محمد المساح..وداعا يا صاحبنا الجميل!    صورة ..الحوثيون يهدّون الناشط السعودي حصان الرئيس الراحل "صالح" في الحديدة    آية في القرآن تجلب الرزق وفضل سورة فيه تبعد الفقر    ما هي قصة شحنة الأدوية التي أحدثت ضجةً في ميناء عدن؟(وثيقة)    العليمي يتحدث صادقآ عن آلآف المشاريع في المناطق المحررة    العليمي يكرّر كذبات سيّده عفاش بالحديث عن مشاريع غير موجودة على الأرض    رفع جاهزية اللواء الخامس دفاع شبوة لإغاثة المواطنين من السيول    مقتل مغترب يمني من تعز طعناً على أيدي رفاقه في السكن    انهيار منزل بمدينة شبام التأريخية بوادي حضرموت    نصيب تهامة من المناصب العليا للشرعية مستشار لا يستشار    وفاة الكاتب والصحفي اليمني محمد المساح عن عمر ناهز 75 عامًا    على الجنوب طرق كل أبواب التعاون بما فيها روسيا وايران    عاجل: انفجارات عنيفة تهز مدينة عربية وحرائق كبيرة تتصاعد من قاعدة عسكرية قصفتها اسرائيل "فيديو"    صورة تُثير الجدل: هل ترك اللواء هيثم قاسم طاهر العسكرية واتجه للزراعة؟...اليك الحقيقة(صورة)    صور الاقمار الصناعية تكشف حجم الاضرار بعد ضربة إسرائيل على إيران "شاهد"    وزير سابق يكشف عن الشخص الذي يمتلك رؤية متكاملة لحل مشاكل اليمن...من هو؟    الدوري الايطالي: يوفنتوس يتعثر خارج أرضه ضد كالياري    نادي المعلمين اليمنيين يطالب بإطلاق سراح أربعة معلمين معتقلين لدى الحوثيين    مبنى تاريخي يودع شبام حضرموت بصمت تحت تأثير الامطار!    رئيس الاتحاد العربي للهجن يصل باريس للمشاركة في عرض الإبل    تظاهرات يمنية حاشدة تضامنا مع غزة وتنديدا بالفيتو الأمريكي في مجلس الأمن    شروط استفزازية تعرقل عودة بث إذاعة وتلفزيون عدن من العاصمة    شبوة.. جنود محتجون يمنعون مرور ناقلات المشتقات النفطية إلى محافظة مأرب    لماذا يموتون والغيث يهمي؟    اليمن تأسف لفشل مجلس الأمن في منح العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة مميز    تعز.. قوات الجيش تحبط محاولة تسلل حوثية في جبهة عصيفرة شمالي المدينة    الممثل صلاح الوافي : أزمة اليمن أثرت إيجابًا على الدراما (حوار)    - بنك اليمن الدولي يقيم دورتين حول الجودة والتهديد الأمني السيبراني وعمر راشد يؤكد علي تطوير الموظفين بما يساهم في حماية حسابات العملاء    بن بريك يدعو الحكومة لتحمل مسؤوليتها في تجاوز آثار الكوارث والسيول    المانيا تقرب من حجز مقعد خامس في دوري الابطال    الحوثيون يفتحون مركز العزل للكوليرا في ذمار ويلزمون المرضى بدفع تكاليف باهظة للعلاج    لحظة بلحظة.. إسرائيل «تضرب» بقلب إيران وطهران: النووي آمن    الأهلي يصارع مازيمبي.. والترجي يحاصر صن دوانز    العثور على جثة شاب مرمية على قارعة الطريق بعد استلامه حوالة مالية جنوب غربي اليمن    اقتحام موانئ الحديدة بالقوة .. كارثة وشيكة تضرب قطاع النقل    بعد إفراج الحوثيين عن شحنة مبيدات.. شاهد ما حدث لمئات الطيور عقب شربها من المياه المخصصة لري شجرة القات    تشافي وأنشيلوتي.. مؤتمر صحفي يفسد علاقة الاحترام    طعن مغترب يمني حتى الموت على أيدي رفاقه في السكن.. والسبب تافه للغاية    سورة الكهف ليلة الجمعة.. 3 آيات مجربة تجلب راحة البال يغفل عنها الكثير    عملة مزورة للابتزاز وليس التبادل النقدي!    مولر: نحن نتطلع لمواجهة ريال مدريد في دوري الابطال    الفلكي الجوبي: حدث في الأيام القادمة سيجعل اليمن تشهد أعلى درجات الحرارة    رغم وجود صلاح...ليفربول يودّع يوروبا ليغ وتأهل ليفركوزن وروما لنصف النهائي    شقيق طارق صالح: نتعهد بالسير نحو تحرير الوطن    ريال مدريد وبايرن ميونخ يتأهلان لنصف نهائي دوري ابطال اوروبا    تنفيذي الإصلاح بالمحويت ينعى القيادي الداعري أحد رواد التربية والعمل الاجتماعي    بمناسبة الذكرى (63) على تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين اليمن والأردن: مسارات نحو المستقبل و السلام    قبل قيام بن مبارك بزيارة مفاجئة لمؤسسة الكهرباء عليه القيام بزيارة لنفسه أولآ    وفاة مواطن وجرف سيارات وطرقات جراء المنخفض الجوي في حضرموت    "استيراد القات من اليمن والحبشة".. مرحبآ بالقات الحبشي    دراسة حديثة تحذر من مسكن آلام شائع يمكن أن يلحق الضرر بالقلب    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    السيد الحبيب ابوبكر بن شهاب... ايقونة الحضارم بالشرق الأقصى والهند    ظهر بطريقة مثيرة.. الوباء القاتل يجتاح اليمن والأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر.. ومطالبات بتدخل عاجل    أبناء المهرة أصبحوا غرباء في أرضهم التي احتلها المستوطنين اليمنيين    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    تأتأة بن مبارك في الكلام وتقاطع الذراعين تعكس عقد ومرض نفسي (صور)    النائب حاشد: التغييرات الجذرية فقدت بريقها والصبر وصل منتهاه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دراسة.. الدكتورة الحضراني تتحدث عن تجليات الوحدة في الشعر اليمني المعاصر
نشر في حشد يوم 26 - 09 - 2013

نت: صنعاء:لأن الشعر يجسد أعمق وجدان الأمة وروحها ويعكس آمالها ومخاوفها وأحلامها وحزنها وفرحها انكساراتها وانتصاراتها فهو بمثابة مرآة لتاريخها ولوعيها الجمعي وخير معبر أيضاً عن وجدانها الجمعي فالشاعر يمثل بصيرة الأمة وبوصلتها- وضميرها وذاكرتها... هذه هي الاطلالة التي استهلت بها الحديث الدكتورة بلقيس الحضراني عن الشعر اليمني المعاصر وتجلياته وعلاقته بالوحدة اليمنية.. ينفرد "حشد نت" بنشر الكتاب كاملا، كالتالي:

بسم الله الرحمن الرحيم

تجليات الوحدة في الشعر اليمني المعاصر

د. بلقيس الحضراني


لأن الشعر يجسد أعمق وجدان الأمة وروحها ويعكس آمالها ومخاوفها وأحلامها وحزنها وفرحها انكساراتها وانتصاراتها فهو بمثابة مرآة لتاريخها ولوعيها الجمعي وخير معبر أيضاً عن وجدانها الجمعي فالشاعر يمثل بصيرة الأمة وبوصلتها- وضميرها وذاكرتها.
وقد احتل الشعر في اليمن مكانة نوعية في مسار تاريخ الحركة الوطنية منذ الأربعينات في شطري الوطن، إذ عمل على إيقاظ روح الشعب وإحساسه الوطني وتحريضه على الثورة ضد الاستبداد والظلم والحكم الكهنوتي في الشمال وعلى مقاومة ورفض الاستعمار البريطاني في جنوب الوطن وتعرية وفضح مشاريعه التي تجسدت في الاتحاد الفيدرالي وفي اتحاد إمارات الجنوب العربي، فكان الشعراء هم بناة الوعي وصانعي الوجدان وكانت أناشيدهم الوطنية تقوض عرشه وتزلزل الأرض تحت أقدام المحتل عندما تصدح بها الحناجر وترددها الجماهير. وقد لعب الأدب بصفة عامة والشعراء بصفة خاصة دوراً محورياً في قدح شرارة ثورة سبتمبر /أكتوبر من خلال التمهيد الفكري والوجداني والنفسي وشد الجماهير وإيقاظ وعيها وحماسها كما هو في عملية توحيد النضال وتجذير الوعي بنضال الوحدة. كما تمكنوا منذ البدايات من التعبير عن الوحدة بمكوناتها التاريخية والنفسية والوجدانية مؤكدين بذلك وحدة الثقافة اليمنية في ربوع اليمن الطبيعي ووحدة النضال من خلال رفضهم المستمر للتجزئة والتشطير وما اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين الذي تأسس عام 1970م وعقد مؤتمره الأول عام 1974م في عدن، مشكلاً النموذج البارز لوحدة الحركة الشعبية اليمنية، "انطلاقاً من مسئوليات الأدباء والكتاب اليمنيين تجاه شعبهم وأمتهم "وفق بيانهم الأول... ما هو إلا دليلاً قاطعاً للتعبير عن نبض الشعب ورفضه للتجزئة والتشطير.
لقد كان للشعراء، سواء من كتب القصيدة العمودية أو القصيدة الجديدة، شرف الريادة في تجسيد الوحدة اليمنية في ظل نظامين مختلفين وشعب واحد حتى تم تحقيق الوحدة المباركة في 22 مايو 1990م.
سأتوقف أمام أربع مراحل أتناول فيها قصائد لعدد من رواد القصيدة العمودية من الرعيل الأول ، مع بعض الاستثناءات لشعراء كتبوا "القصيدة" الجديدة "وقد حرصت على قراءة تاريخ ومسيرة النضال الوطني من خلال القصيدة، كما قرأت أبعادها من خلال تلك المسيرة كي استخلص الهدف الموضوعي لبحثي وهو تجليات الوحدة اليمنية في الشعر اليمني المعاصر.

