قبل أن تتغير الدنيا،وتستقبل ساحة الطرب دماء جديدة،مطربين وعازفين،..كان الفنان المخضرم عبدالله حاج بنطرش الصديق الحميم للفنان محمد جمعة خان ،في حقبة ثلاثينيات القرن العشرين بينهما زمالة الهواية قبل أي شئ اخر واكتشف كل منهما الأخر. وقد أفضى الفنان بنطرش بهذه العلاقة الفنية التي ربطته بالفنان محمد جمعة في مقتبل العمر في حديث الذكريات عن ما حفلت به المنافسة الفنية بينهما من وقائع وحكايات لحياة كانت محطتها قصيرة..انتهت بالفراق..ولم تتغير الى الاجمل ولم يتح لنا يوما القرب من الفنانين المخضرمين(محمد جمعة خان وعبدالله حاج بنطرش). حديث الذكريات كان ذلك يوم22أكتوبر عام 1975م في منزل الفنان عبدالله حاج بنطرش بحي البلاد(الشهيد خالد)بالمكلا،بدعوة من الاستاذ عبدالرحمن عبدالكريم الملاحي ايام كان مدير مديرا لفرع وزارة الثقافة والسياحة في محافظة حضرموت في اطار مسعاه لتوثيق التراث الغنائي ورموزه(الفنان عبدالله حاج بنطرش). زمن حضور تلك الجلسة:الشاعر عبدالرحمن عمر باعمر(توفي عام1991م) ومحبوب بلال أمان،أحد معاصري الحركة الموسيقية في حضرموت (توفي عام1983م)،والايقاعي أبوبكر منصور الحباني شارك ايقاعيا في مقتبل عمره مع الفنان بن طرش،والاستاذ محمد عبدالرحمن بن عبيد اللاه السقاف الذي كان وقتها"ضابط بلديات المحافظة"ومن معاصري الدان الحضرمي في مدينة سيؤن. والفنان عبدالله حاج بنطرش من مواليد عام 1902م له من الذكور(ستة)ومن الاناث(خمس بنات)..يتذكر: انه بدأ هواية الطرب وعمره 20عاما بالعزف على الة السمسمية،وكان أشهر العازفي في المكلا على هذه الالة وتعلم العزف عليها من العازف مبروك جمعان الينبعي من منطقة ينبع بالمملكة العربية السعودية،جاء منها مع نواخيذ السفن الشراعية في ساحل حضرموت،وغنى بنطرش بعض الاغاني على (السمسمسية) وأصبح بعد ذلك لهذه الالة هواة في بعض المدن الساحلية في حضرموت يغنون المواويل. ويتذكر انه انتقل بعد ذلك الى العزف على الة العود(القنبوس) ذو الاربعة أوتار،تعلم العزف عليه (بدون معلم) انما بالممارسة اليومية..وانه لهذا الغرض استأجر غرفة أرضية بالحي السكني وعلى ضؤ الفانوس يسهر في الغرفة ويمارس العزف على العود حيث لم تعرف المكلا في الثلاثينيات بعد خدمة الكهرباء،وألتزم ببرنامج مسائي لهذه الغاية،وانضم الى الفنانبنطرش_في نفس المحل_الفنان محمد جمعة خان،لتطوير مهاراته في العزف على العود،فتقاسم الاثنان ايجار المحل وقيمة شراء (القاز)للفانوس..وتوفر لهذه الجلسة المسائية،جهاز جرامافون للاستماع لاسطوانات كبار المطربين العرب،وعزف منفرد(تقاسيم) نحو خمس سنوات ليلتحق الفنان محمد جمعة خان بعد ذلك بالفرقة الموسيقية السلطانية في تشكيلتها الاولى في اوائل ثلاثينيات القرن العشرين وظلت العلاقة بين الاثنين مستمرة(محمد جمعة +عبدالله بن طرش). الفنان بنطرش في القصر ذات يوم أقام السلطان صالح بن غالب القعيطي سهرة خاصة في قصره ولما تعذر دعوة الفنان محمد جمعة خان لاحياء السهرة..انتقلت الدعوة للفنان عبدالله حاج بن طرش وفرقته الخاصة لاحياء السهرة الغنائية في قصر السلطان بالمكلا،وذلك ماذكره الفنان بن طرش في( حديث الذكريات)وقال: منذ تلك السهرة اصبحت الفنان الخاص للقصرلليخت السلطاني لألمامي بشؤون البحر الى ان توفي والدي (حاج عبيد بن طرش) الذي كان الاعتماد عليه في صرفيات البيت،حيث كان يعمل في (الدلالة) في جمرك المكلا ولم يكن بالامكان التوفيق بين التزامات الاسرة وممارسة الطرب. وأضطر الفنان بن طرش الى الاعتذار للسلطان بطريقته الخاصة ليتفرغ للقيام بعمل والده وترك للفنان محمد جمعة التفرد بساحة الطرب وان شارك تكون مشاركته في اطار الهواية والجلسات الخاصة. سهرات بالتناوب في الاذاعة ومن اجل اطلاع المواطنين في مدينة المكلا على اكبر قدر ممكن من المعلومات عن سير الحرب العالمية الثانية (1939-1945)،جاء انشاء اذاعة محلية بوضع سماعات في الساحة العامة (وسط السوق)في قلب مدينة المكلا حيث يتجمع الرجال وينصتون الى اذاعة لندن التي كانت أهم مصر للاخبار وتعقب نشرة الاخبار سهرة غنائية يشترك في احيائها-بالتناوب-الفنانان محمد جمعة خان وعبدالله حاج بن طرش،وفي احيان الفنان يسلم عبدالله دحي،يطربون بالأغاني العوادية واخرى ذات الطابع الهندي ومختارات من أغان عربية منتشرة في ذلك الزمن. وقد اشترى الفنان عبدالله حاج بنطرش العود المعروف بمبلغ(30روبية هندية) عندما كانت العملة ذات قيمة،واول اغنية اطرب بها على هذا العود (نعم طيب الانفاس) من الاغاني التي كان يغنيها في تلك الايام المطرب صالح أحمد الحامدي ومحفوظ بازياد.