انتقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان طريقة عمل منظمة الأممالمتحدة، خاصة في الجوانب الإنسانية، في الوقت نفسه وضع أردوغان طريقة لتفعيل دور المنظمة الأممية بعد حالة التكلّس التي مُنيت بها. وقال أردوغان في مقال بصحيفة Foreign Policy الأميركية، الثلاثاء 25 سبتمبر/أيلول 2018، يجتمع القادة من جميع أنحاء العالم هذه الأيام بمقرِّ الأممالمتحدة في نيويورك لتبادل وجهات النظر حول أكثر المشكلات إلحاحاً في مواجهة البشرية. ويعد الموضوع الرئيسيُّ لاجتماع هذا العام، وهو «تحويل الأممالمتحدة إلى جهة ذات صلةٍ وثيقة بالجميع»، موضوعاً له دلالاته. فهو يلقي بالضوء على التحدِّيات الحقيقية التي تواجهها المنظمة: ألا وهي أنه على الرغم من العمل الشاقِّ الذي يقوم به موظفو الأممالمتحدة في وكالاتها المختلفة، فإنَّ الكيان يعاني من أزمة مصداقيةٍ غير مسبوقةٍ. وأضاف الرئيس التركي أن السبب الرئيسيَّ لمتاعب الأممالمتحدة هو إخفاق مجلس الأمن في الوفاء بوعده بتعزيز السلام والأمان في أنحاء العالم. فمن البوسنة ورواندا إلى سوريا، واليمن، وفلسطين، أخفق مجلس الأمن الذي يعد أعلى هيئات اتِّخاذ القرار في الأممالمتحدة في وضع حدٍّ للفظائع وكذلك في تطبيق العدالة على المسؤولين عن ارتكاب جرائم بشعة. وتابع أردوغان تحت سمع الأممالمتحدة وبصرها، استعملت الأنظمة السلطوية في شتَّى بلدان العالم أسلحةً تقليديةً وأسلحة دمارٍ شاملٍ ضد مدنيين أبرياء. بل وبلغ الأمر ببعض الأنظمة أن ارتكبت إبادةً جماعيةً دون مواجهة أية عواقب. وخذلت الأممالمتحدة كذلك ملايين الأطفال الذين يعانون من الجوع الشديد وسوء التغذية، وكما تعرف تركيا تمام المعرفة، لم تستطع اتِّخاذ التدابير اللازمة للتخفيف من معاناة اللاجئين. القائمة تطول، لكن من الواضح أنَّ الأممالمتحدة، التي كان الهدف منها أن تكون القلب النابض للإنسانية، قد توقَّف نبضها. ما الحل؟ وبحسب مقال الرئيس التركي ينقسم منتقدو المنظَّمة إلى معسكرين رئيسيَّين حول ما يلزم فعله لمواجهة ذلك: في المجموعة الأولى دولٌ مثل تركيا وألمانيا اللتين ترغبان في إصلاح الأممالمتحدة لمواجهة نقاط القصور فيها. أما المعسكر الثاني فهو أقلُّ عدداً ويضمُّ بين صفوفه الولاياتالمتحدة. ويُفَضِّل هذا المعسكر استغلال ضعف الأممالمتحدة لتقويض النظام الليبراليّ العالميّ. واستكمل أردوغان قائلاً خذ مثلاً القرار الأخير الذي اتَّخذه الرئيس الأميركي دونالد ترمب بالانسحاب من مجلس الأممالمتحدة لحقوق الإنسان، والانسحاب من اليونسكو، المنظَّمة الأممية المسؤولة عن التعاون التربويّ والعلميّ والثقافيّ؛ فضلاً عن قراره وقف تمويل UNRWA، وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين. وقد وصف ترمب موقفه يوم الثلاثاء 25 سبتمبر/ أيلول من «سياسة الواقعية المبدئية» أثناء كلمته في الجمعية العامة للأمم المتحدة. في وقتٍ نحتاج فيه أمسَّ الحاجة إلى قيادة عالمية، من