المرحلة الأولى:
هي تبرز منذ الأربعينات وحتى قيام ثورة سبتمبر / أكتوبر 1962/ 1963م ثم تحقيق الجلاء عام 1967م. اتسمت هذه المرحلة بوحدة النضال وترابطه من خلال تلاحم وتعاضد المشاعر والأحاسيس بين الشعراء من الشطر الشمالي، آنذاك، وبين أشقائهم من الشطر الجنوبي. فقد احتضنت عدن وفي وقت مبكر طلائع الثورة اليمنية ضد الحكم الإمامي الكهنوتي الذين اتخذوا من عدن قاعدة للمعارضة حيث تم الإعلان عن قيام حزب الأحرار اليمني في عام 1943م والاتحاد اليمني عام 1952م وقام الأحرار بإصدار عدد من الصحف والمنشورات مثل صوت اليمن والفضول ... الفجر ، فقد أدرك الجميع أن اليمن واقعة بين شقي الهاوية الاستعمار البريطاني والرجعية المتوكلية.
وكانت الوحدة اليمنية تتجسد في وحدة المشاعر والأحاسيس وتوهج الصرخة وترجيع صداها في ضمير الشعراء من الشطرين آنذاك. إذ نجد أن كل صرخة ثورة يطلقها شاعر تجد صداها عند أشقائه الشعراء في جنوب الوطن أو العكس.
ففي قصيدة "أنا حامي الضمير " للشاعر لطفي جعفر أمان، يحتفي الشاعر مع حركة الأحرار بصدور جريدة "صوت اليمن" ويجعل من الكلمة الواعية بمثابة الضوء الذي يبدد الظلام وينهي الليل لينشر نور الهداية .. نور الكلمة الحق لإنهاء الظلم والطغيان والتبشير بفجر جديد.
أي نور .. يلوح ثمة كالومض يشق الظلام في سريانه
خاطف يرتمي على هامة الأفق ويرفض مطلقاً من عنانه
ضج منه الدجى وثار يحاكي وثبات العباب في هيجانه
ما ترى ذلك الذي يقحم الليل ويلقي الهدى على سكانه
ما تراه؟ فرن صوت قوي نفض الصخر من متين مكانه
أنا حامي الضمير هذا حسامي في رقاب الطغاة حد سنانه
وسرى موكب من النور أنماق عليه... يتيه في سريانه
زخرت حوله الجموع فلا تبصر إلا الربيع في مهرجانه
موكب صفقت حواليه أملاك وغنت عرائس لأزديانه
ثم يمضي الشاعر في وصف ما تعانيه اليمن تحت حكم آل حميد الدين وما يلقاه الثوار من تعذيب ومن اضطهاد لا لشيء إلا لأنهم يسعون إلى الإصلاح وإلى القضاء على الظلم والجهل وينهي هذه القصيدة بتوجيه تحذير "للعابثين" وهو هنا يقصد الحكم ألإمامي، "ويكني عن الشعب بالناس" دون أن يصرح مباشرة تحسباً من جواسيس الإمام ومن السلطات البريطانية.
أيها العابثون بالناس رفقاً ليس نصر القوى في طغيانه
وفي هذا السياق يورد محمد نعمان في مذكراته كيف كان الإمام والانجليز يتبادلان خطط التآمر للإجهاز على الحركات الوطنية، قائلاً: "إذ يتولى الانجليز تحطيم حركة الشمال ويتولى المتوكليون تحطيم حركة الجنوب وتم ذلك بالفعل وطورد الأحرار في الشمال والجنوب".(محمد أحمد نعمان ، الفكر والموقف، الأعمال الكاملة ، مارس 2001م، التوجيه المعنوي ص105) وقد عبر الزبيري عن معاناة الشعب سواء في شماله اوجنوبه ومايلقاه من ظلم ونهب واستباحة على يد المستعمر الغاصب والمستبد الظالم.
شطرنا يستغيث من غاصب فظ وشطر من مستبد عنيد
وكل القاتلين ينهش في جثتة شعب نهش التهوم الحقود
فإذا ما تصايحا فكقطين استباحا اشلاء جسم بديد
ويوجه الشاعر تحية لسيف الحق إبراهيم بمناسبة انضمامه إلى الجمعية اليمنية الكبرى وهو هنا يشاطر إخوانه أحرار الشطر الشمالي فرحتهم بانضمام سيف الحق إبراهيم إلى حركتهم لما لها من دلالة معنوية على مدى الاختراق والتأثير الذي أستطاع الأحرار أن يحدثوه في الدائرة الأقرب إلى القصر وما يحدثه انعكاس سماع هذا الخبر على الشعب يقول في مطلعها:

سيف يسل لقد سلبت عقولاً
والسيف أروع ما بدا مسلولا
ثم يقول..
إن كان مجداً ما خسرت فإنما
قد نلت شعباً في الوفاء أصيلا
فأصعد إلى عرش القلوب مكرماً
تحميك ظلاً بالرجاء ظليلا
وينبري محمد سعيد جرادة مشاركاً في الاستقبال والترحيب الذي أقيم للمناضل والزعيم الوطني /عبد الله ألحكيمي بقصيدة يقول فيها:
أشرقت في الأبصار فجراً ساطعاً يشقى الخصوم ويسعد الاحبابا
أرئيس تحرير "السلام" رفعته صوتاً لنصر الحق بات مجابا
ونشرتها ملء البلاد صحيفة طرقت من الفكر الحديث شعابا
ثم يذكر الشاعر كيف تلعب جريدة السلام دوراً وطنياً تحررياً في مكافحة الظلم والاستبداد وفي كشف وتعرية الظلم الاستبدادي وما تركه من نتائج على الشعب، وليس هذا الحاكم الذي يعنيه إلا الإمام أحمد، وما تلك المشانق التي نصبت إلا مشانق أعدت لرقاب الأحرار من ثوار 1948م، وما ذلك الشعب سوى الشعب اليمني.
أما الظلم فهو إشارة إلى المستبد والمستعمر اللذين قاما بتقطيع وتمزيق الأسرة اليمنية الواحدة.
وكشفت من تاريخ قومك غامضاً وأزحت عن وجه النفاق نقابا
شاهدت قومك في عذاب واصب يتجرعون الظلم صاباً صابا
ورأيت كيف تحوم فوق رؤوسهم نذر ألفنا فتميتهم أسراباً
وسمعت كيف يرن فوق جلودهم سوط القوي فيجأرون عذابا
شاهدت حكماً غاشماً وفظائعاً وسلاسلاً ومشانقاً ورقابا
الظلم منجله مبير حاصد قطع الأصول ومزق الأحسابا

ويشدو إدريس حنبلة مرحباً بأشقائه من أحرار الشمال في مقطوعة شعرية تحت عنوان "أحرار اليمن".
إن في الكون نفوساً حية تستشف المجد أحقاباً طوالاً
فهي تستمري حياة حرة دونها قتلاً وطعناً ونضالا
أيها الأحرار قد حققتموا حلماً قد كان بالأمس محالا
عز بالدستور شعب بائس طالما أوخزه الظلم نبالا
وفي قصيدة للشاعر الشهيد الزبيري تحت عنوان "رثاء شعب" وهي قصيدة طويلة نظمها بعد "مصرع الثورة اليمنية 1948م" سنورد بعضاً من أبياتها. وإذا جاء العنوان تحت "رثاء الشعب" إلا أن مضمونها بالرغم من فجيعة الشاعر وحزنه يبشر باستمرار النضال من خلال الموقف والكلمة ... إنها تبشر بتجدد وانبعاث وتواصل المسيرة فالظالمون والطغاة هم الأجدر بالرثاء أما الشعب فهو باق خالد.
الشعب أعظم بطشاً يوم صحوته من قاتليه وأدهى من دواهيه

