هاجس أول: 'أعطال وفساد وخراب وفوضى، في كل جزء من أرجاء الشقّة التي أسكنها، وأنا صاحبة السلطة المطلقة على كلّ ما فيها مما يؤهّلني لتقمّص دور (ديكتاتورة) بامتياز ، لكنّ صغيري (جهار) لم يعد يتحلّى بالصمت. إذ منذ بدأ وعيه الاجتماعي المبكر يتشكّل ويتعزّز ويتفاقم وهو يطالبني بالإصلاح، وأنا ككل القادة أراوغ وأماطل وأتحايل وأؤجّل، وظننت فيما ظننت أنني بمنأى عن انتقاد الغير طالما أتقنت فنون الانغلاق على الذات، وتآمرت على بيتي ومن فيه مع العزلة التامّة، إلا أنّ الوعي الداهم الذي كان يتسلل إلى ذهنية صغيري ونمطية تفكيره المستقلّة ولم أكن أضع ذلك في الحسبان كان بمثابة لغمٍ موقوت يهدّد بالتمرّد بين تطلّعٍ وآخر لم أعره انتباهاً يُذكر في يوم سابق، إلى أن هكذا وبدون مقدمات وجدتني وجهاً لوجهٍ حيال انتفاضة خاضها صغيري معي كما تتمخض انتفاضات الشعوب العربية، هذا المواطن الأعزل الصغير الذي ينضوي تحت لوائي وخلتُ أنّ التبعيّة أمر مطلق لا نقاش فيه ولا جدل ولا جدال ولكن هيهات للحرّ من الاستعباد، وصار لا بدّ من (الإصلاح) شعارنا اليومي ومجالنا الحيوي المتواصل للمناورة والمداورة والتراكم والتناحر والتفعيل، على غرار مؤسسة فاسدة من جملة مؤسسات الدول المتهالكة ولكن كنموذجٍ مصغّر.'... هاجس تالي: 'لم تكن المرحلة التي وصلتنا مع بداية هذا العام تُشبه غيرها مما سبقها من المراحل، فقد حملتْ في طيّاتها مفردة جديدة اسمها (التغيير) وهذه المفردة على اقتضابها كانت كفيلة بخلع طاغية، وجديرة بزعزعة آخر، وأهلا ً لتهديد ما تبقّى من طُغاةٍ في مُجمل المنطقة العربيّة برمّتها، والتغيير ليست مجرّد فكرة رديفة لما اُسْتُهِلَّ قبلها من شعارات، بل هي انقلاب جذريّ حتى على الإصلاح بعينه، واستبدّت بي فكرة التغيير كما استبدّت بشعوب المنطقة قاطبة، وليس أمامي سوى مرآتي، فبماذا أبدأ؟.. بتغيير لون شعري لأجعله أكثر حدّة؟.. برسم حاجبيّ كرمحين طائشين من جعبة صيّاد ماكر؟.. لشدّ جبهتي كمن يتأهّب لدخول المعركة؟.. لنفخ وجنتيّ كمنكبيّ ضابط عسكري مزهوٍ بأوسمته؟.. لحشو شفتيّ بشهواتٍ مستعارةٍ وعواطف من سيلكون؟.. بماذا أبدأ؟ بتغيير سيارتي التي ما من سبيل لاستقالتها الطوعية وهي تلازمني منذ القرن الماضي كالحرس القديم؟.. بتغيير حرفة الكتابة التي امتهنتُها طوعاً كفدائي مُستميت في ميدان للمتآمرين؟.. بنسيان بيروت التي وهبتها عمري ونزقي وأوردتي ووهبتني العتمة واللامبالاة؟.. بتغيير النظام الذي غيّر وجهة مثقفيه عن أوطانهم وأنا منهم، ليستبدّ بالياسمين؟..'. هاجس مزمن: 'كان بودّي أن أكون مجرّد أنثى، تضع عواطفها نصب عينيها، وتعير مشاعرها جلّ انتباهها، وتُعنى بمساحيقها وفساتينها كل العناية، توضّب نبضها لمن يشاء الهوى، وتهيّىء أحلامها بعيدا عن الكوابيس.. تزرع داخل محبرتها وردة جوريّة للفارس المنتظر، وتغترف من حروفها الزاهية عبير الشهوات، لكنّ الراهن كان أشبه بقرصان سلب مني راحتي وطمأنينتي وأغلى ما فيّ عاطفتي، فصارت تطلعاتي محكومة بهواجس من ألغام، ونظرتي سبيّة من سبايا الواقع المشؤوم، وأبجديتي ضليعة بالإسقاط والتأويل الخارج من أتون المستجدات والعائم على جحيم المواجهة، وليس أمامي سوى ذاك الهاجس المزمن، كيف أتخلّص مني لأستعيدها، تلك الأنثى التي تغادرني تِباعاً وبلا ندم؟.. ' كاتبة من سورية [email protected]