إشهار "مكون مجتمعي" في حضرموت لجمع المكونات المختلفة تحت مظلة واحدة    سوريا اليوم.. بين ترمب ونتنياهو والوسطاء ومحاولة الإذلال    سوريا اليوم.. بين ترمب ونتنياهو والوسطاء ومحاولة الإذلال    المحامي صبرة من معتقله: الزيارة مرفوعة عنّا وعلى الزملاء تحريك القضية    التصنيف الأمريكي لتنظيم الإخوان المسلمين كتنظيم إرهابي محدود الأثر    أزمة أخلاق!    حين يفشلون في كسر رجل.. يبدأون بمحاولة كسر أصله    البنك المركزي يوضح حول المستحقات المالية لمحافظه    تكريم الفائزين بجائزة جامعة صعدة للإبداع والبحث العلمي    لحج.. قوات الجبولي تُشدّد الحصار على قرى في مديرية المقاطرة وتقطع الطريق الرابط بين تعز وعدن    تدشين فعاليات إحياء ذكرى ميلاد فاطمة الزهراء بالامانة    دراسة: استخدام العدِّ بالأصابع يمهِّد للتَّفوق في الرياضيات    مصر: الجزيرة العالي للإعلام ينظم ندوة "صنّاع النجوم.. ومسيرة الإنجازات في الرياضة المصرية"    مساء الغد.. المنتخب الوطني الأول يواجه جزر القمر والمدرب: نسعى للتأهل إلى كأس العرب    قبائل بني ضبيان في الضالع تعلن النفير العام لمواجهة الأعداء    كلمة العميد بن الشيخ أبوبكر تخرج فئران المخدرات والديزل من جحورها    تسوية تاريخية .. 14 مليون دولار لتعويض جماهير نهائي كوبا أمريكا 2024    الحباري ومغلي ينافشان سبل تعزيز خدمات الرعاية والتأهيل للمعاقين في محافظة ريمة    أحزاب شبوة تؤكد دعمها لوحدة الصف وتطالب بصرف المرتبات وتحسين الأجور    هل يستنسخ الحجوريون تجربة طالبان في وادي شحوح بحضرموت؟!    مناقشة برنامج دعم توطين الصناعات المحلية    تدشين عدد من المبادرات المجتمعية في مديرية الخبت بالمحويت    بطولة النخبة للمياه المفتوحة بالحديدة على كأس الشهيد الغماري    السامعي يؤكد أهمية تشجيع المشاريع الطبية العملاقة لخدمة ورعاية المرضى    تدشين برنامج مراجعة وتحديث وإدارة السياسات المالية والتجارية والاستثمارية    الذهب يرتفع لأعلى مستوى له مع تجدد التوقعات بخفض الفائدة الأميركية    محكمة غرب تعز تقضي بإعدام شاب قتل والده في إب    صنعاء توزع خوذ مجانية للدراجات النارية في التقاطعات    صنعاء.. جمعية الصرافين تعمّم بإعادة التعامل مع منشأة صرافة    خالد اليماني... جنوبي أصيل أم يمني مرتد؟    فوز الكويت بمقعد العضوية في اليونيسكو لأربع سنوات    تقرير أممي: نزوح أكثر من 18 ألف شخص في اليمن منذ بداية العام    حين يتحوّل فستان إعلامية إلى معركة هوية في وطنٍ تُنهكه المآسي !!    