لقد آمن الأدباء والشعراء في اليمن عبر كافة مراحل النضال الوطني ب "دور الشعر في خلق اليقين الثوري" مدركين أهمية الكلمة/ الموقف.. و"الالتزام" الذي ينبع من الضمير والوجدان والقناعات الأخلاقية والعقلية للدفاع عن حقوق الشعب وحماية الوطن من "المستبد" و"المستعمر"، وهو "التزام" وطني إنساني يدعو لمكافحة الظلم والطغيان والقهر والتجبر.
وفي هذا يقول: "كنت أحس إحساساً أسطورياً بأني قادر بالأدب وحده على أن أقوض ألف عام من الفساد والظلم والطغيان".
والشاعر في هذه القصيدة يتوعد ويهدد كل الطغاة والجبابرة .
وخولتني الملايين التي قتلت حق القصاص على الجلاد أقضيه
عندي لشر طغاة الأرض محكمة شعري بها شر قاض في تقاضيه
إذيقه الموت في شعر أسجره أشد من موت عزريل قوافيه
موت تجمع من حقد الشعوب على الطغيان فازداد هولاً في معانيه
إن طليعة 48 من الأدباء والشعراء ممن امتزجت دماؤهم بالمداد وألتحم نضالهم بالكلمة والموقف كانوا يدركون أهمية الكلمة المسؤولة الملتزمة، فالقصيدة بالنسبة لهم، كما هي لأبي الأحرار الشهيد الزبيري هي الكلمة/ الموقف هي من سوف يقوض عروش الطغاة والظالمين عندما تلتحم مع الفعل، مهما تعددت الأسماء أو تنوعت الأنظمة حتى وإن حملت شعارات براقة مزيفة، سواء كانت باسم الإسلام وإدعاء تمثيله أو تحت مسميات الديمقراطية الغربية، وفي هذا إيماء إلى العروش العربية في موقفها المتآمر مع الإمام لإجهاض ثورة 1948م أو الاستعمار البريطاني الغاصب في الشطر الجنوبي والمتواطئ أيضاً مع الإمام. وفي هذا السياق أيضاً يتساوى عنده حجاج حجة "الإمام"، في الشطر الشمالي أو ذلك المغتصب في الشطر الجنوبي من الوطن.
أحارب الظلم مهما كان طابعه البراق أو كيفما كانت أساميه
سيان من جاء باسم الشعب يظلمه أو جاء من لندن بالبغي يبغيه
حجاج حجة باسم الشعب أطرده وعنق جنبول باسم الشعب ألويه
وفي قصيدة "صيحة البعث" التي ألقاها في عدن في أول اجتماع عام لحزب الأحرار بعد عام 1943م يتوجه إلى كل إخوانه من حملة القلم في كل ربوع الوطن اليمني يدعوهم أن يجعلوا من أقلامهم مشاعل تنير درب الظلام وصرخة لإيقاظ النائمين ولهباً مقدساً يبدد الظلم وينير سماء الوطن بالحرية
سجل مكانك في التاريخ يا قلم فهاهنا تبعث الأجيال والأممهنا،
هنا القلوب الأبيات التي اتحدت الحنان، هنا القربى، هنا الرحم...
فمن "عدن" سيسجل "القلم"، وهو هنا يرمز بالقلم إلى الطليعة من حملة الفكر والتنوير والثورة والنضال، تاريخ اليمن بأنصع الصفحات وعلى عاتق هؤلاء تقع هذه المسئولية، ومن "عدن" التي احتضنت الثوار ستنبعث أجيال المستقبل التي ستخوض الكفاح من أجله. ولأن الشعر كشف ورؤية، فالشاعر بمثابة الرائي، وعليه فإن البيت الثاني في القصيدة الذي يتحدث فيه عن القلوب الأبيات التي تجمعها قضية واحدة، كما تجمعها صلة الرحم والقربى وقد التقت في عدن لتجسد تلاحم الثورة ومسيرة النضال... إن هذا البيت يجعلنا نستحضر لحظات إعلان الوحدة عام 1990م، فمن "عدن" البطولات والنضال التاريخي... من "عدن" التي فاضت بالحنان والتواشج والدعم والمؤازرة لثوار 48، وكانت حاضنة للحركة الوطنية من هناك.. تم إعلان الوحدة المباركة في 22 مايو 1990م.
ويرتفع صوت الشاعر عبد الله البردوني في الخمسينيات مؤكداً وحدة اليمن الطبيعية والحق التاريخي الذي يتسلسل عبر الأجيال متوعداً ومبشراً بانطلاق الكفاح المسلح كطريق لاسترداد الحق وطرد الغاصب المحتل... وقد جسدت فعلاً ثورة أكتوبر انطلاقة الكفاح عام 1963م.
أرض الجنوب وأنت نخوة ثأرها ظمأ تحن إلى الصراع الأحمر
أرضي ودار أبي وجدي لم تزل في قبضة المتوحش المتنمر
تطوى على حلم الجهاد عيونها وتئن تحت الغاصب المستهتر
متجبر وأصم لم يسمع سوى وهج الحديد المارد المتجبر.


ومع تنامي المد التحرري الوطني والقومي في الخمسينات والستينات وتأثير الحركات القومية والأحزاب كحزب البعث العربي الاشتراكي وحزب رابطة أبناء الجنوب والمؤتمر العمالي وحركة القوميين العرب وغيرها ، كانت مشاعر الوحدة اليمنية لا تنفصل في آفاقها عن التطلع لتحقيق الوحدة العربية وكان الاتحاد اليمني من مؤسسي الجمعية الوطنية المتحدة التي دعت عام 1955م لمقاطعة انتخابات المجلس التشريعي عام 1955م وللتصدي، مع بقية الفصائل الوطنية، لكل المشاريع الانفصالية الذي حاول الاستعمار البريطاني فرضها وروج لها عملاؤه من خلال ما سمي ب"الاتحاد الفيدرالي "وإمارات الجنوب العربي" إلا أنه تم التصدي لهذا المشروع من خلال الاجتماع الذي تم داخل الاتحاد الشعبي وحضرته "الهيئات الوطنية بما فيها الرابطة" عندما أقترح ممثلوا المؤتمر العمالي بأن يكون البديل السياسي للاتحاد الفيدرالي هو من خلال أن "ينادى رسمياً بوحدة قطر اليمن وحدة شعبية لينتهي هذا الاجتماع على القرار الخالد الذي لم شمل المناضلين في شمال اليمن وجنوبه حول ملتقى كفاح سليم هو وحدة قطر اليمن وحدة شعبية".".(محمد أحمد نعمان ، الفكر والموقف، الأعمال الكاملة ، مارس 2001م، ص105، التوجيه المعنوي
لقد واكب الشعراء مسيرة النضال الوطني التحرري من الاستعمار في جنوب الوطن والاستبداد والإمامة في شمال الوطن فتصدى الشعراء لتعرية وفضح هذه المشاريع وتثوير الجماهير ضدها. وفي هذا الصدد يرتفع صوت إدريس حنبلة الذي أمتلك قاموساً شعرياً اتسم بالوضوح المباشر في التعبير وفي عدم الإيغال في الصورة والرمز إذ كان يهدف إلى مخاطبة الجماهير وتثقيفها وتوعيتها لذا فقد كانت قصائده ذات نبرة حماسية عالية تتوهج بالغضب والثورة.
ففي قصيدته "صوت الضمير" وهي قصيدة دخل السجن بسببها لمدة أشهر لأنها تصدرت كتيب "يوم خالد" الذي نشره المؤتمر العمالي بعدن تمجيداً للزحف الشعبي في 24/9/1962م ضد الاتحاد الفيدرالي المزيف. في هذه القصيدة يسخر الشاعر فيها من الاتحاد ويفضح العملاء ويصمهم ويعتبر أنهم لا يقلون بشاعة ولا قبحاً عن الاستعمار نفسه وهي قصيدة طويلة سوف أقتطع منها بعض الأبيات:
قل للعميل محنط الأفكار مهلاً فصوت الشعب كالإعصار
صوت يطيح بكل وضع فاسد ينهي عهود مذلة وصغار
صوت كقصف الريح يسري هازماً متدفقاً في القلب كالتيار
صوت الحياة لكل شعب مؤمن بمبادئ الأشراف والأحرار
ويخاطب "العميل" مباشرة بتهكم وسخرية يحذره فيها من غضبة الشعب ولعنة التاريخ.
يا ليت أمك لم تلدك وليتها ماتت بعسر ولادة بحمار
فلسوف تلقى في الحياة نهاية مشؤومة وترى عذاب النار
مهلاً ربيب "التايمز" إنك دمية بيد الطغاة الغاصبين دياري
إن العميل وإن تمتع لحظة لا بد أن يشقى مدى الإعصار
هلا علمت وأنت تبصم رقعة إن القواعد مصدر الأضرار

وهو يشير هنا إلى القاعدة العسكرية البريطانية الكبيرة التي كانت في مياهنا وأراضينا كأكبر قاعدة في الشرق الأوسط حينها لحماية مصالح بريطانيا ومصالح الدول الامبريالية في الهيمنة وتأمين تدفق النفط ونهبه، ومما يؤسف له أننا اليوم لا نواجه قاعدة واحدة بل نواجه قواعد تحت مسميات مكافحة القرصنة والإرهاب!!
ويستمر الشاعر في سخريته وتهكمه من مزاعم الاستعمار البريطاني في العمل من أجل مصلحة "الشطر الجنوبي" في الأمن والازدهار وفي توحيد السلطنات والإمارات فالخلاص لن يتم إلا من خلال وحدة اليمن التي يؤمن إنها ستكون خطوة على طريق توحيد الأمة العربية. وهو ما جسده الهدف الخامس من أهداف ثورة سبتمبر 1962م.
عجباً متى كان الدخيل موحداً يرجو الخلاص لنا من الأوضار
وهو الذي زرع الشقاق مفرقاً بيني وبين عروبة الأقطار
أنا لن أصيخ لدعوة مشبوهة قد قلتُها بالعزم والإصرار
أنا لا أقول عبارة مرصوصة لكنها في القلب نور ساري
ولسوف أجتاز الطريق لوحدةٍ يمنية ترنو لها أبصاري
ولسوف أهتف ما حييت وميتاً حتى يضج الراقدون جواري
أمل الحياة لوحده شعبية عربية الأبعاد والأغوار
ويهاجم محمد سعيد جرادة في "ثلاث قصائد وطنية" أكذوبة الدستور الذي وضعه البريطانيون والذي خٌلِق "مسخاً" فالدستور لا يضعه إلا الشعب وفق إرادته ومصالحه مستلهماً مسيرة التاريخ في ماضيه وفي صيرورة المستقبل وضرورات الحاضر ومتطلباته.

