حين وضعَ يده على حنفيةِ ماء السبيل، كان عَطِشاً، وحين كانت يده الأخرى تمسكُ بالكوبِ الحديدي يمتلئُ ماءاً، كان عَطِشاً، كان ينظر إلى الماءِ يتدفق من الحنفيةِ صوبَ “القَلصِ”، كما لو أن أمطارَ صيفِ غزيرة تنهمر على الجِبال، تروي ظمأها الشَتوي، وتُغسِلها من حَرِ الصيف، أو أن الشلالات تزدهر مجدداً..كان عَطِشاً يستعدُ لرشفِ الماء.. لكن.. ثمةَ متعطشونَ للدمِ يشقونَ الآن طريقهم بإتجاهه،حاملينَ بنادق الغدر المُوجه. كانت جوارحه تنتظر، بشوقِ، الارتواء، كانت يدهُ، بشبقِ العطشان للماء، قابضةَ على أذنِ الكوبِ الذي يتعالى بهِ الماء ببطءِ وما كان بيده بندقية. حين تكالبت ذئاب بشرية تسعى وراءَ سفك دمه الربيعي الثائر، حاول أن يحتمي بالماء، أن يردَ تهافتَ الغدرِ ب«سر الحياة» تذكر “وجعلنا من الماءِ كل شيء حي”، عسى أن يدركوا كُنهَ الحياةِ، أتدب بالماءِ الحياة في وجوهِ مشرئبةُ بالموت..؟! ابتسمَ.. والرصاصةُ تتجهُ نحو صدره، تعالى.. روى تربةَ وطنهِ بماء كانَ سيروي ظمأه، قبيلَ أن يرويها بدمه. سيموتُ عَطِشاً..سيموتُ وقد إرتوى القَدر الكافي من الكرامةِ والإباء ليصعد السماءَ مرفوعَ الجبين.. وساعةَ تَّصاعد روحهُ إلى بارئها، يتمدد الجسد النحيل الأسمر وتلتحفهُ الأرض. تعانقه، وترشف من دمه حدَ الارتواء. ويتعالى من بين أنياب الذئاب العواء، ويعزفُ رفاقه “وهبناكِ الدمَ الغالي وهل يغلى عليكِ دمُ..؟” ولكنَ خِسةَ الغدرِ لم تدع للشرفِ متسعاً ليستعد.. انهم يروونها من دمهم، يسقونها.. عَلها تُزهر وتزدهرُ.. ............ حين توارى الضوء وانحسرَ في قمةِ الجبل، ضاقَ الوادي الذي كان فسيحاً، وأشتدت عليهِ حِلكة الجُرمِ ولكن، لأمدِ لن يطول. ............ الكون، بمجراتهِ ونجومهِ وكواكبهِ، يتسعُ . ودوائر الأرهابِ تمضي على ضيقها صوبَ ثقبِ التاريخِ الأسود.. *** «إرتأيتُ أن أنقل لكم هذهِ الصورة، والتي ظهرت ضمنَ فيديو بثه “تنظيم القاعدة” الارهابي عن احدى جرائمه البشعة والغادرة في وادي هينن - محافظة حَضرموت، هذه الصورة - المرفقة - توضح لحظة بدءِ الهجوم على النقطةِ العسكرية، ويظهر فيها أول الشهداء حين كان يشرب من ماء السبيل الظاهر على شكل قبة مصغرةِ. هكذا دائماً تكون جرائم الارهاب .. في منتهى البشاعة. لكن هل لنا أن نتساءل، ، هل أستوفى الشهداء حقوقهم قبل استشهادهم وبعده..؟ ولن اسأل عن مدى الالتزام بواجبنا تجاههم، فقط هل استوفوا حقوقهم..؟ أم أنهم قدرهم العيش بفقر والاستشهاد فقراء والدفن دون أن يورثوا عوائلهم شيئاً عدا لقب “عائلة شهيد” والفقر.؟الشيء الآخر.. هل ثمةَ من بقي يخوض في محاولات التستر على الجماعاتِ الإرهابية والتغطية على جرائمها..؟» [email protected]