صدرت مؤخرا مجموعة شعرية للشاعر والصحفي القدير محمد الشلفي بعنوان "كتف مائلة". المجموعة التي تضمنت 15 نصاً بين تفعيلة ونثر. تعد الإصدار الأول للشاعر. وتقول سيرة الشلفي الذاتية أنه من مواليد 1981 مدينة إب اليمن، وعمل محررا ثقافيا في مجلة أبواب منذ يونيو 2008، قبل أن يعين مديرا لتحرير المجلة منذ سبتمبر 2008. وله أيضاً ديوان بعنوان "الثالثة" لا يزال تحت الطبع.
نصوص من الديوان اجعل لي آية إلهي: أعترفُ بأني أخفيتُ جواربَ أصحابي عنهم وبصقتُ على ظلِ الشجر الواقفِ خلفي وبأني فكرتُ بما يخدش طُهر أحاديثِ النجوى.. قلتُ: لعلي أُمهلُ حتى حينٍ كي أُرجِعَ ما أخفته الصحراءُ.. وما راود عنه السلطانُ بنِيهِ المنسيين.
لا شيء معي.. أُغمضُ قلبي حتى أخمص أحلامهْ.. وأغادر طبقاً للنشرات الجويةِ من رأسِ الصالح حتى بحر الظلماتْ لأطاردَ أهواء المنكسرين على أعتاب قرونٍ ولتْ.. (ليتَ الحاكم لم يركنْ للحاشيةِ المدسوسةِ ليت وليَّ العهدِ يغضُ الطرف ولا تعجبُه ذات القد المياس ليت المعتمد استذْكر أن الملك يزولْ يؤتى أو ينزعُ، أو يتقاسمه المعنيُّون بعشقِ الذهب ِالخالصِ واستنزافِ بيوت المال بيوت الله)
لا شيء معي.. أكثرَ مما حملته الأعرابْ أواقتات به الجارحُ مما لفظته الأرضُ المغروسة ُ بالسيف وبالليل وبالشيطانْ. تتقاذفني ألغازٌ عبرت أوردةَ الخوفْ: لا أخرجُ من بوتقةٍ أحكَمَها.. لا أتهجَي لغةً لا أفهمُها ولا أعقدُ صلحاً معهوداً للَّحظةْ.
اللهُ، ليتَ هواهُ تجلَّى وتجسَّدَ في الأشياءِ الواحدةِ المبسوطة ليل نهار فمسيءُ الليلِ أنا ومسيءُ الصبح الوجهُ الآخر مني..
ليت اللهَ ! تقدَّست الأسماءُ التسعون له ُ وتقدسَ ما يتدلى في رئِتيْ ينزلُ من عرشٍ كي يبسط كفيه.. كي يتبسمَ حين يراني.. يتملكني الفرح المدهوشُ فأهتفُ ألفاظاً لا أفقهُها.
هذا الهامدُ قرب النخلِ يهزُّ الأحلام فتسَّاقطُ يسألكَ الحبَ يثير سحاباً فيرى نوراً يحبو من سبع ِسماواتٍ رب: اجعلْ لي ورداً يسكن نافذتي واجعل لي طيراً يأتي بي قبل وصولي واجعل لي أشواقاً تكفيني قبل الضوء وبعد الضوء واجعل بيتاً وامرأة تتفقدني بالمصباح إذا جنَّ الليلُ تتصففُ حزني.. تبسط عينيها كي أسكنَ فيها واجعل لي قمراً يسقط أرضي واجعل لي أنساماً تحميني من شُعبِ الأخطاءْ واجعل لي- يا قابضَ أوجاعي-آيةْ.
لم يتوضأ صديقي بالمساء أتوا كالصغارِ الذين يُسابقُ آباءَهم حظُّهم يعبرونَ المدى كحصىً مالحٍ يسكنُ الخوف فيه.. يثيرون خفْر الصبايا المغطاة "بالحكوات"القدام قلَّ ما كانَ يسبقهمْ وقعُ أتعابهم.
أتى كل شيءٍ ولم يتوضأ صديقي ،هنا،بالمساء أفوقُ فيتبعني طيفهُ وينكرني الواهمونَ.. أنا فيبقى الذي خانَهُ الصمتُ في كلِ ليلٍ يعبئُ أحلامه ويحزمها باتجاه السماءِ.. يشد البقايا لوجه الشموسِ لعلَّ الشموسَ تقايضه ،غيرةً، بنتاج جديد.
