نت: جريدة العرب: لم يثر المصريون في 30 يونيو ضد نظام الإخوان، ولم يرفعوا شعار «ارحل» ضد محمد مرسي وحده، بل كان للسفيرة الأميركية لدى مصر نصيب من غضب الشعب المصري. فهذه الدبلوماسية هي عرّابة مشروع الدولة الإخوانية في مصر، وهي الداعم الرئيسي للجماعة وخيط الاتصال بين الإخوان وبين الإدارة الأميركية. على عكس ثورة 25 يناير، ونظيراتها من ثورات ما يعرف ب«الربيع العربي»، جاءت الولاياتالمتحدة الأميركية، هذه المرة، ضمن صفوف الخاسرين. وكان لسفيرة الولاياتالمتحدة لدى مصر دور كبير في هذا الفشل، خاصة حين جاهرت بدعمها لمرسي وللإخوان، الأمر الذي لم يغفره لها المصريون الذين خرجوا إلى الشوارع في مظاهرات تطالب برحيل آن باترسون ونعتوها ب»سفيرة الإخوان». لم يكن ينقص المصريين ليعلنوا أن ثورتهم ضد نظام الإخوان نجحت، إلا البيان الصادر يوم الجمعة 29 أغسطس 2013 عن السفارة الأميركية بالقاهرة والذي أبلغت من خلاله الجانب المصري بأن السفيرة الأميركية آن باترسون قد أنهت فترة عملها بمصر. وفي الوقت الذي صدر فيه البيان كانت السفيرة المثيرة للجدل تنهي إجراءات السفر على رحلة الطائرة المصرية المتجهة إلى فرانكفورت.. وتم فتح صالة كبار الزوار لها وتم تشديد إجراءات الأمن على موكب السفيرة الذي وصل بها إلى المطار إضافة لتشديد الإجراءات عليها خلال سفرها». وصف المحلل السياسي لمجلة «فورين بوليسي»، دافيد ميلر، آن باترسون بالذكية وصاحبة الكفاءة؛ واعتبرها «كبش الفداء» الذي سيدفع ثمن فشل المشروع الأميركي الإخواني في مصر مثلما ألقي باللوم ظلما على السفير السابق في العراق أيبريل غلاسبي عن الغزو العراقي للكويت سنة 1990. تعتبر مصر أبرز مظاهر فشل السياسة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط بمراهنتها على جماعة الإخوان المسلمين. وكانت آن باترسون عرّابة هذا المشروع في مصر. دافعت السفيرة الأميركية، التي من المنتظر أن تتولى منصب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، باستماتة على الخطة القاضية بدعم الإخوان وصعودهم إلى السلطة في مصر وفي عدّة بلدان عربية. واشتكى المصريون من أنها عمدت خلال الفترة الحرجة التي سبقت ثورة 30 يناير وتدخّل الجيش المصري لإنهاء حكم الإخوان، إلى غضّ الطرف عن انتقادات المعارضة وتجاهلت تجاوزات الرئيس المعزل محمّد مرسي وجماعته. في تقاريرها المرسلة إلى واشنطن قلّلت السفيرة الأميركية من شأن انتهاكات الرئيس مرسي، مثلما استهانت بقوى المعارضة وامتنعت، في وقت ما عن لقائها، الأمر الذي انعكس سلبا على سياسة أوباما الذي فشل في تحديد موقف فوري من الأزمة حين اندلعت في 30 يونيو. قضت آن باترسون في مصر أقصر مدة تقضيها كسفيرة لبلادها في الخارج؛ لتخرج السفيرة، صاحبة ال40 سنة من العمل الدبلوماسي، بعد 26 شهرا فقط مطرودة من مصر التي كانت في أوج أزمتها وفي قمّة فوضاها، يعمل أبناؤها على طيّ صفحة قديمة وبدء صفحة جديدة. هذه الصفحة لم تكن كما أراد أن يخطّها شهداء ثورة 25 يناير بدمائهم؛ بل جاءت صفحة مضمّخة بالفشل ومخطّطة بالمؤامرات التي حيكت بين السفيرة الأميركية آن باترسون بالمهندس ونائب المرشد العام للإخوان، خيرت الشاطر. ولسوء حظّ الجماعة وحلفائهم كان المصريون قد استفاقوا من سباتهم وأعلنوا العصيان ضدّ كل نظام يفكّر في إعادة الماضي والسير على نهج السابقين. لم يكن تعيين باترسون على رأس البدلوماسية الأميركية لدى القاهرة، وفي وقت مماثل، تعيينا اعتباطيا؛ فإدارة أوباما كانت على يقين من أنها الشخص الأنسب لتكون سفيرة أميركا لدى مصر بعد ثورة 25 يناير وسقوط نظام مبارك. استلمت باترسون حقيبتها الدبلوماسية الجديدة في يونيو 2011، ومنذ قدومها لم يكن مرحّبا بها في مصر حيث حذّر الكثير من السياسيين والنشطاء الحقوقيين ودعوا إلى قراءة ما بين سطور قرار تعيين آن باترسون سفيرة