يتعرّض الصحفيون اليمنيون لانتِهاكات ومُلاحقات مُتواصِلة، ولم تفلح الإدانات المتكرّرة التي أطلقتها منظمات وطنية ودولية بوضع حدٍّ للإيذاء المَعنَوي والمادّي الذي يُطارد الصحفيين اليمنيين، إذ تتزايد مِحنة الصحافة والإعلاميين الناتجة عن الحرب الدائرة في بلادهم وتداعياتها على مِهنة الصحافة، ومناخ الحريات وصل حد القتل والإحتجاز التعسّفي واستخدامهم كدروع بشرية والإخفاء القسري ووقف الرواتب والطرد من العمل. ورسم تقرير صدر مؤخراً عن نقابة الصحفيين اليمنيين صورة قاتمة لحالة مهنة الصحافة والصحفيين جرّاء ما يتعرّضون له من قمع وانتهاكات جسيمة غيْر مسبوقة، هي الأسوأ على الإطلاق في اليمن منذ 25 عاما. وسجل التقرير خلال النصف الأول من العام الجاري 200 حالة انتهاك، استهدفت حياة الصحفيين وطالت انتهاك الحريات الإعلامية في اليمن. ووفقاً لتقرير النقابة الذي أعدّته بالتعاون مع الإتحاد الدولي للصحفيين، قُتِل خلال الأشهر الستة الماضية عشرة صحفيين، في عمليات تورّطت فيها جماعة الحوثي ومجموعات متطرِّفة وقوات التحالف، وقد مثَّلت نسبة هذه الإنتهاكات 5% من إجمالي التجاوزات المرتكبة.
ترصد وملاحقات في الوقت نفسه، بلغت حالات الإعتقال والحجز والإختطاف والملاحقة والمحاصرة للصحفيين، 55 حالة طالت صحفيين ومصورين وموزّعين بنسبة 27.5% من إجمالي الإنتهاكات. وحسب التقرير، ما يزال هناك حتى اليوم 13 صحفيا في المعتقلات، الجزء الأكبر منهم محتجز لدى جماعة الحوثي، والبعض الآخر محتجز لدى الأجهزة الأمنية.
ويشير التقرير إلى أن الترصّد والملاحقة للصحفيين، دفعت بالعشرات منهم إلى النزوح إلى قُراهم والإختفاء أو مغادرة اليمن، وإلى أن الإعتداءات على الصحفيين ووسائل الإعلام تنوّعت وتعدّدت، منها اقتحام الصحف والقنوات والإذاعات بواقع 48 حالة طالت صحفيين ومقرات إقامتهم ومداهمة مؤسسات إعلامية بنسبة 24%، وقد ارتكبت أغلب تلك الحالات من طرف جماعة الحوثي إلى جانب قِوى متطرِّفة ومجهولين.
إضافة إلى ذلك، تعرّض الصحفيون ل 21 حالة تهديد ومُضايقات وحملات تشهير، طالت صحفيين وصحفيات على خلفية تغطِياتهم الصحفية أو التعبير عن آرائهم بنسبة قدِّرت ب 10.5%، ووصلت حملات التحريض حدّ وصف الصحفيين بالعَمالة والأعداء.
التقرير رصد ثمان حالات إيقاف عن العمل وتهديد بالفصل وإيقاف مرتّباتهم والمنع من دخول مقرّات العمل من قِبل جماعة الحوثي (بنسبة 4% من الإنتهاكات)، وقد طالت هذه الحالات مئات الصحفيين، خصوصا العاملين في وسائل الإعلام الرسمية (الثورة، وكالة سبأ للأنباء، تلفزيون اليمن، إذاعة صنعاء)، وفَقَد قرابة 300 موظّف في إذاعة صنعاء لوحدها أعمالهم. كما رصدت 16 حالة إيقاف صحف ووسائل إعلام ومصادرة آلات التصوير ومعدّات بنسبة 8% من إجمالي الإنتهاكات.
وخلال النصف الأول من العام الجاري، تم حجب 33 موقِعا إلكترونيا ومحرِّك بحْث من قِبل الحوثيين وحليفهم الرئيس السابق علي عبد الله صالح بنسبة 16.5%، الأولى من العام الجاري و9 حالات إغلاق مكاتب قنوات تلفزيونية وصحف بنسبة 4.5% من إجمالي الانتهاكات، حتى أصبحت العاصمة صنعاء شِبه خاليه من مراسلي وسائل الإعلام الخارجي ومن الصحفيين والصحف المناوئة للحوثيين.
اعتداءات متكررة في الواقع، لم تقتصِر تلك الإنتهاكات على الحوثيين. فالصحفيون أصبحوا أهدافا مقصودة لكل الأطراف المتصارِعة. ففي تعِز، اقترفت القِوى المحسوبة على المقاومة الشعبية، أعمالاً لا تقل بشاعة عن أقرانهم الحوثيين، إذ تعرّض المراسل الصحفي والكاتب المعروف أبوبكر عبدالله هو وأسْرته لاعتداءات متكرّرة من قِبل الجماعات المتطرِّفة، التي تصنِّف نفسها ضمن المقاومة، يسردها ل swissinfo.ch بقوله: "رغم تعرًّضي للتهديدات بشكل مستمر، إلا أن وتيرتها زادت مؤخّرا، وتحديداً بعد أيام قليلة من نشري سلسلة تحقيقات صحفية في صحيفة "الثورة" الرسمية، تكشف عن الترتيبات التي تجري لتأسيس الفرْع اليمني لتنظيم "داعش"، تلقَّيتُ على إثرها العديد من التهديدات بالتصفية الجسدية عبْر رسائل الهاتف والواتس آب من أرقام داخلية وخارجية، لكني كُنتُ دائما أتجاهلها، ووصل الحال إلى توجيه الرسائل المباشِرة إلى أفراد عائلتي بالإعتقال والتصفية الجسدية".
