علمت المساء برس من مصادر موثوقة أن انصار الله يستعدون لإستقبال رفاة زعيمهم ومؤسس حركتهم السيد حسين بدر الدين الحوثي وإقامة مراسيم العزاء والدفن إبتدءاً من ظهر الأربعاء القادم وحسب المصادر فإن مسؤولين حكوميين وشخصيات إجتماعية وحزبية ستشارك في تقديم العزاء إضافة الى ضيوف من خارج الوطن لم يفصح المصدر عنهم . في ذات السياق يجرى على قدم وساق إستقبال مجموعة كبيرة من الإعلاميين الذين سيتوافدون على صعدة مساء الثلاثاء لتغطية الحدث وقد أستبق الصحفي عابد المهذري ما سيحدث يوم الأربعاء بكتابة تخيلات عن الأربعاء وكون المهذري من أبناء صعدة وناشر ورئيس تحرير الديار فهو يحظى بشهرة كبيرة في صعدة والمحافظات الأخرى وقد كتب كثيراً عن الحركة الحوثية من خارجها وعن آخر ما كتبه تعيد المساء برس نشره والذي جاء تحت عنوان تخيلات لأربعاء صعدة يوم تشييع الحسين : أنه لا علاقة بنا نحن البشر بما يحدث هنا في صعدة.. أكاد أجزم بذلك من واقع متابعتي الدائمة لتطورات الأوضاع ومراقبتي للمستجدات منذ الحرب الأولى في 2004م حتى ثورة 2011م وما رافقها من تراجيديا متسلسلة ودراماتيكية صادمة.. وصلت بالوضع في صعدة إلى ما هو عليه الآن من واقع معاش لم يكن أحد يتوقعه أو يتنبأ به أو يسعى لتحقيقه.. بما فيهم الحوثيين أنفسهم!!
من يرتب الأقدار في صعدة ليس بشر .. ومن يتحكم بالإيقاع ويضبط الزمن غير موجود على الأرض.. لو كان للبشر دور فيما جرى ويجري في صعدة لكانوا قد حالوا دون رغبات وغايات بشر آخرين.. لكانت الحروب الست الطاحنة قد انتهت بالنصر المؤزر للطرف الأقوى.. لكانت مجريات الأمور في صعدة تخضع للسنن المعمول بها في الكرة الأرضية!! صعدة غير.. خلال المعركة وأثناء السلام.. إنها معلقة يبن السماوات العلا والأراضين السفلى.. روحها ترفرف وسط الغمام والجسد ينداح تحت التراب.. تماما كما جثمان السيد حسين بدر الدين الحوثي.. الذي يشاء القدر أن يكون في حياته ومماته همزة الوصل بين ما له علاقة بالفعل البشري والعمل الخفي اللامرئي المتحكم في دوران صعدة في فلك المتغيرات المثيرة.. والمحفزة للألباب الفطينة لتقصي الحلقة المفقودة والعثور على مفتاح الأسرار وشفرة المسيرة. ها نحن الآن على مشارف بلاد الهادي.. لا أدري كم أمامي من مواكب المعزين وما ورائي.. هناك حشد ضخم من السيارات المحملة بالناس.. موكب طويل لأبعد مدى أخال أول سيارة منه في صعدة والأخيرة في صنعاء التي جئنا منها.. ربما غيري سيقول إن نهاية هذا القطار أبعد وكل يربط آخر الموكب من حيث أتى.. فالمحتشدون هنا مئات الآلاف.. لن أقول عدة ملايين رغم قدرتي على الرهان بوصول العدد إلى حشد مليوني.. جاءوا من كل مكان للمشاركة في تشييع الحسين بن بدر الدين.. تلبية لدعوة أنصار الله واستجابة لوازع كرامة وحرية ينبض في عروق كل فرد حضر هذه المناسبة المهيبة حد الرهبة.. قولا وفعلا.. معنى ودلالة.. حاليا ولاحقا.. شخصا ومكانا.. اسم وحدث.. يوم يسجله التاريخ في سفر الأساطير الملحمية . هذه أضخم جنازة أقف أمامها زاعما أنها الأكبر في تاريخ اليمن ومن أكبر الوداعيات في تواريخ العرب.. ها هي الأمواج البشرية المتلاطمة تملأ صعدة وتسد قوارع الطرقات المؤدية إلى المحافظة.. أكاد أعتقد لهول ما أرى من حشد عرمرم أن سكان الجزيرة العربية موجودون في الديار الصعدية.. إنهم طوفان ينهمر زرافات كالسيل.. أناس من كل شكل ولون.. من عموم الوطن.. من جميع أنحاء اليمن .. من كافة المحافظات.. من الشمال والجنوب.. من تهامة البحر ومأرب الصحراء .. يلتقون في صعدة.. لا يبحثون عن مغنم أو يسعون لمصلحة ومكسب . لم يجبرهم أحد أو تربطهم علاقة بالفقيد الراحل.. معظمهم