أيها الغالون في تعليمنا مبدأ الدستور من أين ورد
وعلى أي طريق جاءنا ومتى جاء وقد طال الأمد ...
وبماذا كتبت أسطره بنيوب الصل أم ظفر الأسد؟
درسكم هذا ثقيل مرهق وعجيب أنه درس معد
شرعة الأمة من بئيتها أن للحكم من الشعب السند
والدساتير التي تكتبها صورة من رأيها والمعتقد
وأسالوا التاريخ في أطواره أي دستور دخيل قد خلد
عدن يا تاج بلقيس الذي بسنى السؤدد والمجد اتقد أين ماضيك المدوي صوته رائعاً في كل سمع وخلد
أين تاريخك معموراً على ذروة الجوزاء مرفوع العمد
قل لمن حاول أن يقمع في روحنا العزم محال ما تود
أفتمليها علينا خطة هي في الأعناق حبل من مسد
نحن شعب عرف الدستور من قبل تاريخ التراث المستجد
ديننا علمنا العيش على سنن الحر الذي لا يضطهد
فادخر حقدك للعقبى إذا عبأ الشعب قواه واتحد

وهو يستعيد في هذه القصيدة التي استشهدت "ببعض" من أبياتها، تاريخ اليمن الموحد من خلال بلقيس ملكة سبأ، ومما هو جدير في هذا السياق، أن نشير إلى وحدة اليمن من خلال ما أسماه المؤرخ والشاعر المبدع مطهر الإرياني " شرعية سبأ" فقد مثلت سبأ من وجهة نظره "الكيان اليمني الواحد ومثلت مواده الأساسية لا بعنصرها البشري ولكن بما كان لها من المكانة الخاصة على الساحة اليمنية كلها بل على سائر أرجاء الجزيرة العربية" ص261 . عبد الباري طاهر، فضاءات القول حوارات فكرية وأدبية 2004م.

المرحلة الثانية:
وهي تمتد من ثورة سبتمبر أكتوبر وتحقيق الجلاء عام1967م مروراً بحصار صنعاء وحتى عام 1970م:
كما احتضنت عدن حركة الأحرار الذين لعبوا دوراً في زلزلة الحكم الإمامي ودكوا المسمار الأول لتحطيم عرشه، شكل القطر الشمالي بعد قيام الثورة، مباشرة، انطلاقة الثورة المسلحة للمقاومة وكانت تعز قاعدة المقاومة ضد الاستعمار البريطاني من خلال تدريب الثوار وفتح المعسكرات لهم ومن خلال تقديم الدعم اللوجيستي لتنطلق بعد عام واحد من قيام ثورة سبتمبر، ثورة أكتوبر المجيدة عام 1963م من جبال ردفان الأبية، الأمر الذي يعكس تلاحم الثورتين ووحدة المسار. وفي هذا الصدد يقول نبيل هادي في كتابه الموسوم" 17 ساعة تاريخية عند باب المندب" ص23.
"التغيير الحاسم بدأ من الشمال. وكانت قد سبقته انتفاضات متتالية ، تتفاوت في الأهمية، في الشمال والجنوب معاً . والمقاتلون الذين التقيناهم في المناطق التي انطلقت منها ثورة الجنوب في 14 أكتوبر 1963م كانوا كلهم يؤكدون لنا ، من خلال وقائع الكفاح المسلح ، أنهم لا يفرقون بين جنوب وشمال ، وأن " الحدود " بين "الدولتين" الحاضرتين ليست إلا حدود مصطنعة شأنها شأن الحواجز والمراكز الجمركية التي كانت تقوم ضمن مناطق الجنوب بين ولاية سلطان معين وإمارة شيخ أو أمير معين وهو ما سوف نرى نماذج مدهشة منه لدى الخوض في غمار معارك هؤلاء الشجعان الذين أعادوا إلى نفوسنا ، في ردفان والضالع ودثينة والفضلي والحوشبي وحضرموت وغيرها ، بعضاً من الثقة في أن الأمة العربية سوف تجد طريقها إلى الوحدة ، طالما أن هناك ثواراً يخفق في قلوبهم وفي بنادقهم نبض الانتصار على الحواجز وعلى الضعف والتجزئة ".
وهنا أود أن أستدرك بأن المجال لا يتسع لذكر القصائد والأناشيد الوطنية التي فاضت بها المشاعر فكل الشعراء قد تغنوا بالثورة وغنوا لها ولكنني هنا سأتوقف عند البعض ممن تغنوا بالثورة في سياق التلاحم بين الثورتين بأفق قومي ، وهاهو الشاعر إدريس حنبلة ينتشي فرحاً بقيام الثورة مليئاً بالثقة والتفاؤل أقتبس بعضاً من تلك الأبيات:
فجر شعورك زلزالاً وبركاناً ودس على الظلم أشلاء وجثمانا مات
ودوها صيحة في الكون صاخبة الطغاة وعاش الشعب سلطانا
تحطم القيد لا تخشى الهوان فقد ولدت حراً فصرت اليوم إنسانا
ثم يستشرف في لفته واعية تباشير ثورة ردفان القريبة بانطلاق الثورة في شمال الوطن مؤكداً تلاحم النضال الوطني :
لم يمضِ وقت قصير ل (اتفاقية) أجازها البغي بالإكراه سريانا
حتى أتت صفعة الثوار منصفة من الشمال لشعب ظل غضبانا
ثم يناشد الرئيس عبد الله السلال بصفته ثائراً وأول رئيس لليمن أن يهب أيضاً لنصرة الشعب في جنوب الوطن من براثن الاحتلال قائلاً:
(سلال) أنت نصير الشعب منقذه أسقطت عرشاً رتيب الشأن خوانا
يا ثورة هب من جرائها (نقم) معانقاً صنوه المحبوب شمسانا
جنوبنا اليمني المحتل مغتصب يرجو الخلاص فكن للشعب معوانا
فأمنا اليمن الميمون منشدة من أن يعود لها إلفاً كما كانا

ويتغنى الشاعر هادي سبيت بقيام ثورة سبتمبر 1962:
هنا صنعاء هنا بدأت الطلائع تصون الحر عن وطني تدافع
هنا نحمي الحمى نبني المصانع هنا الإيمان للإنسان رافع
هنا صنعاء العقيدة هنا عدن المجيدة
هنا اليمن السعيدة هنا العربي حطم كل قاهر
أن تكراره لكلمة "هنا" هو تأكيد على المكانة الكبيرة (لصنعاء) التي احتلت كل مشاعره ووجدانه . فأصبحت "هنا"، أي صنعاء، هي فاتحة "عدن"... فاتحة لسورة اليمن الموحد السعيد وللإنسان العربي الذي يحطم القهر، ليس فقط في اليمن، وإنما في ربوع الوطن العربي، وما تلاحم وامتزاج الدم المصري واليمني دفاعاً عن الثورة إلا برهاناً على وحدة النضال العربي وعلى المصير المشترك.
ويأتي صوت محمد سعيد جرادة
غمدان في فمك الحديث الملهم وبراحتيك كتابه المتكلم
وعلى ذراعك مزهر نغماته نشوى بألباب الورى تتحكم
صنعاء لاحت فيه يحضن جفنها طيفاً بتوحيد السعيدة يحلم
ولكرمها رغم الجفاف تضوع ولطيرها رغم الخريف ترنم
وفصلت عنها للمدائن والقرى أطوي شتات خواطري وألملم
والأرض تحتضن الكنوز كأنها حبلى لها من كل نسل توأم
هذه التلال الشم تربض فوقها من أين أفضوا للبلاد ومن هم؟
"دمون" إنا معشر هذا الصدى باق يضيء له المكان المظلم
ثم يستعرض فيها تاريخ اليمن عبر الأزمان وحضاراتها العريقة وممالكها التي لا تزال ملء سمع الزمن وبصره ومثار اهتمام الباحثين والمؤرخين سواء كانت "سبأ" أو "قتبان" أو "معين" أو "أوسان" أو "ريدان"وهي حضارات شامخة ازدهرت وازدهرت حياة إنسانها حتى دار الزمن دورته
وسقط الفارس -أي الإنسان اليمني- من فوق جواده ليضيع في غياهب الدجى منذ أن أسلم قياده للأئمة يتلمس الطريق إلى الفجر : وفي هذه الأبيات يسيطر على الشاعر التشاؤم ويرسم صورة كئيبة من خلال موت جواد الفارس قبل أن ينطلق في رحلته لاستعادة مجده التليد ويتحول الفارس إلى طيف فيما لم تع\د الإمامة فقط وجودا ماديا وإنما أصبحت شيخا مخيفا ينغص حياته وهو يفسدها في ليله ونهاره.
وتغير الأيام خطة سيرها والدهر ينقض ما يشاء ويبرم
الفارس اليمني مات جواده وعنانه يلوى عليه المعصم
ويضيع فارسنا ويأكل طيفه وجه الطريق جهاتها لا تعلم
شبح الإمامة لم يفارق عينه من حين قام لها نظام يحكم
وبقيام الثورة لا يعود الزمن اليمني الموحد، فقط، بل يلوح أمل الوحدة العربية، أيضاً، حلماًُ يمكن تحقيقه وها هو أيضاً، الشاعر محمد سعيد جرادة يرسم واحدية المسار والثورة اليمنية سبتمبر / أكتوبر التي لن يقف تأثيرها على الواقع اليمني وإنما سوف يمتد إلى فضاء أرحب ... وهو ما تتطلع إليه جماهير الثورة ألا وهي الوحدة العربية.
ويزلزل الإعصار في سبتمبر عرش الطغاة فيجثمون ويجثم
ويشع في أكتوبر الفجر الذي تصحو لومضته العيون النوم
صنعاء أيقظها النداء فآنست عرساً ومات بناظريها المأتم
وتسلمت عدن المصير ودربها متأجج الساحات يصبغه الدم
بوركت يا أيلول أن مبادئاً ولدتك حراً نسلها لا يعقم
وخلدت يا تشرين انك صورة اليمن الجديد ورمزه المتجسم
إن الجماهير العريضة قدمت أغلى الفداء ولا تزال تقدم
والوحدة الكبرى أجل قصيدة يصغي لها هذا السواد الأعظم

