نعم , اليوم لابد من دقّ ناقوس الخطر !!! ليس لأن العرب يُقتلون يوميا في العراق والشام , وليس لأن العالم العربي يعيش في حالة تخبّطٍ وضياعٍ سياسي , ولكن هناك ماهو أخطر وأعظم وأنكى , وهو فقدان روح الأخوة وفقدان حلم الوحدة على المستوى الشعبي . وهذا ما يمكن أن يلاحظه العقلاء من أبناء جلدتي , والعقلاء فقط ممن لم تتلوث عقولهم بالسياسات المريضة والهزيلة التي طالما مارستها الحكومات العربية على شعوبها , وممن لم يكدِّر صفو إيمانهم الفرق المذهبية والفتن الطائفية , وممن لم تنجس ضمائرهم بلوثة العصبية القبلية والأنانية العمياء .. لقد قالها صلى الله عليه وسلم: "دعوها فإنها منتنة"…وما شرّف الإسلام العرب إلا بأن وحّدهم وجمع كلمتهم بعد طول شتات واقتتال . واليوم سأقولها بملئ فمي وبأعلى صوت..يا أبناء أمتي كفاكم جنوناً , وكفاكم جهلاً وجاهلية, هل نسيتم أن دماءكم واحدة؟ هل نسيتم أن تاريخكم واحد وأن مصيركم واحد؟…كيف تسمحون لأصنامٍ تعتلي العروش والمنابر أن تشتّت شملكم وأن تمزِّق حلم الوحدة العربية أمامكم أشلاءاً بلا رحمة , فمن يعيد للجسد الميت روحه الممزقة؟؟؟!!! ألقوا بكل الأحقاد خارج قلوبكم ودعونا نحافظ على سلامة الروح والنفس بيننا , بين الشعوب, دعوا السياسيين والسياسة والمتمذهبين والمذاهب , وحافظوا على حق لا إله الله وحق العروبة كشعرة تنتهي عندها كل نزاعاتنا ومصالحنا وأيدلوجياتنا الضيقة ومذاهبنا المفرِّقة.. لقد لعب الساسة اللعبة وعرفوا كيف يستغلوا عاطفتنا الدينية وانتماءاتنا القبلية والحزبية ليقتل بعضنا بعضا وليتشفى بعضنا في بعض , أصبح كل شعب ينتظر أن يرى دمار ونهاية الشعب الآخر , فهل نزعت من قلوبنا الرحمة؟!! لقد كشف الربيع العربي عن عيوبنا وعرّى سوءاتنا وأظهر أزماتنا أمام أنفسنا وأمام الملأ تلك المشكلات التي طالما أخفيناها وصمتنا عنها سنين طويلة , لقد كشف عن جهل العرب وضعفهم وهشاشة مجتمعاتهم وضعف إيمانهم , لدرجة أن صديقين في الغربة يقطع أحدهما الآخر لأن كل منهما اختار مرشحاً سياسياً مختلفاً , وآخر يقاطع جاره أو أخاه لأنه ينتمي إلى الجمعة الفلانية أو العلانية .. ونسي هؤلاء أن جار الرسول صلى الله عليه وسلم كان يهودياً وفوق هذا وذاك , مات عليه الصلاة والسلام ودرعة مرهونة عند يهودي , أليس وراء هذه الحوادث التاريخية إشارات عميقة ما زلنا نتجاهلها , لحساب أن كلاً منا يظن أنه يحتكر الحقيقة والتمثيل الحقيقي للدين ,وهو بتصرفاته يناقض كل مبادئ الدين وكلياته , لحساب جزئيات تفرّق ولا تجمع , تنجّس ولا تطهِّر. يا أبناء أمتي كم نحن بحاجة إلى أن نبحث عن حلولٍ حقيقية للقضاء على هذه الأزمة , لأنها تقوِّض دعائم المجتمع وتنخر فيه من الداخل , قد تنهار الدول واقتصادياتها , وقد يرحل الرؤساء والملوك , والمجتمع المتماسك هو الذي يعيد بناء الدولة وإنعاش الاقتصاد وانتخاب الحاكم , ولكن من سيبقى إذا انهار المجتمع برمّته وأصبح غابةً من وحوش ينهش بعضهم في لحم بعض , وهنا سأطرح بين يديكم مجموعة من الحلول التي أجتهدت في وضعها وأظن أنها ستكون جزءاً من الحل: 1-نشر ثقافة التعايش واحترام الاختلاف: ثقافة التعايش التي تعني أن أحافظ على شيءٍ من العلاقة الطيبة مع الآخرين مهما اختلفت معهم في الرأي أو الدين أو الجنسية أو المذهب أو الحزب…وهذا واجب ديني واجتماعي وإنساني. 2-نشر المعنى الحقيقي للدين: الخالي من التعصب والتمذهب ,الدين النقي الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم , ذلك الدين الذي يجعل أبناء الأمة كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى , بغض النظر عن كل الخلافات والاختلافات. 3-النظر للمسائل السياسية بعقلانية: لا تجعل علاقتك بالآخر تقوم على حسب انتمائه السياسي فهو حرٌّ في اختيار الطريق الذي يناسبه , مع الوضع في الحسبان أن السياسة تستخدم الدين كأداة لتحقيق مآربها فلذلك كن على حذرٍ من هذا الخلط الدنيئ الذي يلوِّث الدين ويلوِّث العقول والقلوب. 4-نشر واحترام ثقافة التعدد والتنوع: وهذه سنة إلهية كونية حيث أن الله لم يخلقنا متشابهين لا في أشكالنا ولا ميولنا ولا قدراتنا ولا اتجاهاتنا ولا عواطفنا ولا عقولنا ولا أفكارنا ولا حتى في بيئاتنا الاجتماعية والظروف التي نشأنا فيها , فمن الطبيعي أن نختلف , ولكن ليس من الطبيعي أن نتفرّق كقطع البازل المتنافرة والمشتتة , ماذا لو أعدنا ترتيبها , ألن تشكِّل لوحةً رائعة ؟!!.