لا يعرفونه وأكثرية أنصار الحسين لم يلتحقوا بركبه إلا بعد وفاته منذ ثماني سنوات.. لقد حرصوا على ما يبدو في هذه اللحظة على التعبير عن موقف وتجسيد مبدأ.. إرساء قيمة وإحياء منهج .. والانتصار لقضية وطنية وإنسانية بمشاعر نابعة من أعماق الضمير الأخلاقي.. وجدوا في روح السيد حسين وفكره ومسار حياته الخلاصة التي يبحث عنها جميع الحاضرين في مقام "سيد مران" وهو يوارى الثرى رسميا على مرأى ومسمع.. عبر مراسيم أكبر من رد الاعتبار وإجراءات تليق بمكانته تفوق كل الاعتبارات.. ليصدق حقا ذلك الترنيم الحوثي الشجي: مثلنا ما مات مجهول الهوية!! أووووووووووووووووووووه .. يزم شفتيه صاحبي المذهول من الحشد الضخم معبرا عن صدمته وذهوله بطريقته .. يبتسم شخص بجوارنا ويدعوه للصلاة على النبي.. ليس غريبا على صاحبي أن يتفاجأ بهذه الحشود.. إنها مذهلة بحق وحقيقة لم نر مثيلا لها في شاشات التلفاز أو ميادين الثورات السلمية.. إنها أقرب للصورة التي نراها في السنة مرة واحدة بموسم الحج إلى الكعبة المشرفة.. بيد أن الحجيج للحرمين الشريفين يأتون من كل بلدان العالم ودول الإسلام لأداء فريضة سماوية .. أما هؤلاء المحتشدين في صعدة اليوم فلم تنص أركان دينهم الخمسة على ضرورة المشاركة في جنازة السيد حسين.. وهذا هو الفرق والفارق والخيط الرابط بين اسرار السماء والأرض.. عبر حبل سري يمتد من اكسير خلود العظماء وعروة الأفذاذ الوثقى.. صناع المجد.. أصحاب بذور التجديد والتغيير.. ومضات الضوء التي لا تخبو.. رائحة العروبة الباقية عبر الدهر.. بذرة صعدة التي لا تذبل زهور غرساتها على مدى الأزمان.. نبع لا يجف وكف لا تضعف.. وجه لا يخلف وعنوان لا يختلف.. قلب لا يخف ووعد لا يحنث.. غير أن ما أشاهده الآن يحتاج إلى الكثير من الوصف.. التفاصيل في المناطق والأمكنة التي مررنا فيها تحتاج إلى رصد وسرد.. الحكايات والقصص التي سمعتها بحاجة توثيق ونقل.. لكن صعدة وهي تودع سيد المسيرة القرآنية وقائد أنصار الله والحركة الحوثية تكاد أن تكون أقرب صورة ووصفا من يوم المحشر.. إن هذه الجموع الغفيرة والمجاميع العرمرمية تتطلب مفردات جديدة من خارج القاموس اللغوي.. فالكلمات الموجودة والمستهلكة عاجزة عن توظيف المشهد ولا تكفي لإيجاز وشرح اللحظة الماثلة.. يا الله.. كم هو هذا الرجل الذي تودعه الملايين هذا اليوم "الأربعاء" منفردا بالاستثناءات في زمن التشابه والتطابق والاستنساخ.. كم هو حسين بدر الدين الحوثي حالة تتفرد بالثبات في عصر التغيير والمتغيرات.. اعذروني إن خرجت عن السياق وابتعدت عن صلب الموضوع.. فالتداخلات في الحدث وتداخل أحداث المشهد تفقد الواحد التركيز.. إذ كل شيء مرتبط بالسيد حسين يتطلب وقفة وتوقف ووقوف.. وها هي الحشود تستعد للوقفة الأكبر في جبل الجميمة.. حيث سيرقد الحسين بن بدر الدين في ضريح الخلود الأبدي.. بعد رحلة طويلة حافلة بالدروس والعبر وروزنامة حقائق وشواهد التأكيد والإثبات على أن ما يحدث في صعدة ليس من صنع بشر. لا طائل من الحديث عن قصة السيد حسين.. فالجميع ملم بتفاصيلها من البرلمان إلى جرف سلمان.. ماهو جدير بالطرح حاليا.. ذلك الامتزاج المؤثر بين أصوات آيات القرآن وعبارات الدعاء بالرحمة والغفران وهي تختلط في بوتقة واحدة مع هتافات تهز أركان المكان تصرخ بالنصر للإسلام واللعنة والموت على إسرائيل واليهود والأمريكان.. علامات الحزن والابتهاج يجتمعان في وجه واحد لدى الحاضرين للمشاركة في التشييع والعزاء.. صوت يردد بأنفة وكبرياء: ما نبالي ما نبالي ما نبالي... ليرتد الصدى بشجن ولهفة: ويش ذنب حسين وابن البدر غالي (متسائلا) فيرد باستعجاب : ذنبه القرآن والا الهاشمية !!