أما قصيدة لطفي جعفر أمان "يا بلادي" فقد تحولت إلى أنشودة وطنية -غناها الفنان المبدع والمثقف محمد مرشد ناجي- ولا تزال تهز الوجدان وتؤجج مشاعر الحماس والفخر كما تجسد تلاحم الثورتين في بعد وعمق قومي .
يا بلادي .... يا نداءاً هادراً يعصف بي
يا بلادي ... يا ثرى جدي وابني وأبي
يا رحيباً من وجودي .. لوجود أرحب
يا كنوزاً لا تساويها كنوز الذهب
اقفزي من ذروة الطود لأعلى الشهب
يا بلادي .. كلما أبصرت "شمسان" الأبي
شاهقاً في كبرياء حرة لم تغلب
صحت يا للمجد في أسمى معالي الرتب
يا لصنعاء انتفاضات صدى في يثرب
يا لبغداد التي تهفو لنجوى حلب
يا لأوراس لظى في ليبيا والمغرب
يا لأرض القدس يحمي قدسها ألف نبي
يا لنهر النيل يروي كل قلب عربي
يا بلادي ... يا بلادي يا بلادي العرب

لقد لخص الشاعر في البيت الأخير تداخل البعد الوطني بالقومي. من خلال استخدامه لعبارة يا بلادي، مع مالها من دلالة معنوية ووجدانية، فقد استمرت تتكرر في كل القصيدة في سياق مخاطبة اليمن وإذا بها في السطر الأخير للقصيدة تسقط جميع الحدود وتعدد مسميات الدول العربية فالشاعر لم يعد يخاطب بها اليمن فقط، ولا كل قطر بمفرده، وإنما أصبحت كلمة "بلادي" التي كررها في هذا السطر الأخير ثلاث مرات تعني جميع بلاد العرب.
ويأتي صوت عبده عثمان ليعبر عن فرحته باندلاع الثورة في جبال ردفان في أكتوبر 1963م التي فجرها إخوته وأهله ليعيدوا من خلالها ربيع التاريخ لا لليمن، فقط، وإنما للجزيرة العربية
كانت الساعة لا أدري
ولكن من بعيد شدني صوت المآذن
كنت أدري ما على ردفان يجري
كنت أدري إن إخواني وأهلي
أذرع تحتضن النور وأرواح تصلى
في طريق الراية الخضراء والشمس الأسيرة
وربيع ذات يوم كان في شبه الجزيرة
يملأ الدنيا شذاه وعبيره.
لقد أبدع الشاعر في رسم صورة امتزج فيها الديني بالوطني فقد جعل من "صوت المآذن" علامة على انبثاق فجر جديد للوطن على طريق تحريره، إن مقاومة المستعمر والدفاع عن الوطن يرقى إلى مستوى الفرائض الدينية فجهاد المحتل "فرض عين" لا فرض واجب ومن نداء المؤذن للصلاة انطلقت تباشير الكفاح المسلح.
كما جاء صوت الشاعر محمد عبده غانم ليعبر عن تلك الفرحة التي لا بد وأن تؤدي إلى توحيد الوطن وأن يملك الشعب قراره فلا استبداد ولا استعمار.
ثورة هزت اليمنا فهي في صنعاء أو عدنا
تنسف الأوكار كي تشيد الدار والوطنا

إلى أن يقول:
أمة قد ضمها هدف واحد يستوعب اليمنا
أن يسود الشعب في وطن هو ملك للجميع ... لنا
اما قصيدة "نشيد الذئاب الحمر"(1) للدكتور عبد العزيز المقالح.
حملنا جرح أمتنا نضمده على القمة
نسير به، نطير به، نغمسه على النجمة
وماذا نحن إن خانت مشاعرنا هدى الأمة
وأغفينا على الأحزان منطرحين في الظلمة
ذئاب نحن حين تضج تحت الغاصب الأرض
ملائكة إذا عادت إلى أبنائها الأرض
وموت مناضل في دربنا أمتنا هو الفرض
على الأعداء كالعقبان، كالنيران تنقض
على وكر النسور هنا مواقعنا على ردفان
نثبت راية التحرير، نرفع راية الإنسان
ونكتب للزمان قصيدة ذهبية الألوان
قصيدة حبنا لديارنا، للأهل ... للأوطان
فان الشاعر يتحدث هنا بصيغة الجمع "نحن" وليس بصيغة المفرد، متوحداً ومتماهياً مع إخوانه الثوار مشاركاً في تضميد جرح الأمة العربية المفتوح، آنذاك، في جنوب الوطن المغتصب الذي يرى أن تحريره فرض عين لا فرض واجب، مؤمناً بأن التصدي للمغتصب هو الوسيلة الوحيدة كي تعود لليمن وللأمة عافيتها وتنهض من جديد رافعة راية الحرية والكرامة ليس فقط للإنسان اليمني وإنما للإنسانية جمعاء. وإذ يبرز التضاد بين كلمة"الذئاب" في إشارة إلى الثوار وبين كلمة "الملائكة" التي تحمل دلالة السلام، فإنما جاء هنا ليجسد إيمان الشاعر بالحق المشروع للشعوب، ليس فقط في اليمن، في مقاومة المحتل حتى تسترد حقوقها، وعندما يتحقق الاستقلال، حينها فقط، "سنعود"أي نحن الثوار كما يؤكد الشاعر إلى جوهرنا الأصلي دعاة سلام وحب. وإذا كانت كرامة وحرية الأوطان والشعوب لا تتحقق ولا تسترد إلاّ بالقوة والثورة والعنفوان. فإن مفردة "الذئاب" هي الوجه الآخر لمفردة "الملائكة" عند تحرير الوطن من المحتل الغاصب.
بالرغم من قيام ثور ة سبتمبر/ أكتوبر وتحقيق الاستقلال عام 1967م إلا أن انجاز الوحدة لم يتحقق فلا يزال هناك نظامان يتباعدان حيناً ويتقاربان حيناً آخر ولا تزال هناك تباينات أيديولوجية يغذيها سياق إقليمي ودولي و موروث استعماري وتشطيري ومع ذلك فان الثابت الوطني الذي ظل يتمسك به الجميع هو الحفاظ على الثورة وحمايتها. وقد أدركت القوى الوطنية أن القوى الرجعية والاستعمار البريطاني يشكلان تحالفاً ضد ثورة الشعب اليمني مما أدى إلى بروز النضال الموحد على الأرض اليمنية منذ بداية الثورة عبر انخراط أبناء الشطر الجنوبي في الدفاع عن ثورة 1963م وكان الكثير من الشباب يتطوع للقتال في صفوف الثورة بل كان كل عامل في عدن يدفع "شلن" لنقل الحرس الوطني إلى صنعاء للمساهمة في صد حصار صنعاء الذي بدأ في ديسمبر عام 1967م وانتهى في فبراير عام 1968م فكانت ملحمة الدفاع عن الجمهورية من خلال رفع شعار "جمهورية أو الموت" وبالإمكان الرجوع إلى كتاب "مهمة في الجزيرة العربية" الذي وضعه ديفيد سما يلي وترجمه الدكتور ٍحامد ربيع للإطلاع على سرد موثق لعميل بريطاني كان يقود المرتزقة الأجانب ويشرف على عملية التنسيق بين السعودية والاستعمار البريطاني آنذاك في جنوب الوطن في محاولة لإسقاط الثورة وضربها .
ويعبّر جرادة في قصيدته "صيحة البعث" عن غضب الشعب ورفضه للعودة إلى العهد المظلم الكئيب في حصار السبعين يوماً ونقتطع بعضاً من أبياتها.
تريدون أن تبعثوا الغابرا وأن تنصروا المجرم الفاجرا
وأن تجعلوا غدنا مثل أمس مكتئباً عابساً باسرا
وأن توقفوا زحفنا في الطريق وقد سار منتصرا ظافرا
خسئتم وخبتم فقد أطلعت سماواتنا فجرنا الزاهرا
وقد نصر الله من أيدوه وأوقع في الهوة الغادرا
ألا حي صنعاء في شعبها أبياً وفي جيشها ثائرا
فقد بعثا من ظلام الخمول تاريخها المشرق الزاهرا


