جميع التيارات الدينية غير الرسمية التقليدية والحركية المنتمية إلى جميع المذاهب الإسلامية، والمعبرة عن كل الاتجاهات الفكرية والميول السياسية، لها حضور في المجتمع السعودي، لكن غير معترف بها رسمياً. في مقدمة اطروحته للدكتوراه التي جاءت بعنوان "زمن الصحوة" المخصص لبحث وضع الحركات الإسلامية المعاصرة في السعودية، وبالأخص حركة الإخوان والصحوة، يؤكد الباحث في معهد العلوم السياسية في باريس ستيفان لاكروا،على ان المملكة العربية السعودية بقعة مُعتمة باستمرار خصوصا في الدراسات التي تتحدث عن شؤون الحركة الإسلامية. مضيفا أن جميع المؤلفين متفقين على أن التأثير الدِّيني للمملكة، القوي بالاستقطاب عامل أساس في ظهور الحركات الإسلامية وانتشارها في الشرق الأوسط، لكن قلّة منهم يستطيعون وصف النطاق العام لذلك التأثير وطرائقه بأية دقّة ممكنة، وغالباً ما يتراوح الوصف بين التبسيط الزائد المُضحك والتبسيط الزائد المُغضب. ولأن الأمر كذلك، فأن أي محاولة رصد وتحليل تأثيرات ثورات الربيع العربي على الاسلام السياسي في المملكة، بشكل خاص، ستكون له قيمة وأهمية كبرى، خصوصا لدى المهتمين بهذا الشأن. وعلى الرغم من الاعتقاد السائد بأن المملكة قوة تنشر الإسلام، بحسب لاكروا، فأنه يُنظَر إليها كذلك على أنها كانت واقعة تحت التأثيرات المنبعثة من أغلب التيارات الإسلامية التجديدية في القرنين التاسع عشر والعشرين. وقد نقلت هذه التأثيراتُ صوراً حديثة للنشاط الإسلامي، الذي تزاوله الحركات الإسلامية في المناطق الأخرى في الشرق الأوسط، إلى المملكة. والتقاء هذه الثقافة الحيّة مع بعض تعاليم الشيخ محمد بن عبد الوهّاب، ولّد تياراً إسلامياً سنّياً محلّياً داخل المملكة يتميّز بالتعقيد والتنوّع على غرار الحركات التي أثّرت فيه. ويختلف ذلك التيار في جوهره عن واقع الحركات الإسلامية في أغلب بلدان الشرق الأوسط.إذ ان الإسلام في المملكة العربية السعودية مصدر للتنازع الجوهري: من قبَلِ السلطة والإسلاميين من جهة، ومن قِبَلِ الإسلاميين أنفسهم لتعدد التصورات التي تُلهمهم، من جهة أخرى. وتتجلّى هذه النزاعات أحياناً، بحسب لاكروا، في صيغ عقدية وفقهية يمكن أن توحي بأنها بعيدة جداً عن الوقائع المُعاشة. لكن في أغلب الأحيان، تجد تلك النزاعات نفسها تقريباً - أي أنها تُغذِّي وتتغذّى - على صلة بالديناميات الاجتماعية المصاحبة: سواء أكانت صراعات رأسية بين أفراد ينتمون إلى طبقات مختلفة في الهرميات الاجتماعية، أم صراعات أفقية بين قوى تنتمي إلى قطاعات اجتماعية مختلفة. وبالتالي فإن الإسلام في المملكة العربية السعودية هو اللغة الأساسية التي بواسطتها يتم التعبير عن المنافسات الاجتماعية(1). لذلك فأن في الساحة السعودية العديد من التيارات الدينية، التي يعبر كل واحد منها عن اسلام يختلف عن التيار الاخر نظرا لطبيعة المدرسة المذهبية أو الفكرية التي ينتمي إليها، فهناك اسلام شيعي وآخر سني وضمن هذين التصنيفين العريضين تندرج اشكال مختلفة من "الإسلامات" إن جاز التعبير، التي يعبر كل واحد منها عن اتجاهات وميول فكرية معينة، لذلك هناك ما يسمى بالإسلام القاعدي أو التنويري