تحليل محمد بدير إلى فترة غير بعيدة، كانت إسرائيل تجاهر بارتياحها حيال ما رأت فيه غرقاً واستنزافاً لحزب الله في الحرب السورية. ولكن، منذ وقت قريب، بدأت تلوح مؤشرات إعادة نظر في تشخيص هذه «الفرصة» إسرائيلياً، لتكتشف فيها تل أبيب وجهاً آخر، هو إضافة أبعاد جديدة إلى التهديد الذي يمثله الحزب على صعد مختلفة، منها: مراكمة خبرات عسكرية في سوريا، تحوّله من منظومة قتالية دفاعية في الدرجة الأولى إلى منظومة هجومية تستعين بالطائرات المسيّرة وتستخدم الدبابات وتستفيد من «درجة عالية من المعلومات الاستخبارية». كذلك فإن الحرب السورية أنتجت واقعاً مستجداً، من وجهة نظر الاستخبارات الإسرائيلية، صار معه «المحور الراديكالي» الممتد من طهران إلى حزب الله مروراً بسوريا جبهة واحدة، أعضاؤها ملتزمون بعضهم تجاه بعض بالمشاركة في أي حرب يتعرض لها أو يخوضها أحدهم. وفي مواجهة هذا التطور في قدرات الحزب العسكرية، فإن الرد الإسرائيلي، بحسب دراسة أكاديمية إسرائيلية حديثة صدرت عن «مركز بيغين السادات»، هو خطة أعدها الجيش تتضمن عملية جوية وبرية واسعة تستند إلى موارد استخبارية جديدة وثورة تكنولوجية على مستوى التنسيق المركزي، هدفها إنزال «ضربة قاضية» تقضي على الحزب كقوة مقاتلة على مدى سنوات. ونشرت صحيفة «هآرتس»، أمس، تقريراً رأت فيه أن الخشية من اندلاع مواجهة عسكرية فورية على الحدود الشمالية آخذة بالتراجع في ضوء رسوخ «توازن الردع المتبادل بين إسرائيل وحزب الله الذي يلجم الجانبين». وفي مقابل هذا التراجع، سُجّل تعزيز للتحالف بين حزب الله ودمشق وطهران دفع المؤسسة الأمنية في إسرائيل إلى تغيير تقديراتها الاستخبارية. وبحسب الصحيفة، فإن السؤال الذي شغل على مدى أعوام شعبة الاستخبارات العسكرية وقيادة المنطقة الشمالية بدأ يصبح أكثر وضوحاً. «ففي الماضي تساءلوا في إسرائيل عن رد فعل الأعضاء الآخرين في التحالف الرديكالي في حال اندلاع مواجهة مع حزب الله. و(الآن) الفرضية المحدثة للجواب عن هذا التساؤل ليست مشجعة: توثّق التحالف بسبب المساعدة التي يقدمها حزب الله وإيران إلى النظام السوري يعمّق التزام هذا النظام تجاه حلفائه. إيران والنظام السوري وحزب الله هم الآن إلى حد كبير جزء من جبهة مشتركة قد يجري تفعيلها في وجه إسرائيل إذا اقتضت الحاجة». وتشير الصحيفة إلى أن هذا الالتزام سيؤثر في المستقبل على الرد السوري في حال حصول تصادم بين إسرائيل وحزب الله أو في حال حصول هجوم إسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية. ونقلت عن مصادر استخبارية إسرائيلية حديثها عن «درجة عالية من الحميمية» بين الشركاء في التحالف الراديكالي «في ظل دور قيادي واضح لإيران». ووفقاً لذلك، «سيجد الشركاء في التحالف صعوبة في البقاء على الحياد». أما عن المساهمة التي يمكن سوريا أن تقدمها إلى حزب الله خلال الحرب، «فيمكن أن تأتي على شكل إشعال حوادث إطلاق نار منخفضة اللهب نسبياً على امتداد الحدود في هضية الجولان بحيث يجري تخصيص قوات من قبل الجيش للمرابطة وراء الحدود عوضاً عن هضبة الجولان». من جهة أخرى، تلفت الصحيفة الى أن «حزب الله يتغير بما يتناسب مع الأوضاع. فحتى عام 2006 تخصص الحزب في تشغيل الصواريخ ضد العمق الإسرائيلي وفي الانتشار الدفاعي داخل القرى الجنوبية لصد محاور التقدم المحتملة للجيش الإسرائيلي. أما اليوم، وبفضل الحرب السورية، طوّر الحزب قدراته على تنفيذ عمليات هجومية مركزة. وفي المعركة المهمة في بلدة القصير، في حزيران الماضي، شغّل حزب الله دبابات سورية واستعان بطائرات غير مأهولة كما استخدم مستوى عالياً نسبياً من الاستخبارات. وهو راكم خبرات مهمة في حرب المدن مستفيداً من التنسيق بين الوحدات على مستوى فصيل وما فوق. إلى جانب ذلك، لم يتنازل الحزب عن انتشاره في جنوبلبنان في مواجهة إسرائيل، وهو مبني بطريقة تمكّنه من إطلاق عدد كبير من الصواريخ على إسرائيل من دون أن يترك أي بصمات استخبارية قبيل شن الهجوم الصاروخي». أما في ما يتعلق بالحرب المستقبلية، فتكشف «هآرتس» عن وجود فهم إسرائيلي لتغيير تدريجي في تصور إيران والمحور الراديكالي إزاءها. «فإذا كانت الفكرة السائدة في الماضي هي أن من الأفضل للعرب إدارة حرب استنزاف ضد العمق