صحونا على الفجر فجر الحياة تملاء أضواءه الناظرا
وأصغت مسامعنا للنشيد يعزف ترنيمه الساحرا
ثم يخاطب الشعب أن ينتبه وأن يحذر "من أولئك" الذين يتربصون به من دعاة الفناء والجمود. ومما لا شك فيه أن أي قارئ للقصيدة لن يفوته ربط الشاعر الفناء بالجمود. إذ أن الجمود يدل على التحجر والركود والسكون الذي لابد وأن يؤدي إلى الفناء والاندثار والاضمحلال المادي والمعنوي ,وهونقيض الثورة والتجدد ونقيض الحركة والحياة.
فيا شعب قد آن أن نجتلي غداً باسماً مونقاً ناضرا
فأفِهم دعاة الفناء والجمود بأن لهم وطناً آخرا
سنودعهم محتواه الرهيب ونلقمهم فمه الفاغرا
وفي نهاية هذه القصيدة وبعد أن نبه الشعب للمكائد التي تحاك ضده والتي قد تتخذ أيضاً براقع عديدة، في نهايتها لم يفته أن يرسل رسالة تهديد لكل من يقف وراء المؤامرة ويدفع بالآخرين كي يقوموا بتحقيق هدفه في القضاء على الثورة، مفادهذه الرسالة إنه إذا كانت أخلاقنا تجعلنا نفك "الأسير" إلا أننا لن نتسامح مع الفاعل الحقيقي الذي يقف وراء هذه المؤامرة لإعادة شعبنا إلى الأمس "المكتئب""البائس" بعد أن شع نور الفجر وغمرت أضواؤه الحياة.
نحن أناس نفك الأسير ولكننا نقتل الآسرا
وفي قصيدته " مُهرة الوصل" للشاعر القرشي عبد الرحيم سلام يومئ الشاعر ويرمز إلى الوحدة اليمنية التي مهما حالت الفتن والخلافات والتمزق دونها فإنها ستظل " سورة الوصل" فالوحدة آتية لا ريب بالرغم من كل ذلك. وقد استخدم الشاعر هنا مفردة لها دلالة دينية مقدسة ألا وهي "سورة" لما تحتله الوحدة من مكانة مقدسة في الوجدان. بل إننا نجد أنفسنا أمام حالة من الحالات التي يكابدها المتصوف للوصول إلى "السر" الذي يتطلب منه اجتياز مقامات المجاهدة وتهذيب النفس وتطهيرها كي يصل إلى حال تحقق "الوصول" ليفوز بالوصال والحضور. وهكذا فإن الشاعر يعيش حالة من الوجد الصوفي والأشواق الملتهبة في انتظار ميلاد الوحدة
مهرة الوصل....
يا مهرة القلق اليمني....
إني ألتقيتك بين دمي ودمي....
نغماً وارفاً في شفاة النهارات...
يحملني لمرافئ أحلى المنى
وشراعاً...
تموج عبر تنامي الزغاريد
يلغي مناحاتنا
والزمان اليباب
ويغرس خصب أهازيجنا
لأغنيات...
الزغاريد...
في رحم اللحظات
الثواني...
إن أك أتلوك
يا سورة الوصل ..
صبح .. مساء
فلأني دون فراقك
أدميت زيف التمزق ...
حتى تهاوت دعاوي انشطارك
أو هي من الوهم
...
تقولين...
حين تكون الولادة أصعب
يأتي الوليد
إلى مهجة الأم أغلى
ويبقى الأعز الأيثر
ثم يصف رحلة البحث عن الهدف المقدس وهو الوحدة قائلاً:
جمعت وجهك في راحتي
جمرة...
عدت من رحلة البحث عنك...
ومنك..
خيولاً من الصدق ...
هومت أجنحة لظى الوهج اليزنى
تجاوزت كل تخوم الشتات
أشرقت...
كل النوافذ مشحونة
شبقاً...
ألقاً...
يجئ من الخصر..
يرقى إلى ذروة الصدر
قنبلة..
طلقة..
سنبلة..
وأنت بقاموس عشقي
بديوان وجدي ...
شهقة عرسي الملكية..
أنت تخوم حروفي
مداد القصيد.

المرحلة الثالثة:
وهي مرحلة السبعينات والثمانينات وفيها أخذ الشطران يتقاربان حيناً ويتباعدان أحياناً أخرى، وقد اندلعت بين عام 1972م وعام 1979م حربان و بعد نهاية كل حرب كان يتم عقد عدد من الاتفاقيات بين الشطرين على طريق تحقيق الوحدة التي طال انتظارها ولم تتحقق . إلا أن حلم الوحدة اليمنية بقي يقيناً ثابتاً في ضمائر وعقول وأرواح الشعراء.

الفضول: عبد الله عبد الوهاب نعمان.
ربما لا يزال هناك البعض من شبابنا ممن لا يعرف أن النشيد الوطني الذي نردده اليوم من المهرة إلى صعدة في كل ربوع الوطن اليمني كان الشطر الجنوبي من الوطن قد اتخذه نشيداً وطنياً قبل تحقيق الوحدة الخالدة، إلا أن معانيه اكتملت وحروفه توهجت باكتمال الوطن بعد تحقيق الوحدة المباركةعام1990م,وإذا كان الشاعر عبدالله عبد الوهاب نعمان قد عرف بشعره الغنائي العذب والعميق المعاني إلا أنه كان مناضلا ذاق مرارة السجون والمطاردة والإرهاب قبل الثورة واعدم والده الشهيد عبد الوهاب نعمان وسجن حجة 1948 فيمازج بالعديد من اهله ورفاقه في غياهب سجون الامامة ولن انسى ملامحه وهو يحدثني عن ميلاد نشيد "رددي ايتها الدنيا نشيدي" وقد توقف عند البيت الذي يقول" كم شهيد من ثرى قبريطل ليرى ماقد سقى بالدم غرسه هامسالي"كنت ارى والدي يتراءى امامي باستمرارمرتديا كفنه الابيض وقد ارتسمت على وجهه ابتسامة الرضى والاطمئنان . فكان ذلك النشيد "
لذا أعود فأقول لقد احتل الهم الوطني والقضايا القومية جانبا كبيرا من حياته وكانت الوحدة اليمنية هي في مقدم تلك القضايا.. و في قصيدته "غناء الوحدة" فهو يشير إلى أن التجزئة لا تختزل سوى الهم سواء في الشمال أو الجنوب مهما تعددت الشعارات واختلفت الأيديولوجية، فالوحدة هي السبيل إلى الخروج من النفق المظلم ومن الظلام الذي يملأ الآفاق والذي يؤمن الشاعر بأنه لا بد أن يزول... الوحدة هي الحقيقة... هي الجوهر الثابت لذا فإن صوت التاريخ الأمين سيظل يصرخ في أعماقنا جميعاً كي نستجيب ونقوم بحمل الأمانة من خلال استعادة الوحدة اليمنية.
يا شمالاً يحمل الهم بنا مطرقاً يصغى إلى هم الجنوب
سوف يمضي الليل من آفاقنا لنلاقي الفجر في يوم قريب
وحدة الشطرين في أعماقنا نغم تعزفه نبض القلوب
فهي في الزورة من أشواقنا إنها لقيا حبيب بحبيب
وهي إيماء إلى إشراقنا لن نلاقي بعدها وجه غروب
وبها تصرخ في أعماقنا ذمة التاريخ في صوت رهيب
ويأتي صوت محمد عبده غانم ليؤكد في قصيدته في "سبيل الوحدة اليمنية" وحدة الأرض والشعب والتاريخ مرسخاً للوحدة الوطنية محتفياً بالتنوع الذي يزيد اليمن ثراءً وتوحداً بعيداً عن النزعات القبلية والمناطقية والمذهبية.
الأهل أهلي والبلاد بلادي يمنية في حاضر أو بادي
لا فرق بين "عبادل" "وعواذل" "وبكيل" في التاريخ والميلاد
أو بين "شمسان" الأشم وصنوه "ردفان" أو "ضوران" في الاطواد
أو بين واد سان من "ورزان" في "تبن" وآخر في "بَنا" مياد
حييت يا وطني الحبيب ولم تزل وطن الكرام الصيد من شداد
لك في النفوس مكانة قدسية رفعتك فوق النفس والأولاد
وهو هنا يؤكد بأن حق الشعب في تحقيق وحدته هو حق فوق الخلافات العقائدية والحزبية الضيقة وفوق رأي الفرد مها كان ومهما استبد فالشعب هو صاحب الرأي ورأيه يصل إلى مرتبة الجلال لأن إرادة الشعوب هي من إرادة الله سبحانه وتعالى.
حق الشعوب على البلاد أمانة جلت عن الأحزاب والأفراد
من أجلها كان التآخي بيننا فرضاً على الأقران والأنداد
ما "لحج" ما "صنعاء" ما "عدن" وما "عتق" و"دوعن" في ظلال الوادي
إلا بلاد للتلاحم بينها عهد من الآباء والأجداد
كيف التمزق والأواصر جمة كيف التفرق والجميع بلادي
وفي الوقت الذي كان فيه السياسيون والباحثون والمتابعون للشأن اليمني من خارج اليمن يستبعدون فيه تحقيق الوحدة اليمنية في وطن مشطور تقطع أوصاله نقاط الحدود والبراميل القميئة التي وضعت لتحديد حدوده، في هذا الوقت يظل التفاؤل والإيمان بوحدة اليمن أرضاً وشعباً ينبوعاً يتدفق في وجدان وضمائر الشعراء.
وها هو الشاعر إبراهيم الحضراني ينشد وهو في الكويت في السبعينات "أنشودة مغترب". هذا المغترب البعيد عن الوطن مكاناً إلا أنه يحمله في شرايين الأوردة مكتملاً دون حدود إنه الوطن/ الأم يستحضره يمناً واحداً في أعماقه ووجدانه وضميره ويحن إلى نسماته الساحرة العليلة سواء في صنعاء أو عدن وهي تحمل إليه رائحة البن وعبق المسك.
وكما يٌنبت اليمانيون حقول البن فهم قادرون اليوم على أن ينبتوا "العز" كما فعلوا عندما أبدعوا حضارة عريقة، وكما فعلوا عندما دافعوا عن استقلالهم وسيادة وطنهم وكرامتهم وحريتهم وتمكنوا من طرد الاحتلال الحبشي عبر كفاح طويل بدأه ذي يزن ليكمله بعد ذلك ابنه سيف بن ذي يزن ومن خلال هذا الزمن التاريخي يؤكد الشاعر أن تحقيق المجد واستعادة الزمن اليمني في أبهى صوره يأتي من خلال إعادة وحدته ولن يتم دون نضال ودون أن يملك اليمنيون قرارهم المستقل.
الهوى كل الهوى للوطن والمنى في نسمات اليمن
أين منا نسمات السحر في سفح صنعاء وريا عدن
وحقول البن تزهو في الربى وشذى المسك بوادي تبن
يا بلاداً نبت العز بها وروى الأمجاد عن ذي يزن

نحن أكبرناك صوتاً عالياً وشموخاً صامداً لم يهن
غلب الدهر على قسوته وتحدى كبرياء الزمن
وفي قصيدته " ي. م .ن" التي كانت بمثابة احتجاج ورفض للسؤال الذي كان يوجه له ولأي يمني بعد قيام ثورة سبتمبر / أكتوبر ألا وهو: من أي يمن أنت؟ من الشمال أم من الجنوب؟ فكانت هذه القصيدة "ي .م . ن" .وقد كتبها أيضاً في بداية السبعينات.
يمن قلت لم يقتنعوا دون أن يتبعها جيم وشين
يمن يا قوم هذي أحرف صقلتها في المحاريب قرون
وإذا ما شئتموا تباينها فهي "ياء" ثم "ميم" ثم "جيم"
إن حرف الشين شر وهنا لا أطيق الشين والجيم جنون
مزقا بل قزما تاريخنا وكلا التقسيم والتقزيم هون
غضبت حمير في مرقدها وشكى عثتر واهتز رعين.