الأهمية بمكانٍ تحسين حال الأممالمتحدة بدلاً من تدميرها. فإذا كانت القوى العظمى عازفة عن الاضطلاع بمسؤوليتها، وإذا كانت هناك حفنةٌ من الدول تجني ثمار النظام العالميّ الحاليّ ولا تريد الالتزام بالإصلاح، وإذا استمرَّت بعض أعمدة الأممالمتحدة، بما فيها الولاياتالمتحدة، في الإضرار بالتعدُّديَّة عن طريق اتِّخاذ خطواتٍ أحادية بشكل متزايد، سيكون الوقت قد آن لإعادة صياغة القيادة الدولية. القضاء على الاحتكار من قبل الدول الكبرى وقال أردوغان يجب علينا أن نقضي على احتكار عدد صغير من الدول لقيادة العالم والمناداة بالقيادة الجماعية للدول الهادفة إلى إيجاد حلِّ لكبرى التحدِّيات العالمية. فإذا ثَبُتَ أنَّ القوى العظمى عازفة عن التصرف أو عاجزة عنه، فإن المجتمع الدوليَّ -تحت مظلَّة الأممالمتحدة أو منظَّماتٍ أخرى- ملزمٌ بفعل ما هو ضروري لإصلاح شؤون العالم. وستكون تركيا أحد أعضاء هذا المجتمع. فعلى مدار العقدين الماضيين، ركَّزت دولة تركيا على توجيه الأنظار نحو القضايا المُهمَلَة. وأطلقت تركيا حملةً في عام 2013 للتشديد على أن «العالم أكبر من خمسة»، في إشارةٍ إلى الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وحذَّرت من أنّ الأمم المتَّحدة تمرُّ بأزمة مصداقيةٍ خطيرةٍ وحثَّت جميع الأطراف على اتِّخاذ الخطوات اللازمة لنشر الديمقراطية والمساواة والتعدُّدية في المنظَّمة. وتابع: «ما زلت أحثُّ المجتمع الدوليّ على إبطال ممارسة العضوية الدائمة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وزيادة عدد أعضائه إلى 20 دولةً، ووضع قواعد جديدةٍ تتناوب بموجبها جميع الدول على عضوية اللجنة». ومع أن تركيا ليست بقوةٍ عسكريةٍ ولا اقتصاديةٍ عُظمى، فإنها قد ظهرت على الساحة كرائد عالمي من خلال مشاركتها في حلِّ أزمات العراقوسوريا وغيرهما. واليوم، هي موطن 4 ملايين لاجئٍ، منهم 3.5 مليون سوريٍّ، وهي كذلك من بين أكبر متبرِّعي العالم بالمساعدات الإنسانية. وينبغي للدول الأخرى في المجتمع الدوليِّ أن تؤدي دورها، وإن كان نظاق أزمة اللاجئين يوضِّح أنه من غير الممكن حلُّ المشاكل الملحة دون أن نعمل معاً من خلال المنظَّمات مثل الأممالمتحدة أيضاً. هل تفكيك النظام العالمي الحالي هو الحل؟ وختم أردوغان قائلاً: «إذا أبت القوى الدولية المساعدة، فعلى سائر المجتمع الدوليِّ الأخذ بزمام الأمور وبدء عملية إصلاحٍ شاملةٍ في الأممالمتحدة. ففي نهاية المطاف، نحن لا نرى ضرورة تفكيك النظام العالمي الحالي لأجل بناء نظامٍ دوليٍّ أكثر ملاءمة. وهناك التزامٌ على جميع شعوب العالم بالوقوف جنباً إلى جنبٍ واتِّخاذ الخطوات الضرورية لتعميم السلام والاستقرار والأمان للبشرية كافةً».
وأضاف: «يتعيَّن على الجمعية العامة للأمم المتحدة أن تكون أكثر من مجرَّد مُلتَقى لزعماء العالم لإلقاء الخطب ومشاركة الشكاوى. بل يجب أن يشهد هذا العالم وضعنا حجر الأساس لنظامٍ جديدٍ في الأممالمتحدة».