وفي منتصف شهر أغسطس الماضي وبعد يومين من اقتحام جماعة "حماة العقيدة"، وهي ذراع تابعة لتنظيم القاعدة في محافظة تعِز، مبنى الأمن السياسي والسيْطرة على حي "صينه"، حيث أسكن مع أفراد عائلتي، تلقيت تحذيرات باستعداد هذه الجماعات لاقتحام منزلي واعتقالي، إلا أني وفي يوم 17 أغسطس تمكّنت بمساعدة أقاربي من التسلّل إلى خارج الحي ثمّ السفر إلى محافظة الحُديدة، غرب البلاد، ومن ثَم الذهاب شمالاً إلى العاصمة صنعاء.
وفي اليوم التالي، نهبوا سيارتي وصادروها. ورغم نزوحي، إلا أن نحو 20 مسلّحا من تنظيم حماة العقيدة اقتحموا منزلي يوم الإثنين 7 سبتمبر الجاري وفتّشوه واستولوا على كمية من الكُتب وحوالي 200 نسخة من كتابي الأول ضِمن سلسلة تحريك الجبال دفاعا عن السُنّة (دليل قيام الصلاة.. خبايا التحريف وأوهام التأويل)، كما صادروا بعض الأجهزة وروّعوا أطفالي وأفراد عائلتي".
مأساة الصحفيين في سياق متصل، يُسجّل تقرير أعده «مركز الدراسات والإعلام الإقتصادي» في صنعاء استمرار الإنتهاكات. فخلال شهر أغسطس الماضي، تمت 61 حالة انتهاك ضد الصحفيين والحريات الإعلامية في اليمن، شملت 32 حالة اختطاف و17 حالة تهديد و5 حالات اقتحام مؤسسات ومنازل وحالة قتل واحدة وحالة إصابة واحدة، مشيرا إلى أن جماعة الحوثي والجماعات الموالية للرئيس السابق علي عبدالله صالح كانت الأكثر انتهاكا للحريات الصحفية في اليمن".
ولم تقتصر الانتهاكات على الأطراف المذكورة. فالحِراك الجنوبي أيضا له نصيبه منها. فقد شهدت المحافظات الجنوبية المحرّرة ارتفاعا في حجم المخاطِر التي تواجِه الصحفيين والصحافة ما اضطر بعضهم إلى مغادرتها إلى مناطق أكثر أماناً داخل البلاد، والبعض الآخر إلى خارج اليمن.
ويُمكن القول أن ما يتعرّض له الصحفي والناشط فهمي صالح العبادي من قِبل الحِراك الجنوبي، يمثل نموذجاً يلخِّص حجْم المأساة التي تحيط بالصحفيين اليمنيين، إذ يقول "نتيجة كتاباتي الصحفية أو مشاركتي في الفضائيات متحدثاً عن اليمن وعن الشعب في الجنوب والشمال بدون أي تفرقة عنصرية أو مذهبية أو حزبية، بدأ الحراك الجنوبي المسلّح وبعض أدعياء التحرير والإستقلال، حملات تحريض ضدّي وضدّ آخرين، وصلت حدّ التهديد العلني بالتصفية والدّعوة إلى قتلي".
واستطرد العبادي موضِّحاً: "التحريض بدأوه على صفحتي على شبكة التواصل يعلِّقون بشكل سيِّئ، ثم قاموا بتهديدي عبْر هاتفي الخاص، وبعدها أرسلوا لي تهديدات عبْر الهاتف النقال، بأني سأكون في خبَر كان إذا واصلت ما أقوم به، ثم كتبوا منشورات تحريض ضدّي - مع الأسف كتبت من قِبل أناس مشهورين ولديهم متابعين على شبكات التواصل الإجتماعي بالآلاف – يتّهموني بأني من مخلّفات قوات الإحتلال القادمة من صنعاء وخصّصوا جائزة لمَن يأتي برأسي".
وأضاف الناشط اليمني: "وقال أحدهم إن أحد التجار خصص مبلغاً من المال لمَن يُلقي عليّ وعلى آخرين القبض، وخرجوا بمنشور تبنّته إحدى الصفحات الإخبارية التابعة للحِراك الجنوبي، مفاده أني أتزعَم خلية داعمة للرئيس السابق صالح في عدن، وأنه قد تم إلقاء القبض علي وأنا في إحدى الفِلل في عدن ومعي 150 مسلّحا، وهكذا حاولوا بكل ما أوتوا من قوة أن يُوقفونا عن قول الحقيقة. والآن، أنا ممنوع من العودة إلى عدن أو إلى لحج، وهي بلادي ومسقط رأسي. وقالوا لي بأن الضريبة ستكون كبيرة إن دخلتها، ولذا لم أدخلها منذ فترة خوْفا على نفسي، كون السلاح صار منتشرا وفي يد الأطفال"، على حد قوله.
الخلاصة، أن أوضاع الصحفيين في اليمن أضحت اليوم مأساوية. فالذين نجوا بأنفسهم إلى خارج البلاد، يعيشون أوضاعاً بالِغة القسْوة تتهدّدهم مخاطر الضياع، والذين بقوا داخله ولم تمكِّنهم ظروفهم من مغادرتها، تتهدَّدهم مخاطِر الموت وتتوعَّدهم الجماعات المتحارِبة بالملاحقات والقمع.