إن الشاعر يتحدث عن اليمن الواحد وليس اليمن المجزأ ويؤكد على كل حروفه الثلاث بما يتشكل من الموروث العربي والإسلامي "لذا فإن فك حروف اليمن إلى شمال وجنوب هي محاولة لفكها تاريخياً فالوحدة استمرار والتجزئة انقطاع".
ويصدح صوت الشاعر القرشي عبد الرحيم سلام معبراً عن حبه لمعشوقته اليمن الموحد راسماً صورةً لهذه الحبيبة التي يتما هي في عشقها حريصا على ان يرسم لها مشروع معالم دولة الوحدة، حيث لا قيود ولا سجون ولا سجانين، إنه وطن الحرية وطن النماء والحب والافياء والعطاء وطن ينعم فيه الأطفال والفقراء والعمال والكادحين بالاستقرار والأمن كما يفيض بالجمال بشكل ظلاله.. كما حرص على أن يرسم صورتين متناقضتين الصورة الأولى -وهو المقطع الأول- وهي ترسم صورة الوطن الموحد الذي يتخيله وقد استخدم فيه مفردات تحمل دلالات الخصب والخير والعطاء، فهناك الغصن والزيتون والرمان والنهر والأنداء، أما المقطع الثاني فهو يرسم صورة اليمن المجزأ يجعلنا نستحضر من خلالها صورة اليمن المجزأ الذي شبهه بمثابة السجن الكبير الذي يطبق على الجميع شمالاً وجنوباً وقد وردت مفردات عديدة تشير إلى ذلك من خلال: القيد .. المعصم المدمي، حدود، سجون، سجان. أذونات التنقل، الهم، الحزن.
أحب حبيبتي غصناً
من الزيتون والرمان
أحب حبيبتي نهراً
من الانداء يغسل
عن حبيبتي الموكب الزحاف
من عدن إلى غمدان
غبار الهم والأحزان
أحب حبيبتي لا قيد يدمي معصمها
لا حدود
ولا أذونات التنقل
ولا سجون تحولني عنها
ولا سجان.
ثم يذهب في وصف هذه الحبيبة التي ينتظر عناقها... أن تكون صادقة نقية... مبرأة من الكذب والزيف تبدع في العطاء وتفيض حباً. إنها وحدة ينعم فيها الفقراء والعمال الكادحون بالخير والعطاء كما تتفتح فيها مواهب الأطفال وتزدهر فيها المدن فيقول:

أحب حبيبتي كتلاً من الزخم والبديع
تظلل الأطفال والفقراء والعمال.. والمدن.. الجميلة
والقرى...
في سفح دوعن
أو ذرى عمران
أحب حبيبتي حباً بدون بطاقة أبداً
بلا كذب ولا بهتان
أحب حبيبتي كلاً بلا تشطير
ببيرق واحد
خفقاته سكنتني قبل ولادتي
قبل بداية الأكوان
أحب حبيبتي بحراً
بلا جزر ولا شطان
بلا عسس ولا قضبان
.... ... ....
أحب حبيبتي قمراً
يضئ الكون .. كل الكون
يشعل راحة الإنسان.
ولعل قصيدة الدكتور عبد العزيز المقالح " اليمن الحضور والغياب" هي الأبرز حضوراً في ذاكرة الكثير من القراء، من جيل الثورة والوحدة. إنها قصيدة تحمل ومضات صوفية وحدس شاعر عاشق, بدءاً من العنوان حيث يكون الصوفي بين "حضور وغياب"، بين اتصال وانفصال، بين صحو وسُكْر. فالصوفي دائم التنقل بين عالم الشهادة وعالم الغيب. إن الشاعر في هذه الأبيات يتماهى في وطنه ويتوحد به كما يفني المتصوف في الذات الإلهية عندما يرتقي في مدارج الصعود ليفوز بالوصال والحضور.
في لساني يمن
في ضميري يمن،
تحت جلدي تعيش اليمن
خلف جفني تنام
وتصحو اليمن،
صرتُ لا أعرف الفرقَ ما بيننا...
أيُنا يا بلادي يكون اليمن؟!
..........................................................
يمن واحد...
عشت أحمله -راحلاً ومقيماً-
على ساحة العين...
ماذا يقولون؟
صارت مجزأة القلب
مكسورة الوجه،
صار اسمها في المحافل "صنعاء" يوماً
ويوماً عدن
لا أصدقهم! فهي واحدة،
كلما اثخنت في التراب السكاكين...
أدمى الترابُ السكاكين،
واندمل الجرح
واسترجح الجسدُ اليمنيُ الممزقُ أبعادَه
شكله
واستداراته،
نهضت من خرائبه المقفرات اليمن.
يؤكد الشاعر في المقطع السابق أنه بالرغم مما فرضته السياسة والذي أدى إلى إفراز عناوين ومسميات تعكس واقع التشطير آنذاك مثل "صنعاء " "عدن" إلا أن الشاعر يرفض هذه التسميات لأن توظيفها في المحافل يلغي مسمى "اليمن" الاسم الذي تنضوي تحته كل مدن اليمن مشكلاً الهوية التاريخية عبر الزمن... مسميات تسعى إلى تزييف التاريخ والوعي وتعميق وتجذير التشظي من خلال ذلك التوظيف التشطيري، ويستمر الشاعر في عدم "تصديقهم" فمهما أوغلوا في تقطيع اليمن إلا أن "التراب" الذي روته دماء الشهداء على امتداد مسيرة النضال الوطني هذا "التراب" الذي يُدمي السكاكين هو الشاهد والحافظ لخطى التاريخ اليمني الموحد فوق ذراته وهو الذي سينبري لمواجهة هذه السكاكين ولابد أن يندمل الجرح وينهض اليمن كطائر الفينق من بين رماد وحرائق حروب التشطير والأحقاد وصراعات "الأخوة – الأعداء". ولعل دلالات الكلمات التي حملتها القصيدة مثل "الجسد" و"الاستدارات" تجعلنا نستحضر صورة "المرأة – الأم/ الكبرى" الخالدة والمتجددة، ونرى فيها صورة اليمن الموحد.

المرحلة الرابعة:
وهي المرحلة التي تم فيها تحقيق الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990م والتي يصفها البردوني بأنها "بداية عظمى لغايات أعظم وهكذا الجماهير تتوقع من كل حدث كبير تحقيق المستحيل" فكيف استقبلها الشعراء، وكيف عبروا عن مشاعرهم وكيف رسم الشعراء وطن الثاني والعشرين من مايو؟؟
من المفارقات العجيبة إن القصائد التي تناولت وتغنت بالوحدة قبل تحقيقها فاقت تلك التي جاءت بعدها إذا ما استبعدنا الشعر الشعبي الحميني والأهازيج وقد يعود ذلك إلى ما صاحب الوحدة في سنواتها الأولى من صعوبات تمثلت في الفترة الانتقالية أدت إلى حرب وخروج عن شرعية الوحدة... حرب عملت على إذكائها عوامل خارجية في سياق مخاض إقليمي ودولي لتشكيل نظام دولي جديد وهو ما يجعلنا نستعيد التاريخ لندرك أن وحدة اليمن يشكل نقلة نوعية كبيرة إذا ما أخذنا بالاعتبار مساحته وعمقه الجغرافي والجيوسياسي وموقعه الهام على البحر الأحمر وباب المندب وبحر العرب وامتدادات موقعه وما يشكله من تأثير على الخليج العربي، يجعلنا نستذكر أنه ، وحتى إذا ما سلم البعض بأن القوى الكبرى قد رحبت بوحدة اليمن، ولكن يظل السؤال الهاجس وهو إلى أي مدى يتم السماح لليمن أن تحقق مشروعها الوطني النهضوي لتأسيس يمن قوي مزدهر يملك قراره الوطني المستقل؟
وهنا نستعيد محاولة بريطانيا إقامة "اتحاد إمارات الجنوب العربي" عام 1959م ثم "اتحاد الجنوب العربي" تمهيداً لدمج عدن عام 1962م وهي سياسة لجأت إليها بريطانيا لمواجهة حركات التحرر وبزوغ القومية العربية فكان الهدف من قيام هذا الاتحاد هو الإبقاء على الوجود البريطاني في عدن بشكل خاص وذلك "لمواجهة أعبائها والتزاماتها العسكرية على الصعيد العالمي وللدفاع عن مصادر البترول العربي والدفاع عن حلفائها في الجزيرة العربية وكان عليها من أجل ضمان استمرار وجودها أن تعدّل من شكل هذا الوجود فتعمل على توحيد المنطقة من أجل منحها الاستقلال الذي تتصوره ... فالنظم البالية الموجودة ستكون خطراً على وجودها ما لم تسرع بإجراء تحسينات عليها مع الإبقاء على جوهرها لمواجهة الوعي المتزايد في المنطقة"( ).
وبالرغم من الصعوبات ومن الحرائق والدخان الذي رافق مسيرة الوحدة، فقد بقيت الوحدة ألقاً وجوهراً نقياً في نفوس وضمائر وعقول الشعراء سواء عبروا عنها من خلال القصائد أو من خلال صمتهم الذي وان تحول في بعض الأحيان إلى مايشبه البكاء فإنما كان بمثابة احتجاج على بعض الأقذاء التي أصابت عينيها بالرمد وذلك خشية عليها وعلى مسيرتها على طريق بناء اليمن أرضاً وإنساناً.
نظراً لضيق الوقت( ) لم أتمكن من تتبع الكثير مما كتبه الشعراء وسوف أقوم بتناول هذه المرحلة في دراسة خاصة لاحقاً، وعليه فإنني سأتوقف أمام قصائد لثلاثة من ابرزالشعراء الذين تغنوا بالوحدة وهم إبراهيم الحضراني ود.عبدا لعزيز المقالح ومحمد الشرفي .وسأبدأ بقصيدة الشاعر إبراهيم الحضراني تحت عنوان "يوم الوحدة" التي يقول فيها:.
نحن قد شئنا وشاء القدر وآتت بعد غياب حمير
هب قتبان فحيا خمراً وتلقاه بشوق خمر
وحدة حنّ إليها البشر وثراها والحصى والشجر
كل شئ في حماها مشرق كل شئ ضاحك مستبشر
باركيها يا ربوع العرب من ربى الشام لأقصى المغرب
فهي بشرى ببلوغ الأرب تنقل الخطو على هدي نبي
قد أردناها إلى الخير طريقاً وسلكناها إلى العصر الجديد
وتعانقنا شقيقا وصديقا في ظلال الأمن والعيش السعيد
أي يوم شع نوراً وسنا غمر الكون وعم أليمنا
إنه يوم سرورٍ وهنا عانقت صنعاء فيه عدنا

