مشيت بين الكلمات لم أجد عنواناً يعنون ما يدور و يحصل مثل هذا العنوان ،الذي عنْونتُه بناءً استطلاع للرأي قمتُ به .. سألت أحدهم:" هل تحس بانتمائك إلى وطنك؟" نظر الىّ نظرات بلا معنى و انطلق، أعدت السؤال على آخر أطلق ضحكة و رحل. لم أيأس لابد أن أجد إجابة على سؤالي ، لابد إن اكتب شيئاً في ورقة الاستطلاع تلك ، سألت الآخر و أردفته برجاء قبل ان يفعل مثل الآخرين :"أرجوك قل أي شيء ألا تحس بانتمائك إلى وطنك الذي عشت تحت سمائه و.." لم اشأ ان أكمل لأنني تذكرت درس الصف الابتدائي وإذا بذاكرتي تكمل عني "وأكلت من خيراته و شربت من مائه" فكتمت ضحكتي وتظاهرت بالجديّة،علّني أتلقى إجابة، بدأ قلمي يتحرك نعم انه سيقول شيئاً فرد ببرود :" أكيد نحس بالانتماء للوطن ،مهما بعدنا عنه نحس بالشوق فنسكب الحبر قصائد ومنثورات حنين بالرغم ان معظمنا عاش أفضل حياة خارجه لكن نرجع ونقول " ماشي كما شي" .. برأيي السؤال الذي يجب ان تطرحيه ما الذي قدمنا لهذا الوطن ؟" وضعت قلمي متلعثماً وبدأت أصابعي تحك ذاكرتي ، وكررت نعم ما قاله صحيح .. ما الذي قدمنا لهذا الوطن؟؟ حدقت في الناس في الشارع فرأيت امرأة مسنّة تتخبط فاقتربت منها لأجدها شبة عمياء ، مسكت بيدها و نسيت ما كنت بصدده فقد رأيت إجابة عن كل تساؤلاتي فيها، لقد رأيت فيها وطني حقاً، فأخذت اسألها عن حالها قالت :" يا ابنتي لا معيل لي! فاضطررت لأمد يدي للناس" فبكى قلبي لحالها و احتضنت ألمها و خرجت دموعي رغما عني ، و أقسمت لي بحرقة :" والله يا ابنتي لن يجد هؤلاء المسؤولون عن البلد ريح الجنة ..لن يجدوا ريح الجنة " ثم أوصلتها إلى حيث أرادت. تبللت ورقتي بالدموع و قبلها قلبي ،حارت نظراتي في المارة فرأيت شاباً صغيراً حافياً متكوّماً في زاوية على الرصيف، دققت لأعرف ما الذي يفعله؟ كان معه عود صغير يرسم به على الرصيف ، رأيت البؤس واليأس يكسو كل ملامحه، علمت حينها أنه أما عاطل عن العمل أو أن به هماً من هموم العيش .. نكست رأسي و زاد نحيب قلبي .. آه يا وطني ما وصلنا له اليوم من حال مخزٍ و مضحك مبكٍ في آن معاً ، فقد أصبح وطني قضايا متصارعة لا منصف و لا مجيب لتلك الوجوه التي سئمت الظلم والاضطهاد و الألم و ما زالت تتألم و لا مانع لديها أن تكمل آخر جرعات الألم على أمل أن ينصف العالم قضيتها، و ينتصر لها و يعطيها حقوقها كاملة او حتى منقوصة قليلاً، المهم أن تكف أسلحة الظلم عن صب جام ظلمها ونهبها الأسود عنهم ..أناس يرتفعون في الهواء فقد جعلوا من كروشهم بالونات تحلق بهم ، وأناس يهبطون .. ويهبطون إلى أسفل أسفل قاع الحياة. برأيي ما تلقيته من إجابات بلا كلمات ،كانت ردود فعل حقيقية على فظاعة ما يجري . طويت ورقة الاستطلاع تلك ودسست قلمي في حقيبتي، لأنني إذا واصلت أتوقع أن أتلقى صفعات بالكلمات يعقبها صراخ قهر وظلم، هذا ان لم يمزق أحدهم ورقتي ويقول لي :" اذهبي لتجدي لي الوطن الحقيقي الذي يوفر لي العيش بكرامةٍ، أنا وأسرتي، من ثم اسأليني عن مدى انتمائي إليه!!!