرسي باعتبار فوزه رمز لإنتصار ثورة 25 يناير. وأعلن فوز مرسي على شفيق بفارق بسيط، وفي تلك اللحظة ارتفعت الهتافات والتهاليل وأنطلقت الألعاب النارية وارتفعت الاعلام في ميدان التحرير في فرح مهرجاني جامح، دمعت عياني تعاطفاً وقتها وانا اشاهد مظاهر الفرح الثوري والاحتفال بفوز مرسي، وكتبت وقتها منشور هنأت أشقائي وشقيقاتي في مصر على خيارهم، فذاك شأنهم وحدهم وعلينا احترام خياراتهم وتأييدها بغض النظر عن خياراتنا وتفضلياتنا الشخصية.
وبالأمس كنت في مطار القاهرة ترانزيت لمدة 6 ساعات قادمة من تونس في وقت المغرب مع عدد من الاخوة والاخوات من اليمن، وكان بعضنا يتحرق شوقاً للذهاب الى ميدان التحرير لمتابعة التفاصيل على الواقع ومشاهدة خروج أهل مصر بالملايين كطوفان بشري غير مسبوق في التاريخ، حسب توصيف اعلامي، تمرداً على حاكمهم والمطالبة بمغادرته السلطة، لم أتمكن وزملائي من الخروج من المطار لحالات التأهب الأمنية القصوى وتحسباً لأي أعمال عنف محتملة بين الطرفين المتصارعين وبقينا نتابع عبر الاعلام.
ما أشبه اليوم بالبارحة، بالأمس الأماكن والبشر الذين هللوا بفوز مرسي رئيساً لهم منذ عام, هي نفس الأماكن ونفس البشر التي خرجت لتوديعه وتطالبه بالرحيل.
هي رسالة واضحة وقوية وعبرة يهديها شعب مصر الثائر لجميع القادة والأحزاب الحاكمة في كل مكان: لا تأمنوا غضبة الشعب عندما يأتمنكم على مصيره فتخونوا الآمانة.