ولعلنا لا نبالغ إذا ما قلنا إن الشاعر والمبدع الدكتور عبد العزيز المقالح يُعَدّ من أكثر الشعراء الذين تغنوا للوحدة وغنوا لها عبر رحلته النضالية والإبداعية الطويلة التي أينعت أجمل القصائد لتخضر شجرة الوحدة الباسقة التي تظللنا اليوم جميعاً.
سأقف أمام قصيدته "أمطار وحدوية"
ومن البداية تحمل لفظة "أمطار" الدلالة على معنى النماء والخير والانبعاث. وفي المقطع الأول يصور الشاعر حال اليمن قبل الوحدة:
وطنٌ كان نصفين
والبحرُ نصفين
والجبلُ المتوهج تحت الظهيرةِ
نصفين
أرهقه الغرباء بأصواتهم وخناجرهم
سقطتْ روحهُ للحضيض
وصارتْ حقيقته –كالحبيبة– نصفين
مشطورةً
ومكللةً بالسواد .
والشاعر منذ البداية يعلن أنه في ظل التشطير فإنه، حتى الطبيعة تبدو مشوهة وغير طبيعية، فالتشطير هو فعل ضد الحياة وضد سنن الكون. ولذا فإن الأرض تبدو نصفين والبحر نصفين والجبل نصفين حتى الفضاء قد انقسم إلى نصفين في غياب الوحدة. وهو وطن أرهقه الغرباء من خلال أصواتهم المليئة بالحقد والشر الذي امتد إلى استخدامهم الخناجر لتمزيق اليمن وتقطيعه إلى أشلاء، ونتيجة لهذا الوضع الشاذ فقد أدت التجزئة إلى الانحطاط والتخلف والسقوط، حيث أصبح الإنسان اليمني أيضاً مشطوراً متشظياً, ومن هنا كان السقوط هو حتمية الانشطار. فالإنسان لا يكتمل إلا من خلال وحدته الكلية ومن خلال التناغم والانسجام بين روحه وجسده وعقله وعندما يتشظى يتنافر مع بعضه البعض وتهتز "حقيقته" .. وهويته كذلك الوطن كما أن ذاته تتلاشى ويتكلل الوطن بالسواد أي الموت فالسواد هو رمز الموت كما هو رمز الحزن والشرور والظلام. وفي المقطع الثاني يستمر الشاعر أيضاً في وصف حالة الإنسان اليمني قبل الوحدة: فهو في النهار الحزين يقلب عينيه للشمس علَّها تدرك محنته؟ وفي الليل وبالرغم من الظلام الذي يرمز إلى واقع التشطير فإن ثمة "نجوم" تمنح الأمل بل لعلها تمد له كفها وتعيد إليه مناقب وحدته وتحرر أطرافه من زمان المزاد.
في النهار الحزين يقلب عينيه في الشمس
هل تدرك الشمس محنتهُ؟
وهو في الليل يقرأ وجه الظلام الكئيب
لعل النجوم تمد له كفها
وتعيد إليه مناقب وحدته
وتحرر أطرافه من زمان المزاد .
هنا يصور الشاعر الإنسان اليمني وهو يتطلع إلى الشمس ومع ذلك لا تحترق عيناه بل لا يأبه أن تحترقا, أنه يبحث عن الحرية في وحدته، وهو أيضاً يواصل البحث عنها في الليل وهنا جاء الطباق بين الشمس/ الظلام والنهار / الليل ليجسد رحلة المعاناة والطريق الطويل الذي قطعه الإنسان اليمني كي يستعيد وحدته والتي من خلالها يستعيد حريته الكاملة وتتحرر أطرافه من زمان المزاد ومن صراع التسابق بين الأعداء على تكبيله وتمزيقه,. فالوطن بدون تحقيق وحدته سيبقى معرضاً للهشاشة والانكسار.
أما المقطع الثالث فيأتي بمثابة الذروة في العمل الدرامي أو الروائي وذلك عندما تهطل أمطار الوحدة وتبتهج الأرض والبشر والشجر... ويتحقق حلم الشاعر "نهضت من خرائبه المقفرات اليمن".
وتمر السنون
ويَخضَّر قلبَ المكانِ
وقلب الزمانِ
وتهطل أمطار (مايو)
وتورق بالوحدة الأرض
والناس
تخرج أم اليمانين
واحدة
من بقايا الرماد .
أما الشاعر الأخير في هذه العجالة فهو الشاعر محمد الشرفي الذي جعل عنوان قصيدته "الميلاد الثاني لليمن" معتبراً أن ميلاد اليمن الأول هو اليوم الذي تحققت فيه ثورة سبتمبر / أكتوبر لتشكل الوحدة الميلاد الثاني أو "الخلاص الثاني" لليمن على حد تعبير د. محمد الرميحي في افتتاحية مجلة العربي.
لمثل هذا الضحى الميمون قد ثارا واسترخص التضحيات الغر مختارا

تمردت كبرياء الجرح في دمه فأنشق كالمارد الجبار جبارا
شعب.. وما وقفت روح الفداء به -مذكان- خوفاً.. ولا استرخى.. ولادارى
معاند صابر لا يستريح على ضيم وإن جل أحداثاً وأخطارا
تذوبت في رؤاه لأرض عاطفة ووحده.. والتظت عزما وإصرارا
ينام.. وهو على أجفانها سهر يضني.. وتصحو على جفنيه أنذارا
لم تستلبها الليالي في جوانحه شوقاً يغنى.. ولم تسلبه أوتارا
يسلسل الصبوات الخضر في فمها صبابة.. وهوى كالزهر معطارا
وهاهي اليوم تجلى كالعروس له بنت الشموس.. كما اختارته واختارا
ليصف العرس اليماني الذي تحتفي به الأرض اليمنية والأقمار في نشوة تبشر بميلاد جديد..ليمن جديد تسابق الزمن كى يتمكن من تعويض ما فاته في عهود التجزئة, عهد الضعف والتشظي إنها اليوم "اليمن الكبرى" التي تفتح الباب لمشروع حضاري واعدوقد أيقظ استخدامه لهذه العبارة الذاكرة الجمعية لليمنيين لماكان يشكله مصطلح "اليمن الكبرى " جغرافيا وحضاريا من دلالات تاريخية مشرقة.
تزفها الأرض في أحضانه قبلاً نشوى .. وتمشي بها الأقمار أقمارا
في وجهها فرح الدنيا وبهجتها وألف فجر على أعراسها سارا

مرحى.. هنا اليمن الكبرى.. هنا وطن أطل يختصر التاريخ أسفارا
ومن هنا تبدأ الأجيال رحلتها درباً.. وتبتدئ الأيام مشوارا
ويسترسل الشاعر في قصيدته ليستعرض المراحل التي مرت بها اليمن والتعقيدات والمخططات التآمرية التي أحاقت باليمن حتى تمكن من أنجاز وحدته.
هنا اليمن الكبرى.. هنا وطن موحد .. وهنا التاريخ قد دارا
أنا لها .. وعلى أهدابنا ركضت أشواقها أكبدا حرى وأنظارا
منا .. ومن دمنا شقت مواكبها درب الخلود ، وخاضت نوره نارا
ولا تراجع مهما طاش طائشها أعمى البصائر قد تعميه أبصارا
هذا هو اليمن الثاني ووحدته عادت تدق بنفس الليل مسمارا
لقد كان الشاعر يستشرف الآتي إذ لا يزال ثمة أوكار ل"ليل" لم ينجل بعد، كما كان يقرأ المستقبل تخوفاً مما قد ينالها على يد أبنائها "الوحدويين" أكثر من أعدائها.


المراجع:
(1) إدريس حنبلة: الأعمال الكاملة، الجزء الأول، إصدارات وزارة الثقافة والسياحة. صنعاء، 2004م.
(2) لطفي جعفر أمان: الأعمال الشعرية الكاملة، إصدارات وزارة الثقافة والسياحة، صنعاء، 2004م.
(3) الأعمال الشعرية الكاملة: محمد عبده غانم، إصدارات وزارة السياحة، صنعاء.
(4) د. عبدالعزيز المقالح: الأعمال الكاملة، المجلد الثاني والثالث، إصدارات وزارة الثقافة والسياحة، صنعاء، 2004م.
(5) تراتيل سبئية، القرشي عبدالرحيم سلام، وزارة الثقافة والإعلام، عدن، 1989م.
(6) ديوان الزبيري.
(7) إبراهيم الحضراني: ديوان (القطوف الدواني) والأعمال الكاملة.
(8) عبدالله عبدالوهاب نعمان: ديوان (الفضول).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.