صوتُ بكائه يهزُّ أركان الخيمة، شهقاتهُ ترتفع، أنّاتهُ تشقّ الصخور القاسية ، جفّ حلقهُ ونشفت عروقهُ من العطش ،، لم يكن كبيرا ليفهم أنّ العدو المتوحش منعَ عنهم الماء، لم يكن ليستوعب أنّ هناك بشر بهذه القسوة ، لقد كان رضيعا عطشانا منذ أيام فقد جفّ ثدي والدته، كان يلتمسُ بضع قطرات من الماء تُبلل عروقه ، تروي ظمأهُ، تحيي ماذبل من روحه ، لكن لم يرحم بكائه أحد. في أحضانِ عمته -السيدة زينب عليها السلام- يتلوّى من الجوع والعطش ، يبكي بكاءَ المستغيث ، شفتاهُ اللاتي أصبحت جافّة كتمثال حجري ، أحبالهُ الصوتيه التي كادت تتمزّق من شدة البكاء ، تجمّع كل أخوته وأولاد عمّه مشفقينَ عليه يتمنّون لو باستطاعتهم إحضار الماء ، هم أيضاً يريدون ماءً لقد أخذَ بهمُ العطش مأخذَهُ لكن أنّى للعدوّ المتوحش – جيشُ يزيد اللعين- أن يفهم ، بل هذا يومُ سعده وهو يرى – أطفال الحُسين- يتمنون شربة ماء وحفنة من طعام علّ والدهم يضعف فيُعلنَ استسلامه! وفي أوج الألم حينَ لم يتوّقف ( عبدالله الرضيع) عن البكاء – كاد يموتُ من العطش والجوع وهو في أحضان عمتهِ زينب ، باتت كلُّ محاولاتها بتهدئته بالفشل ! نادت والدهُ -الإمام الحُسين عليه السلام- قائلةً: ياأخي الطفلُ سينتهي بين أيدينا .. جِد له شربة ماء تهدئهُ وتروي ظمأهُ فمنذ ثلاثة أيام لم يذق شيئا . أخذهُ الإمام الحسين وضمّه إلى صدره .. سار بخطواتهِ متوجهاً إلى جيش يزيد ، رفع طفلهُ ( عبدالله الرضيع) بكفيّه وخاطبهم قائلا : اسقوا هذا الطفل شربة ماء ، إنهُ رضيع ولايستطيع التحمّل . وعند جيش العدوّ – جيش يزيد- رقّ قلبُ البعض فحدثو أنفسهم قائلين : ماذنبُ الأطفال حتى نحرمهم من الماء والطعام ،، يجب أن نسقي هذا الرضيع فلا ذنب له وقسمٌ آخر يحدث نفسه ويقول: ذنبُ هذا الرضيع أنهُ من آل بيتِ رسول الله ، إن كان والدهُ قلقا عليه ليُعلن استسلامهُ لنا ويُبايع أميرنا – يزيد- وبين هذا الجدل يأمر قائد الجيش رامياً يُدعى حَرْمَلة فيقول له: إقطع نزاع القوم. فيُصوبُ حَرمَلةَ اللعين رُمحَهُ إلى نَحرِ ( عبدالله الرضيع) فيرديهِ قتيلاً. قتلوا ( عبدالله) وهو في كفيّ والده! قتلوهُ عطشانا قتلوه جائعا قتلوهُ وهو طفل رضيع قتلوه لأنه يطلبُ الماء قتلوه لأنهُ من نسلِ رسول الله #اتحاد_كاتبات_اليمن