أتى كل شيءٍ ولم يأتِ ميعادُ راعية الشاة تروحُ و تغدو بشاةٍ تجرُّ – كَرَبَّتِها - أمنياتٍ كأوسع تلٍ علَتهُ : ( ألا ليتني أعتلي جبلاً لا يصيرإليه أحدْ لأرعى وأبتكرَ اللعب صاحبتي: لن يجيءَ إلينا أحدْ ) ( ألا ليتني مثلُ طير الحمامِ مُغنٍّ بأجنحةٍ وبياضْ أسافرُ بلدةَ عمي البعيد ِ أصافحُ زوجته وأزفُّ إليها قميصاًً بلون الغروبِ.. أعبِّر عن فرَحي القرمزيِّ الكبير)
لا تصدِّق.. هراءَ اللواتي يزرنَ الرياحَ الموشاةَ باللانهاية كاشفاتِ القلوبِ لكل الرجال يقلنَ "الكلامَ" لكلِّ الذَّين يمرونَ من بابهنَّ: البيوتُ القديمة لم تتمرس دخان الصباح ليومين والصدى افتقدَ الصوتَ عند مرورِ القوافلِ والذين اعتراهم بوارُ الخريفِ تولوا إليه احتجاجاً والترابُ القريبُ من النارِ رخواً يمارس نكرانهم من بعيدْ.
لم يمروا.. غاب من لا يغيبُ وعادَ.. وغابْ.. واستأجرتْ ربةُ البيتِ من قدْ يضللُ جدرانها تارةً بالنشيدِ وأخرى بأخبارِ من سبقوها إليه. جريدة مبتورة باسمي كأن الوجوه تعرفني أستقيها لصباحٍ/ لوقتٍ متململ وأدسُها في ذكرياتي المنزويةْ.. كأن الحروف تكتُبني أستقيها الحبر الممدود على شفة مترنِّحةٍ تستجرُّ الخطوطَ المنسوبةَ عمداً للموانئ المعطلةِ والمباني المشِيدةْ. الصفحة الأولى تبرَّمتْ أدخنةُ المدينة.. المصانعُ المؤديةٌ إلى أماكنَ متعددةْ سبيلُ من يريدون ولا يريدون. التعليم يتمايلُ كالدخان. فيروز لن يكون لها عيدُ وطنيٌّ. يتساقطون ولا يخشَون.. المووايلُ القديمةُ التي رددوها تخدعُهم ثم لا تخدعهم. الصفحة الثانية عتمة تخرج من كل رحمٍ نتجرعُها، ثم نخترعُ لأوردتنا ما يهدهدها حتى يأتيَ موعدُ النومِ. الشوارعُ تنزُّ مواطنينَ يحملون كل شيءٍ على قلوبهم والقلوبُ المكدومةُ بالصبرِ تنتج قوانين مرنة كل مرة. الصفحة الثالثة الجسدُ مكسوٌ بالثلجِ الماثلِ أفئدةُ الصغيراتِ تلتقطُ رذاذَ الوعود.. إصرارٌ مكلَف.. تفتيشٌ يلسعُ الزوايا.. حيواناتٌ أليفة تجوعُ حتى تتحوَّل.. عيونٌ ذابلةٌ تتمددٌ الحواف. ظلٌّ للظلِّ ظلٌ متعبٌ يهمله الصبح على قارعة الدقات المتهالكة.. الأجسام العابرة تتخطاه بسرعة أكبر والمباني تغيب في الفضاء المشحونِ.. بما يتبخر من أفواه العابرين سوف يستعدٌ لظلٍ كهذا يذهبُ الى الميدان الواسع ليستطيع تجريده تماماً.. يجلسُ القرفصاء في محاذاةِ الرصيفِ كبائعة الفل القابعة بجانبه والنساء اللآتي يحاولنَ الحصولَ على تأشيرةٍ للقاءِ أزواجهنَّ في المجهول.. والغريبة التي لا تملك إلا كلمة واحدة! تجلس لتبيعَ لوحاتها ب (ثلاثين) ثم تستعيد الصمت حتى سؤالٍ آخرْ. يااأللَّه الحياةُ أصعب مما كان يتصور.