يعيبون علينا النقد المتواصل لسياسة قادة الحراك التي يسيرون عليها وخاصة في تفاعلهم مع الأحداث الخارجية الجارية في أكثر من قُطر في الوطن العربي الكبير, ويرون في هذا النقد خيانة للقضية الجنوبية, وأن المرحلة الراهنة تقتضي اصطفافا جماهيريا واسعا خلفهم لاستعادة كامل الحقوق. هكذا يربطون دائما بين قضيتين أرى أن الوقوف أمامهما بدراسة وتحليل موضوعي مطلب ضروري لتقدم القضية الجنوبية, وأن الإصرار على سياسة الترحيل والتأجيل ما هي إلا كمن يرفع الشوك من بين رجليه ليضعه أمامه على بعد أمتار قليلة على نفس الطريق. وأتذكر هنا مقولة للشيخ أحمد المعلم في أحد خطبه حيث ذكر أن القضية الجنوبية قضية عادلة في مطلبها ولكن محاميها فاشل في الترافع والدفاع عنها, من هنا يأتي الخلط بين القضيتين وعدم رغبة أنصار الحراك في الفصل بينهما ليضعوا أيديهم على موضع الداء. كثير ما أقول أن داء الحراك وعلته هي في قياداته ورموزه, وأنها هي من تؤخر مشروع القضية الجنوبية سنوات للخلف, وهي من تزرع الشوك في طريقه لتعيق تقدمه, وهي أيضا من تعبث بالحراك وتزج به في مواقف وخيارات تتصادم مع الحراك التحرري العام التي تشهده الأمة في جهادها ضد دكتاتورية الأنظمة الغاشمة المستبدة. لماذا يصر قادة الحراك على أن يسلكوا دائما الطريق المعاكس المتصادم لتوجه الشعوب العربية؟ وما سر إصرار قادة الحراك على التأيد العلني أو الضمني للدكتاتورية المتسلطة في الدول التي تشهد ثورة من شعوبها عليها؟. ما هي المكتسبات التي تنتظرها القيادة الحراكية من مواقفها الأخيرة؟, ولماذا تجعل من الحراك طرفا في قضية هم في غناء عنها؟ أسئلة كثيرة بحاجة للإجابة العلنية من القيادة الحراكية. ومن أسف أننا لن نتحصل على إجابة واضحة ناهيك أن تكون مقنعة شافية, ولعل سبب ذلك يعود لمزاجية قادة الحراك غير المتوافقة, وربط القضية الجنوبية بذواتهم وشخوصهم أكثر من ربطها بمشروع وقضية وحق, حالة المزاج هذه ظلت صخرة صماء تحطمت أمامها كل محاولات رأب الصدع واحتواء الخلاف ولمِّ الشمل, وبقيت شامخة عصية عن التحول والتغيير لتجعل من القضية الجنوبية مشروعا تجاريا بامتياز يصب في أرصدتهم البنكية. وأي عمل إذا تنازعت قياداته وتشاجرت فيما بينها, فالشد والجذب يكون للمنفعة الذاتية وليس للمصلحة العامة للقضية, ومن هنا تولدت تلك المواقف المخزية المذلة للقادة الحراكيين في كل من سوريا ومصر. هناك إحساس واستشعار بهذا التطاحن القيادي في أعلى هرم الحراك, وخطورته على مستقبل القضية الجنوبية, من قبل بعض النخب الحراكية, فهرعت سريعا لإنشاء تيارات داخل الجسم الحراكي, بهدف تقريب وجهات النظر تلك, إلا أن انضمام هذه التيارات مؤخرا للسفينة الحراكية, لم تضف أي تقدم ملحوظ للقضية الجنوبية سوى طول عربات قطاره الفارغة التي تسير كلها خلف غمرة القيادة وتجهل حقيقة الوجهة وليس لها من الأمر شيء, لأنها – والصورة مؤسفة – ولدت لتكون في المؤخرة, وبالتالي لم يكن لوجودها سوى زيادة عربة في جسم القطار. أظن أن القضية الجنوبية تعيش مأزقا حقيقيا, أكبر من مأزق ما يسمونه الاحتلال اليمني, وهذا المأزق يتمثل في القبضة الحديدية لهذه القيادات على كل مفاصل القضية الجنوبية, وتصريفها وفق الهوى والمزاج والنفع الخاص لهذه القيادات, وأن تحريرها من هذه القبضة بات يشكل هاجسا مرعبا لكل أبناء الجنوب, حيث أصبح كل واحد من هذه القيادات يمثل دكتاتورية بحالها يصعب إزاحتها, ولهذا لم تكن هناك أي إضافات تذكر للمنظمين أخيرا للسفينة الحراكية. الحراك بحاجة للاستقلال أو الانفصال أو فك الارتباط أولا ليس من الشمال فحسب؛ بل من هذه القيادات القديمة التي ترى فيه مشروعا تجاريا ربحيا, وحينها سيكون طريقه للوصول لهدفه العام آمنا وصحيحا.