اليوم عاد الرجل الذي لا يزال يتحسس الألم العميق والأثر الباقي لحادثة غدر أودت بأعز مقربيه وكادت ان تودي بحياته هو ..بعد غربة قسرية فرضتها أوجاع الطعنة الماكرة التي نالت منه بينما كان يتمتم بالتسبيحات في صلاة جمعة لم تكتمل شعائرها ولم تنتهي بصفاح " جمعة مباركة ، اللهم اغفر لي ولأخي " .. فلقد قطعت الجريمة أوصال المكان وساكنيه وألجمت المشهد رعبا قادم من كهوف متوحشة طارت من زواياها الحمائم فسكنها روح الشيطان . عاد الرجل بعد منفى حمل في تفاصيله الغيبوبة تارة ، والإفاقة على واقع موحش تارة أخرى ، والحسرة كانت حاضرة ، حسن نية قاتلة ، لم يضع لها اعتبار كما لم يكون هناك اعتبار لقدسية الزمان والمكان ، لم يكن يقطع حبل حسراته سوى أطباء الجرح فيتحامل متكأ على المه ، ثم لا يلبث أن يعود الى حسرته مجددا. كانت المدة كافية لأن يبرأ من معظم الألم .. كما كانت كافية لتذهب الحسرة والأسف على حدث مر ، بعد ان برر في نفسه السلوك الذي دفع قاتله الى ارتكاب تلك الحماقة .. ولأن الجرح الأكبر يبعث الما أشد من تلك الجروح الصغيرة مهما كانت أسبابها ، فقد ظل الجرح الغائر في النفس هو الوطن الذي يتلوى تحت سياط الشقاق المفتعل من كهوف الشر الذي وجد له متسع .. ان تتسامى فوق الأحقاد والضغائن .. يلزم ان تكون رجلا تحتوي آلام الوطن ولا تأثر نفسك عليه ، قالها وهو ينهض حينما حان وقت العودة الى الديار ..ثم وبحسن نية توقع ان يثمن القاتل تسامحه ، واعتقد ان قاتله يشعر بالندم او حتى الخوف من تداعيات فعلته ، فقرر ان يفاجأ قتلته بالعفو .. لم يكن يعرف ان الشر حينما يتكور في كهوفه فأنه يتكاثر بطريقة تلك الأرواح الموحشة التي تسكن الزوايا المظلمة فتوزع الظلمة على المساحات البيضاء .. لقد عاد ملوحا بغصن الزيتون .. حتى لا تخطئ عيون قاتله جمالية الغصن من وحشية الزناد .. لكن لا مساحة ولا معنى للتأمل في عيون لم تفهم يوما معنى الزيتون وغصنه المخضر المفعم بالحياة. لم يكد الرجل يعيد نظره من تلك المساحات النابضة بالحياة في الوطن التي غابت عنه شهور مداواة الجرح ، حتى وجد العديد من الطعنات متوجهة ليس نحوه وحسب .. بل نحو كل المساحات النابضة في روح الوطن .. مسكين صالح .. انه يشعر بالحسرة .. مضاعفة الآن.. لكن الامل لا يزال يحدو الوطن !