الربيع العربي كما يحلو إطلاقه للبعض .. حتى أصبح كنغمة جوال تتردد بين وقت وآخر في وسائل الأعلام المقروءة منها والمسموعة .. وعلى أفواه العامة من البشر .. ولست خبيراً بفهم لغة الحيوان .. لكن من كثرة ترددها أحسبها تردد هي الأخرى ربيع عربي . الربيع يحمل معه نسمات هواء طيب وطبيعة خلابة بعد شتاء قارص أكل الأخضر واليابس . ربيع هب نسماته على البلاد العربية .. من تونس الخضراء . ضاق الحال بالشعوب من حكامها أصحاب القبضة الحديدية فانتفضت بعد أن ألهبها حالها . إما بشتاء قارص .. أو صيف حارق .. أستسلم الساسة لتطلعات الشعوب فسقطت ديكتاتوريات عاثت فساداً في الشعوب .. شباب ضحوا بدمائهم الزكية وأرواحهم الطاهرة .. حتى تعيش أجيال من بعدهم . في حال أحسن من حالهم .. يتنفسون فيه عبق ريح الحرية .. نسأل الله الهم الفردوس في الجنة مع الشهداء وحسن أولئك رفيقا. وأن يمن بالعافية وطول العمر لكل مصاب وصاحب عاهة . تأملنا خيراً وفيراً وتغييراً ظاهراً بعد الانطلاقات المباركة للثورات العربية .. بعد أن تهاوت رؤساء وزعامات عاشت سنيين من الزمان . . على كراسي الحكم .. غرور العظمة أصابهم بعد أن لقب أحدهم بفخامة الرئيس .. والآخر بملك الملوك .. والثالث أحسبه بزعيم العرب .. لأنه يحكم الدنيا والعروبة .. والرابع والخامس أحسبه مدلل تونس .. وكل له لقبه المميز به عن غيره … عاشوا في القصور الفارهة .. وفي رغد من العيش ، وما خفي علينا لعله أكثر .. غنى لهم الفنانون … وامتدحهم من يتقولون الشعر و يرتجزون … ومجدهم من في الصحافة يكتبون .. مجدوهم فتفرعنوا آخذين فرعنتهم من المقولة ( من فرعنك يا فرعون قال عبيدي ). تعشمت وغيري أحسبهم مثلي التغيير في الحال الاقتصادي ، والسياسي .. أساسان بعدهما تتحقق التطلعات في المجال العلمي ، والتقارب الاجتماعي .. ظننا الشباب رواد الثورات هم سيحكمون البلدان . فكر جديد نظرة نحو المستقبل صراع مع الوقت ممزوج بروح الحماسة والثورية .. تفاؤل بغد مشرق تتغير به النظرة التشاؤمية التي جثمت على صدر العربي من فترة ما يقارب نصف قرن من الزمان … الضعف والانكسار ظننها ستتحول إلى قوة وجلادة . فإذا بالتشاؤم يخيم على أبناء العروبة من جديد . الثورات قادها الشباب الشجعان الأبطال بعفوية .. واستولى عليها الأوباش في بقاع بلدان الربيع العربي .. وعدوا فاخلفوا لم نجد ذلك الأمل منهم الذي كانوا يتغنون به .. انكشفت لعبهم المقيتة .. عرفنا أنهم يتغنون بالفساد عشقاً في الوصول إلى الوجهات والوزارات .. يتغنون بها كما يتغنى قيس بعشيقته ليلى .. ذاك قتله حبها .. بصدق وإخلاص لها .. وهؤلاء قتلونا بعد سيطرتهم على أركان الحكم .. كانوا في المعارضة تصدح ألسنتهم بشرر كاللهب على الفساد المستشري في مؤسسات الدولة .. اعتراضات على الجرعات .. فتجرعت الشعوب منهم جرعات فتاكة قاتلة …. فلا أمن استتب .. ولا اقتصاد في الأفق تلوح عافيته … ولا تجسيد لتقارب اجتماعي .. تحت ما يسمى بالعدالة والمواطنة المتساوية . حالة من الإحباط والتذمر بدأنا نعيشها .. بعد أن تحول ربيعنا العربي وحلمنا بمستقبل واعد للأبناء ولما تبقى من أعمارنا إلى خريف قاتم فلا شجر أبقى … ولا جمال في الطبيعة ترك لنا … كنا نحلم فأصبح حلمنا كسراب يحسبه الظمآن ماء حتى إذا أقترب منه لم يجده شيئاً … كل فريق يشّرع لنفسه الأحكام ويسن لنفسه القوانين .. كلهم الذين حكمونا بالأمس واليوم … قتلوا براءتنا، وهرفوا، وتكركسوا علينا .. طبيعة العربي البراءة والعفوية .. تربية دينية على الفطرة السليمة ….. لا يعرف كيد ومكيدة الساسة الذين تربوا في الغرف المغلقة على الكذب والنصب والاحتيال .. نسأل الله أن يرد لهم جميعاً كيدهم في نحورهم .. أحدهم بالدين يدغدغ المشاعر .. والآخرون بلعبة القط والفأر يتلاعبون بالعواطف البريئة والابتسامات العريضة .. ربيع العرب صار خريفاً بعد أن ظلت الوجوه نفسها هي الوجوه التي تحكم واليمن أكبر شاهد على كل ذلك فمن كان محافظاً بالأمس أصبح وزيراً .. ومن كان محافظاً هناك تحول إلى محافظ في مكان جديد.. ومن هو مدير ظل نفسه وبنفس العقلية يدير إدارته القابع فيها من فترة طويلة من الزمان .. لعبة شطرنج ليس إلا وفي النهاية لابد من خسارة لواحد بعد نقلات متقنة من أحدى المتباريين … وبحسب ظني أن الشعوب هي الخاسر الأول من وراء هذه التنقلات لأن رجال السياسة يتقنون اللعبة بحرفنة .. لا بارك الله في حرفنتهم . وفي النهاية : وصية مني إلى كل أحبائي الشباب الذين لا صلة لهم في الأحزاب أن هبوا إلى ربيعكم من جديد وتداركوه قبل فوات الأوان .. لأن الأحزاب أيًّا كان مسماها ومسمى رجالها فإنهم كحلقة خاتم في يد .. امعاءا ت يأتمرون بأوامر قادتهم .. مع تمجيد لفكرهم وإعلاء لشأنهم سؤال أخير ربيع العرب الذي داهمه الخريف … هل سيعود علينا ربيعاً كما كنا نتأمل … أم أنه سيبقى كما كان ؟ نأمل … نتأمل .. نتفاءل .. وعسى أن لا تطول الآمال .