الصحفي والمدرب الحقوقي عماد السقاف    لُوبانية    نزال مرتقب: ديتشيفا تواجه كيليهولتز ضمن بطولة "الطريق إلى دبي" للفنون القتالية    العرب يعزلون سوريا بأسوار خرسانية داخل حدودها    خبراء التغذية: النظام الغذائي مفتاح التركيز الذهني    دور السعودية في اعتداء الضاحية    بركان إثيوبي يثور بعد 12 ألف عام والرماد يصل اليمن وعمان وباكستان    أزمة وقود غير مسبوقة في المهرة    في الجولة الخامسة لدوري أبطال أوروبا.. برشلونة يواجه تشيلسي في قمة كلاسيكية.. ومان سيتي يستقبل ليفركوزن    محافظ المهرة يُشيد بدور الإصلاح والمكونات السياسية في دعم جهود السلطة المحلية    الصحة تعلن ارتفاع وفيات وإصابات التهاب السحايا في اليمن    منتخب الناشئين يفوز على غوام بعشرة أهداف ويتصدر مجموعته    قراءة تحليلية لنص "أريد أن أطمئن" ل"أحمد سيف حاشد"    الكاتبة اليمنية آلاء الحسني تُطلق روايتها "حينما تأكلك الجزيرة"    الضالع تستعد لأول مشاركة في مهرجان التراث الدولي    مصادر حكومية: انفراج مرتقب في صرف المرتبات وتحولات اقتصادية تعزز فرص الاستقرار    الكثيري يُعزّي في وفاة الشاعر والأديب ثابت السعدي ويشيد بإرثه الأدبي والثقافي    تسجيل 26 حالة وفاة وألف و232 إصابة بالحمى الشوكية منذ مطلع العام الجاري    رئيس الوزراء يؤكد استمرار الإصلاحات وتعزيز حضور الدولة وتقليل السفر الخارجي    آخر حروب الإخوان    ريال مدريد ينجو من إلتشي بشق الأنفس    رئيس سياسية الإصلاح يلتقي مسؤولا في الحزب الشيوعي الصيني لبحث العلاقات وأوجه التعاون    تقرير عبري: نصف الإسرائيليين يعانون أمراضا نفسية بعد 7 أكتوبر    قراءة تحليلية لنص "حرمان وشدّة..!" ل"أحمد سيف حاشد"    هيئة أسر الشهداء تُنفذ مشاريع تمكين اقتصادي بنصف مليار ريال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حروب الانتقالي.. تجريف الجنوب وخنجر جديد في خاصرة الخليج
نشر في مأرب برس يوم 26 - 08 - 2019

كل حرب تضاعف جروح الجغرافيا اليمنية وتفتح بؤر جديدة للفوضى في خارطتها، مباشرة تتمدد وتلقي بظلالها على الطوق الخليجي بكامله، بطريقة مباشرة وغير مباشرة ومن نواحٍ عديدة، وتلك حتمية تاريخية تفرضها مقتضيات الجغرافيا والروابط الجيوسياسية بين الخليج والدولة الرابضة على شطه الجنوبي، ولا يمكن التملص من تداعيات أي فوضى تحدث في البلد اليمني، مهما كانت التدابير الخليجية الداخلية للوقاية منها.
والحال هذا، فإن ما يحدث في جنوب البلاد من فوضى متعمدة ومفتعلة، يقوم بها فصيل معين، بغرض السطو على جغرافيا الجنوب، بأسلوب قسري وأدوات مليشاوية عنيفة، تهدف للاستحواذ على مصير الجنوب تحت دعاوى مضللة ودونما تفويض من أحد، كل هذا يفتح باب الجحيم في جنوب البلاد، وآثار ما يحدث لن تقتصر على حدود الدولة اليمنية شمالا وجنوبًا فحسب، بل ستتجاوزها لتشكل فضاءً ملتهبًا ينخر الأمن القومي الخليجي ويفتح الباب أمام خصوم الخليج ليتسللوا من هذه النافذة ويواصلوا مكرهم في تقويض الأمن الخليجي وتطويقه من كل الاتجاهات.
في هذه الوقفة سنحاول الحديث عن تداعيات الفوضى التي يشعلها المجلس الانتقالي في جنوب البلاد وخطورتها على حياة الناس هناك والنسيج الاجتماعي جنوبًا وشمالا، لجانب انعكاساتها على جيران اليمن بشكل عام والخدمة المجانية التي تقدمها لخصومهم.
