الأشياء التي تبدأ من حدود نهاياتها مثل الأحجية.. الأشياء التي تحيا معنا، وتأبى أن تموت فينا مثل قصص الحب الميتة.. التي نعتقد عبثا أن بإمكاننا التخلص منها، قبل أن نكتشف كم نضحك على أنفسنا.. الأشياء التي تبدو صغيرة وتافهة وربما ساذجة وسطحية، ونخوضها من باب التسلية واللهو وربما المكابرة والعناد والمقامرة الخاسرة، قبل أن تتحول إلى لعبة مسلية نستلذ عذاباتها، وتصبح في نهاية المطاف تجربة قاسية ومريرة وقصة حب أفلاطونية تستحق أن تروى ليسمعها ويقرأها الناس.. الأشياء البسيطة التي تعترض مضيّنا نحو المجهول.. التي تتعثر بها خطانا المرتعشة وتكبح جماح اندفاعنا نحو بلوغنا لذواتنا، قبل أن ترتبط بها مصائرنا على نحو القضاء والقدر.. قبل أن تتسرب إلى داخلنا، وتبدأ في الانتفاخ والتضخم مثل الورم.. قبل أن تستوطننا وتستلقي بطول ماضينا وحاضرنا حلوه ومره.. قبل أن يكون لذكراها لون وطعم ورائحة لها مذاقها ونكهتها الخاصة.. قبل أن يستوحش وحيها في مخيلتنا، ويكون أشبه بكابوس مفزع يقض مضاجعنا ويطاردنا في كل مكان وزمان.. قبل أن تتحول إلى حلم يصعب علينا تصور استمرارنا بدون تحقيقه.. قبل أن تقرر فجأة ودون سابق إنذار “مثلك” أن تغادرنا، وتفرض علينا وأدها حية في قعرنا، وتصبح الحياة بدونها جحيماً لا يطاق!! الأشياء الجميلة التي يسطع بريقها من حين إلى آخر وسط العتمة ليضيء عالمنا الحالك السواد والمليء بالألم والخطيئة .. التي غالباً ما تكون في متناول أيدينا، ولا ندرك قيمتها ونعطيها حقها من الاهتمام، إلا بعد أن يأفل نجمها، وتغرب شمسها وتتوارى عن الأنظار إلى الأبد، ولا يبقى لنا بعدها سوى بضع ذكريات مسكونة بالخيبة والحسرة والألم.. التي عادة ما تكون اقرب إلينا من حبل الوريد، ونعجز عن رؤيتها بالعين المجردة، وهي التي كانت تزين حياتنا قبل أن تجتاحها موجة البرد والجفاف...الأشياء التي أحيانا ما تسكننا، وتبقى مخبوءة في أعماقنا، وتأبى النفس الأمارة بالسوء السماح لها بأن تطفو على السطح لتنعش أحلامنا البائسة، وتعيد الربيع إلى شجرة أيامنا المتساقطة أوراقها مثل أشجار الخريف، وتزيل الالتباس من عليها قبل أن تبدو لنا متشابهة مع بعضها إلى حد التطابق!! الأشياء التي عادة ما نحتفظ بها ونكنزها في خزائن أرواحنا، وتبقى رغم تقادم الأيام والسنين عليها محتفظة بتألقها ووهجها ورونقها في مشاعل تضيء ردهات أعماقنا، أو مساحات حب خضراء شاسعة، نلوذ إليها على بساط الصمت كلما تعالى من حولنا الصخب والضجيج، واستبد بنا الحزن، ونظل هناك، حيث نستمد منها ما نزين به عالمنا الموحش، ونضمد به جراحنا المفتوحة على امتداد الحزن!! الأشياء والكائنات الحية «مثلك»، التي تتسلل إلى دهاليز القلب من الشقوق المواربة دون أن تستأذن، وتأبى الرحيل ثانية.. التي توهمك بمدى إخلاصها ووفائها، ومحبتها لك ، لدرجة الاعتقاد جزافا أنها تستحق منك محبةٍ تسمو معانيها، وجنةٍ تحلو مغانيها، أو خفقةٍ في القلب مفعمةٍ، يجري الرواءُ جداول فيها، وتنساب ذكراها على مَهَل في الأوردة، لتحتل الوجدان والذاكرة، قبل أن تحول كل ذلك إلى سلعة قابلة للمساومة الرخيصة.. التي تظهر لك ما لا تبطنه من دهاء ولؤم ونفعية مقيتة.. التي تنشغل بعيوبك ولا تلتفت إلى قبح عورتها!! التي تسلمها يوما مفاتيح قلبك وروحك كلها، قبل أن توجه إليك سهام الغدر والخيانة، وتسدد طعناتها في ظهرك من الخلف.. التي يصعب عليك نسيانها، رغم تساقط جميع الأقنعة من عليها وبيان مدى زيفها وحقيقتها المرة !!