انتشرت في الآونة الأخيرة الكثير من المعاهد التعليمية في اليمن ، وأصبحت تنافس كابينات الاتصالات المنتشرة في كل شارع ، الظاهرة ظاهريا جميلة جدا وحضارية ، وتوعدنا بمستقبل مشرق لشبابنا ، فمن بروشورات المعاهد ترى خطة عمل منسقة وموثوقة وفيها مساهمة كبيرة لمساعدة الطالب وتسهيل عقبات الرسوم عليه ، فعدم السعي خلف المال في إعلاناتهم يعطيك الثقة بالمعهد ومن هذه الإعلانات مثلا : ( تحدث الانجليزية بطلاقة في ظرف ثلاثة أشهر أو استرد مالك ) ( احصل على شهادة معتمدة دوليا ) ( ادرس في اليمن واحصل على الشهادة من أمريكا ) ( دورة عليك ودورة علينا ) ( لأول مرة في اليمن شهادة (ICDL)الدولية )( تعلم اللغة من أصحابها مع طاقم تعليمي أجنبي ) . الطريق إلى هذه المعاهد مؤخرا قررت أن اكتب عن هذه الظاهرة الجميلة بهفد دعمها ، وتوجهت صوب بعض المعاهد بحجة التسجيل فيها ، انطلقت في تمام الساعة الثامنة صباحا وبمجرد دخولي المعهد الباهظ التكاليف رأيت العجب ، فتيات متزينات وكأنهن ذاهبات الى حفلة زواج !!! ترى الماكياج البارز والعدسات اللاصقة والعباءات الملتصقة التي تبرز كامل الجسد ، وتسمع الضحكات العالية وكأنها تقول ( أنا هنا بفلوسي ولي الحق أن أتصرف مثل ما يحلو لي ) ، اقتربت من مجموعة فتيات وقلت لهن أنا جديدة وأريد ان أسألكن عن المعهد قبل ان التحق فيه ، كيف الدراسة هنا ؟؟؟ قالت لي أحداهن : ( مثل ما تعرفي الدراسة هنا بالدولار ، يعني الشباب اللي يدرسوا هنا عرسان لقطه ، بس لا تسجلي الا بعد ما الشاب اللي حاطاه برأسي يوقع بشباكي !!! مش ناقصة منافسات ) وضحكوا صديقاتها من النكتة السخيفة بصوت عالي ، وابتسمت على مضض حتى اعرف البقية. قلت لها : لا تقلق سأسجل بوقت غير وقتك ، وكيف الدراسة هنا ، هل تستحق كل هذه الدولارات وهل بالفعل المعلمين أجانب ؟ قالت : لا يوجد في المعهد سوى معلم أجنبي واحد فقط !! لا تصدقي الإعلانات المكتوبة في مدخل المعهد ؟ ولكن المعلمين اليمنيين مسليين بدرجة كبيرة وخاصة في الحصص المخصصة للعبة الصراحة . فقلت : لعبة الصراحة ! قالت : اللعبة تعتمد على الصراحة في الإجابة من قبل الطالب على أي سؤال يسأله زملاءه في الفصل ، تصدقي في الأسبوع الماضي أعترف احد الطلاب بحبه الشديد لزميلتنا ،والآن يعيشوا أجمل لحظات الحب والغرام بفضل هذه المعلمة ! وأنا أجبروني زميلاتي على الغناء واكتشفت أن لدي موهبة رائعة ، وقلت لها : ولكن هذا سيشغلكم عن الدراسة ؟ فقالت : لا تركزي على المستقبل عيشي اللحظة ! فقلت لها سؤالي المكرر : كيف الدراسة هنا ؟ قالت إحدى الفتيات : أنتي مبرمجة على هذا السؤال ؟؟؟ وتعالت ضحكاتهن . تركتهن وذهبت الى مجموعة أخرى ، كن فتيات جادات ،يذاكرن بمسؤولية وحماس، فسألتهن نفس السؤال ، أجابت أحداهن : أنا هنا منذ عشرة أشهر وبصراحة لا أجد تقدم كبير يعادل مانصرفه من مبالغ ، فالله وحده يعلم كيف نسدد الرسوم ، المعلمين يعاملوننا وكأننا عشنا بأمريكا ، بالله عليك أن كنت أفهم ما يقولون فلماذا سأحضر للدراسة ، والمشكلة الأكبر بأننا نصعد من مستوى الى آخر بنفس المجموعة فبرغم وجود طلاب خاملين جدا جدا جدا فهم لا يرسبون ؟؟؟ لأن سياسة المعهد قائمة على دعم الطالب بالدرجات ، فلا يجب أن يرسب أي طالب من أجل ضمان تسجيله للدورة التالية ومن أجل سمعة المعهد فأن فشل الطالب هذا يعني بأن المعلمين مقصرين ، والأهل المساكين يفرحون بالشهادة التي يحضرها أبنائهم كل شهر ، معتقدين أنهم يتحدثون الإنجليزية ، وبالتأكيد لاتوجد طريقة ليتأكدوا من الحقيقة ، فهذه لغة لا يجيدها الأهل . انتقلت الى معهد آخر لتعليم اللغة الانجليزية والكمبيوتر ، وذهبت الى السكرتيرة التي لم أجد غيرها بالمعهد ، فبرغم حجم الإعلانات والعروض الخيالية ، كان المعهد خالي تماما ، سلمت على السكرتيرة وتفاجأت بأنها أحدى زميلاتي في الدراسة ، رحبت بي ، وقالت : لا تقولي بأنك ستدرسين هنا ، لا أنصحك بذلك ! فقلت لها : لماذا ؟ ، أشارت الى لوحة الإعلان وقالت : لا تصدقي هذا الإعلان ، شهادات المعهد غير معتمده دوليا ، ولا توجد أي دورات مجانية ، فالمدير لديه عشرين حيلة ليخرج نفسه من تساؤلات الطلاب عن الوعود التي يعدهم بها بعد دفع رسوم التسجيل ، وتريدي الصراحة المعهد على وشك الإفلاس بسبب اكتشاف الطلاب لكذب وعودنا ، هل تعلمي بأن الطالب عليه الانتظار ستة أشهر أو أكثر ليحصل على شهادة الكمبيوتر برغم أن فترة الدراسة أسبوعين فقط ، نهاية الشهر سأترك العمل هنا لأن المدير يجبرني على إقناع الطلاب الجدد بتلك الوعود الكاذبة . وأنا غير راضية عن نفسي . في هذه الأثناء حضر أحد الطلاب وكان غاضب جدا ، تحدث قائلا : الى متى علي الانتظار ، لقد وعدتموني بأن الدراسة ستبدأ خلال أسبوع وأصبحنا الآن في نهاية الشهر الثاني ولم تتصلوا بي ، ورفضتم استرداد المال الذي قمت بدفعه لكم ، بحيث جعلتموني أوقع على السند الذي فيه شرط بعدم استرداد أي مبلغ ، وبأنه لديكم كامل الحق في تأجيل الدورات ، أنتم غشاشين لأنكم مؤمنين أنفسكم جيدا ومبيتين النية لخداع الطلاب . تلعثمت المسكينة بالكلام ، عندها قلت له : أخي الكريم ، هذا هو آخر يوم لها هنا ، والمدير على وصول فياريت تنتظر و ما تفرغ عصبيتك حتى تضعها في المكان المناسب . وصل المدير وبدأ بالحديث بطريقة مرتبة ومنسقة فهي اسطوانة تعود على فتحها يوميا ، وقاطعه الطالب قائلا : أعطني سبب مقنع للكذب ؟ فثار المدير وتعالت أصواتهم ، فهذا يسب وذلك يشتم . مواصلة الطريق بعد ذلك ذهبت الى معهد آخر وهذه المرة غيرت سياستي لأني رأيت إعلان عن حاجتهم لمعلمين ، وقلت بأني أريد أن اعلم الطلاب في المعهد ، وتحدثت مع السكرتيرة عن طلبي ، فقالت نحن بالفعل نريد معلمين ، ولكن لدينا مواصفات خاصة ، وقالت : ممكن تخلعي البرقع عن وجهك ، فقلت لها : اخلع البرقع ! ولماذا ؟ فقالت المدير يشترط خلع البرقع عند التدريس وكذلك يجب أن تكوني جميلة ولديك جاذبية لشد انتباه الطالب لكي لا يشعر بالملل ! نظرت إليها باستغراب وقلت :"اعتقدت بأن أول طلب سيطلب مني هو شهاداتي التي تدعم طلبي ، والتي على أساسها ستقبلونني أوترفضوني، ولكن تغيرت جميع القيم والمفاهيم لديكم وكأني بأرض غير أرضي ووطن غير وطني ، يخيل إلي باني في فرنسا لأنزع البرقع ، وكذلك اخبريني منذ متى أصبح التعليم حصرا للجميلات فقط ، فكم من وجوه جميلة تحمل عقول فارغة ، وكم من قبيحة ( المعذرة على اللفظ ) تحمل عقل يوزن بلد ، وماذا سيستفيد الطالب من جمال هذه وقباحة تلك ، فيا عجبي . قبل الختام سؤال لكم جميعا قرائي الأعزاء هل أصبحت العملية التعليمية الخاصة تجارة بحته ، تسعى خلف كسب المال فقط ، وكأنها في حرب فكل الطرق والوسائل فيها مشروعة ومستباحة ، والكل متربص للنيل من هذا الشعب المسكين ، ما هذا الفساد الذي تشهده معاهدنا الخاصة؟ ، الا توجد رقابة من قبل الحكومة عليهم ؟، ماهذا الجبروت الذي هم فيه ؟ الا توجد سلطة عليهم؟ ، الا يوجد ضمير حي يوقظهم من سباتهم العميق؟ . التجارة في كل شيء ممكن أن نتقبلها ، ولكن ألاتجار بعقول شبابنا هذه كارثة حقيقية ،هل يعي الطلاب حقيقة هذه المعاهد ، وهل يستطيعوا حماية أنفسهم منها ، وكيف نستطيع انتشال شبابنا من هذا الطوفان الذي اسمه التعليم الخاص ، وماهو البديل الذي سيغذي عقول شبابنا ، ماالمكان الآمن الذي نضمن فيه التعليم من أجل التعليم فقط ؟ سؤال يصعب الإجابة عليه ؟ فاليمن كل شي فيها يسير على مبدأ عيش اللحظة . عدن الغد