- بعبع الوحدة وشماعة الانفصال
الوحدة والانفصال، خيارات سياسية شعبية يقررها الناس وفقًا للآليات الرسمية والمعتبرة لفرز الميولات الشعبية وتحديد رغبة الناس في شكل النظام الذي يرغبون بالعيش في ظلاله، وهذا أمر لا يمكن حسمه سوى بطريقة واحدة توافقت عليها البشرية كلها وهي طريقة الاستفتاء الشعبي الحر في أجواء هادئة ومستقرة ومناخ كامل التهيئة يتيح للناس التعبير عن رأيهم دونما أي تأثيرات فوقية تجبرهم على تقرير واقع متوافق مع رغبة هذا الطرف أو ذاك.
من هذا المنطلق، فإن النهج الذي يتبعه المجلس الانتقالي في الجنوب، وأجواء الترهيب التي يبثها هناك والخطاب الشمولي الذي يعمل لتعميمه على الجماهير الجنوبية منذ فترة، بالتزامن مع تحركاته العسكرية الأخيرة لتقويض الشرعية في مدن الجنوب، كل هذه السلوكيات تقع على النقيض من الوسائل المفترض اتباعها لتحقيق هدف القضية التي يرفعها الانتقالي والمتمثلة في تقرير المصير.
إذ لا يمكن تحقيق هدف كهذا، بتلك الطرق الغوغائية العنيفة وإغلاق الفضاء العام ومصادرة حق الآخرين في التعبير عن موقفهم. فسلوك كهذا يكشف أن شعارات الانتقالي ليست سوى لافتات للمتاجرة بقضايا الناس، أكثر من كونها أهداف صادقة لتحقيق تطلعاتهم، فلا يمكن تصديق شعارات كهذه، من تيار يدعي تمثيل الناس وفي نفس الوقت يعمل على ترهيبهم ويمنعهم من الإفصاح عن مواقفهم من القضية التي يقول بأنه حاملها التأريخي الأوحد.
وأمام تعامل مكشوف كهذا، يتأكد لنا أننا إزاء فصيل يفتقد للثقة بشعبيته ومتوجس من ولاء غالبية الجماهير له، ولهذا يفضل اتباع حيل التفافية تعفيه من خوض امتحان الولاء الشعبي وتختصر له طريق الوصول لهدفه دونما مرور بالمختبر الجماهيري لتقرير ولاء الناس له من عدمه. وهذه هي أقصى درجات اللصوصية والتجريف العلني للقضايا العادلة على أيدي التجار السياسيين في تأريخ الأوطان.
- حروب الانتقالي.. استفتاح دورات العنف

من الواضح جدا أن الطريقة التي تنتهجها مليشيات المجلس الانتقالي لا يمكن أن تفضي لدولة حقيقية بقدر ما تؤسس لدورات عنف متتالية وتستدعي ثأرات عديدة، قبلية وجهوية وسياسية، وتلك نتيجة طبيعية ومتوقعة بالنظر للوسائل المتبعة في منهجية الانتقالي وسلوكياته الباعثة لكل الأمراض المجتمعية والمولدة لكل أسباب الصراعات المستديمة في أي مجتمع يتلقى هذا الكم من التحريض والغوغائية والعنف المفتوح منذ سنوات.
بناء على هذا، فإن ما يقوم به الانتقالي هو افتتاح مرحلة تأريخية من العنف والعنف المضاد، ستحول الجنوب لساحة صراع مفتوح يتقاتل فيها أبناء البلد الواحد على طواحين الهواء، وهذه ليست تكهنات خيالية أو تخويفات استباقية، بقدر ما هي بديهيات معروفة يكشف عنها التأريخ القريب للجنوب، وتركيبته المجتمعية ذات القابلية البنيوية للتكتلات العصبوية والاستقطابات السياسية الصانعة للعنف بشكل يجعل شعارات الدولة سرابًا بعيد المنال، وحلمًا مضرجًا بدم الأخوة الأعداء.