أو التقليدي أو المتشدد وغيرها من الاسلامات. علما بأن نشأت تلك الاشكال والتعبيرات المتنوعة عن الاسلام سواء السياسي او التقليدي ليست حديثة. فقد رصد وعبر الباحث السعودي خالد المشوح عن هذه الظاهرة في كتابه الموسوم ب"التيارات الدينية في السعودية من السلفية الى جهادية القاعدة وما بينهما من تيارات"، إذ اشار في مقدمته إلى أن الحراك الديني السعودي ليس وليد العقود الأخيرة إذ إن صلة المجتمع السعودي وقبل ذلك مجتمعات الجزيرة العربية بالدين، صلة وثيقة قبل قيام الدولة السعودية ومنذ بزوغ فجر الاسلام والبعثة النبوية التي انطلقت ممن غرب الجزيرة العربية العام 665 ميلادية. والذي كشف أن العلاقة التاريخية بين الدين والمجتمعات العربية هي علاقة مصيرية لا يمكن تفكيكها أو القفز عليها، نتيجة التماسك العقائدي الاجتماعي الذي جاء به الاسلام ليكون محطة مفصلية في التاريخ البشري(2). بيد أن جميع التيارات الدينية غير الرسمية بشقيها التقليدي والحركي في المملكة المنتمية إلى جميع المذاهب الاسلامية والمعبرة عن كل الاتجاهات الفكرية والميول السياسية، لها حضور في المجتمع السعودي، لكن غير معترف بها رسمياً، وما زالت تمارس انشطتها المختلفة بصورة غير نظامية وبشكل "سري" غالبا. في حين أن معظم الحركات الإسلامية في العديد من البلدان العربية، تمارس انشطتها بصورة نظامية وعلنية أيضاً، خصوصا في دول الربيع العربي، التي اصبحت فيها حركات الاسلام السياسي هي اللاعب الاساسي في السلطة. بينما الاسلام الرسمي في المملكة، أو مذهب الشيخ محمد بن عبد الوهاب، أو المذهب "السلفي" كما يسمى الآن، هو الوحيد الذي تعترف به الدولة، بل وتستمد منه خطابها الديني. كما تقوم المؤسسة الدينية الرسمية على ارضية هذا المذهب ويختار زعماؤها من بين كبار شيوخه(3). خارطة تيارات الاسلام السياسي وفي ما يتعلق بخارطة تيارات الاسلام السياسي في المملكة، محل الدراسة، فيمكن تقسيمها الى ما يلي: المؤسسة الدينية الرسمية، ويمكن تسميتها اختصارا بالإسلام السياسي الرسمي. التيارات الدينية الحركية السنية، ويمكن تسميتها اختصارا بالإسلام السياسي السني غير الرسمي. جالتيارات الدينية الحركية الشيعية، ويمكن تسميتها اختصارا بالإسلام السياسي الشيعي. القوى الاصلاحية الوطنية الصاعدة، ويمكن تسميتها اختصارا بقوى الاصلاح الوطني. يشار إلى أن التيارات الدينية التقليدية، سواء كانت سنية أو شيعة ليست معنية بالبحث، لعدم اهتمامها بالشأن العام، أو بما يجري في المجال السياسي تحديداً، كما انها لا تمارس أي دور من شأنه ان يساهم في تشكيل الحالة الاسلامية السياسية. ونظرا لتك الاعتبارات فهي ليست معبرة عما يمكن تسميته بالإسلام السياسي السعودي. الهوامش: (1) لاكروا، ستيفان:زمن الصحوة (الحركات الاسلامية المعاصرة في السعودية) ط 1 بيروت 2012. (2) المشوح، خالد عبد الله:التيارات الدينية في السعودية من السلفية الى جهادية القاعدة وما بينهما من تيارات، ط.2، الانتشار العربي، بيروت 2012. (3) السيف، توفيق:التيار الديني والدولة في المملكة(تحليل لمسار العلاقة وتاثيرها على الحراك الاصلاحي) شبكة راصد الاخبارية 2012.