في مصر في مثل هذه المرحلة الحرجة التي شهدت صعود نجم الإسلام السياسي بدعم أميركي – قطري. فآن باترسون هي إحدى الشخصيات البارزة التي تحث على الدفع بعلاقات طيبة مع الإخوان المسلمين، وترى فيهم قوة تستطيع السيطرة على الحكم. استغرقت مهمّة آن باترسون، والتي وصفها بعض السياسيين المصريين بالمشبوهة، 26 شهرا، عملت خلالها بنشاط مكثّف على لقاء قيادات جامعة الإخوان المسلمين وسجّلت عدة زيارات إلى مكتب حزب الحريّة والعدالة، الذراع السياسي للجماعة والحزب الحام قبل أن يتم إسقاطه من قبل الشعب. وكانت زيارات باترسون، في بعض الأحيان، مثيرة للشكوك، حيث خالفت الأعراق الدبلوماسية المعمول بها. فقد تمّ رصدها وهي تقوم بزيارات فردية لمكتب حزب الحريّة والعدالة. كما جمعها مع قيادات الجماعة لقاءات عدة وفي مقدمتهم مرشد الجماعة محمد بديع، إضافة إلى أنها رتبت لأعضاء في الجماعة لعرض أنفسهم وطرح أفكارهم في لقاءات مع مسؤولين في الكونغرس الأميركي. وتأكدت نبوءة النشطاء السياسيين بسعيها لدعم الإخوان في الوصول إلى السلطة، مقابل الحفاظ على مصالح بلادها. واتهمها عديد من المصريين بالتدخل في الشؤون الداخلية لمصر، وأنها وضعت يدها في يد الإخوان لتحقيق أهداف أميركا في الشرق الأوسط ونشر الفوضى، وأطلق عليها نشطاء سياسيون لقب «المندوب السامي الأميركي»، في إشارة تهكّمية إلى لقب المندوب السامي البريطاني، خلال فترة الاحتلال البريطاني لمصر. اختيار مجلة فوربس آن باترسون لتعلنها «أقوى امرأة في الدبلوماسية الأميركية» لم يأت من فراغ، فالسفيرة الأميركية مثّلت بلادها في أكثر دول العالم اضطرابا، على غرار كولومبيا التي تعرّضت فيها لعملية اغتيال لم تمنعها من مواصلة نشاطها في إحدى أسوأ فترات العنف التي شهدتها كولوميبا. النقطة الفاصلة في مسيرة السفيرة الشقراء ذات الملامح الهادئة كانت باكستان. هناك، نجحت باترسون خلال عملها في أن تخفّف من العداوة بين الجيش الباكستاني والجماعات الإسلامية. من يوليو- تموز 2007 إلى أكتوبر- تشرين الأول 2010، خدمت باترسون بلادها بضمير وتمكّنت من بسط يدها في أمور كثيرة كانت تجرى داخل المطبخ السياسي الباكستاني وتحدد مسار السياسية في إحدى أكثر الدول معاداة لأميركا. ونجحت السفيرة في إقامة علاقات متينة مع قادة الجيش الباكستاني بالتوازي مع علاقات مع قيادات إسلامية معارضة. لكن، وعلى غرار مصر، لم تكن آن باترسون، التي وصفتها الصحافة الباكستانية ب«مروضة الحركات الإسلامية»، مرحّبا بها في باكستان. وقد كانت تلك التجربة هي المحفّز الأكبر لأوباما ليعيّنها سفيرة أميركا لدى مصر، في محاولة لتطبيق النموذج الباكستاني هناك. لكن النتيجة أن واشنطن نجحت في كسب ولاء جماعة الإخوان المسلمين ولكنها كسبت معه عداء أغلب الشعب المصري. وذكرت برقيات عدّة سرّبها موقع «ويكيليكس» أن آن باترسون كانت تخرج من كل بلد عملت به وهي تحمل لقبا سيئا على غرار ''سفيرة الشيطان''. ونشر «ويكيليكس» عدة وثائق تدين السفيرة وتشير إلى أنها إحدى أركان النظام الأميركي المنفذ لخطط الاغتيالات في عدة دول نامية، فضلا عن كونها أداة رئيسية لإقامة إعلام مواز لإعلام الدولة التي تتواجد بها يعتمد على الدعم الأميركي وينحصر دوره في المشاركة في زعزعة الاستقرار بها؛ وهو ما عملت على تنفيذه في مصر لكن مخطّطها أُفشِلَ.
ثورة الشعب المصري ضد السفيرة الأميركية أجبر إدارة أوباما على إنهاء مهمة باترسون في مصر والبحث عن بديل لها، ليطرح اسم روبرت فورد بقوة لهذا المنصب، أو ربما هو كان مرشّحا بالفعل ليكون، بعد فترة هدنة وتهدئة، سفير أميركا في مصر. حظّ فورد لم يكن أحسن حالا من نظيرته حيث استهجنت الأوساط السياسية المصرية قرار ترشيحه، نظرا لتاريخه الحافل بإثارة الفتن في البلاد التي عمل بها. واعتبر الرافضون له أنه جاء لاستكمال المخطط الأميركي في مصر.