- لمصلحة من تمزيق البلاد؟
إن يمنًا قويًّا متماسكًا ومستقرًا قبل أن يكون هدفًا عامًا وحلمًا تأريخيًا لأبنائه جنوبًا وشمالا، هو أيضًا إضافة جيدة لأشقائه ورصيدًا تأمينيًا للأمن القومي العربي والخليجي على وجه التحديد. بمقابل هذا فإن أي تشظيات جغرافية تصيب البلاد وتنهك عناصر قوتها، فإن الأمر خسارة معممة على الجميع، لاسيما لو حدث ذلك عبر طرق بدائية تهدف لفرض واقع جبري بأكثر الأساليب عنفًا وتكلفة.
بهذه الحالة، فإننا نكون أمام تفخيخ جديد يستهدف إنهاك عوامل القوة الذاتية في اليمن ويفقدها ذخيرتها التأريخية الحية وعوامل نهوضها، الأمر الذي يطيل زمن عطالتها ويجعلها أرضًا خصبة لتصدير عوامل الفوضى لمحيطها، لجانب إتاحة فرص كثيرة لأعداء كثر ومنهم إيران في أن يضاعفوا من أوراق قوتهم ومنافذ تسللهم لخنق الخليج واللعب على وتر التناقضات الداخلية في البلد اليمني واستغلال التوترات الحاصلة فيه لمواصلة استهداف الأمن القومي الخليجي، انطلاقًا من شمال اليمن إضافة لجنوبه، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار العلاقة التأريخية الوطيدة بين قيادات الحراك الانفصالي وإيران، والتي تكشفت منذ فترة طويلة، عن طريق تقارير صحفية تحدثت بوضوح عن عمق العلاقات الراسخة بين الطرفين والزيارات المتواصلة لقيادات الحراك لضاحية لبنان، وتلقي الدعم والتدريب والتنسيق لعناصر الحراك بواسطة ذراع إيران الرئيسي في المنطقة (حزب الله في لبنان).
الخلاصة، نحن أمام مغامرة تأريخية خطيرة يقوم بها ما يسمى بالمجلس الانتقالي الجنوبي، وهو في حقيقته تجمع لشخصيات جنوبية محدودة، لا تتمتع بثقل تأريخي كاف ولا يمكنها ادعاء حق تمثيل الجنوب حصرا، لكن ظروفا زمنية عديدة تقاطعت ومنحتهم فرصة للاحتشاد وتكوين تشكيلات مسلحة بدعم من دولة خارجية لديها أطماعها التوسعية في اليمن وتسعى لتعزيز نفوذها الإقليمي وضمان مصالحها عن طريق تمكين فصيل يدين بالولاء الكلي لها ومستعد لمقايضتها على كل شيء، طالما وفرت له التموين والإسناد الكاف لتحقيق رغبته في استملاك مصير الجنوبيين بطريقة قسرية ودونما اكتراث لتبعات ما يمكن أن يحدث نتاج هذه المغامرة الكارثية، على مستوى الداخل والخارج.
الأمر الذي يجعلنا أمام حالة تأريخية صادمة، ومهزلة انقلابية جديدة لا تختلف مطلقًا عن مهزلة انقلاب المليشيات الحوثية في صنعاء على الدولة اليمنية وما خلفته من كوارث متتالية ما زلنا نعيش تداعياتها حتى اللحظة، وتلك هي نتائج المغامرات المليشاوية التي تعتقد أن اختطاف إرادة الناس بالقوة يمكن أن يفضي لواقع مستقر، يتمكن فيه اللصوص من استملاك مصائر الشعوب بهذه السهولة ويذعن لهم الناس دونما أي ردة فعل مناهضة لهذا السلوك البدائي في إخضاع الأمم وتجريف تأريخها تبعًا لمزاجية عصابة بلا عقل ولا مشروعية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.