الإسرائيلي، هناك اليوم اتجاه آخر، إذ إن الإيرانيين وحزب الله يفترضون أن القصف الإسرائيلي سيسبّب ضرراً كبيراً ومتواصلاً، ولذلك باتوا يفضلون إنزال ضربة قوية ومركزة في الأيام الأولى من الحرب، انطلاقاً من التعويل على أن المجتمع الدولي سيتدخل ويلجم إسرائيل فوراً بعد ذلك. لذلك، عندما تندلع الحرب، سيكون على الجيش الإسرائيلي الاستعداد لتلقّي آلاف الصواريخ ضد العمق الإسرائيلي في اليومين أو الأيام الثلاثة الأولى. وهذا الواقع سيوجب اتخاذ قرارات سريعة على المستوى السياسي، بنحو مختلف كلياً مقارنة بعام 2006». لكن «هذه السيناريوات تبدو في هذه المرحلة مشهداً مرعباً بعيداً نسبياً»، لأن كلاً من حزب الله وإسرائيل ليس لديهما، بحسب الصحيفة، مصلحة في الحرب. والهدوء النسبي الحالي، تضيف هآرتس، يرتكز أساساً على الردع المتبادل، «فكما أن قوة التدمير الهائلة للجيش الإسرائيلي تردع حزب الله، تخشى إسرائيل كذلك عشرات آلاف الصواريخ الموجودة في حوزة الحزب. وفي ظل غياب مصلحة مباشرة في المواجهة، يمكن الجيش الإسرائيلي الاستمرار في تطوير وإعداد نفسه لوقت الحاجة». ورغم ذلك، تستدرك الصحيفة، لا تزال المخاطر قائمة، «لأن عدد العناصر النشيطة التي يمكن أن تؤدي إلى اشتباك أكثر من الماضي». إلى ذلك، رأت دراسة جديدة صدرت عن «مركز بيغين السادات للدراسات الاستراتيجية» أن حزب الله يواصل تنمية قدراته العسكرية الهجومية رغم تورطه في الحرب السورية، وهو الآن ينشر نحو 80000 صاروخ في البقاع والجنوب موجهة نحو إسرائيل، ويسعى إلى زيادة ترسانته من الصواريخ الدقيقة المتوسطة والبعيدة المدى. وبحسب الدراسة، يأمل الحزب استخدام هذه الترسانة ليشل البنية التحتية الإسرائيلية، بما في ذلك الموانئ والمطارات ومنشآت توليد الطاقة الكهربائية، إضافة إلى مراكز التحكم العسكرية في أي حرب مستقبلية. وفي المقابل، يجري في إسرائيل إعداد الرد العسكري على هذا التحدي من خلال التخطيط لتوجيه ضربة سريعة ومدمرّة وقاضية ضدّ حزب الله. وبحسب الدراسة، تجمع خطة الجيش الإسرائيلي بين قدرات جوية غير مسبوقة لتدمير مئات الأهداف يومياً، بأسلحة دقيقة، ومناورة برية تستعد الوحدات المشاركة فيها منذ أعوام لتنفيذ «غزو صاعق» لجنوبلبنان وتدمير البنية التحتية لحزب الله من خلال توليف استخدام الدبابات والمشاة والمدفعية وطواقم الهندسة. كذلك تستند الخطة إلى موارد استخبارية جديدة وإلى ثورة تكنولوجية في القدرة على التنسيق الشبكي الممركز الذي يتيح لأذرع الجو والبحر والبر تنسيق هجماتها والبقاء على تواصل استخباري في الوقت الحقيقي. ولفتت الدراسة إلى أن الجدل الذي كان قائماً داخل الجيش الإسرائيلي في السنوات الأخيرة حول أفضل السبل «لإطفاء» نيران صواريخ حزب الله قد حسم لمصلحة الرؤية التي ترى أن كل العناصر ضروريّة في صراع واسع النطاق، لضمان الانتصار في أسرع وقت ممكن، بما فيها الهجمات الجوية والتوغل البري. وأشارت الدراسة إلى أنّ حزب الله يستغل وجوده في سوريا لاستيراد أسلحة استراتيجية إلى لبنان لاستخدامها لاحقاً ضد إسرائيل. ولفتت إلى أن النظام السوري الذي بات مديناً لإيران وحزب الله في بقائه، «يتماشى تماماً مع الطلبات الإيرانيّة لتسهيل نقل الأسلحة إلى حزب الله». وتوقفت الدراسة عند المعضلة الدائمة التي تواجهها إسرائيل بين اعتراض شحنات الأسلحة التي تنقل إلى حزب الله «والمخاطرة بحرب معه أو السماح له بمواصلة بناء ترسانته». هاليفي: الحرب لن تحل المشكلة أعرب قائد فرقة الجليل، الجنرال هرتسي هاليفي، عن اعتقاده بأن الحرب المقبلة مع لبنان ستندلع في أيام خلفه في المنصب الذي سيتركه بعد أسبوعين. وقال هاليفي في مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز»: «لا أعتقد بأن حرباً أو عملية عسكرية ستحل المشكلة» مع لبنان، مضيفاً أن «المسألة هي كيف يمكن إيجاد مساحة زمنية واسعة قدر الإمكان بين الحروب». ولفت إلى أن الأمر «لن يكون سهلاً، نحن مستعدون لدفع ثمن وخوض الحرب بتصميم وصلابة من أجل أن تكون هذه المساحة الزمنية كبيرة قدر الإمكان». ورأى هاليفي، الذي سيتسلم قيادة كلية القيادة والأركان في الجيش، حيث سيكون مسؤولاً، وفقاً للصحيفة، عن تدريب الضباط على الحرب المقبلة مع حزب الله، أن هذه الحرب ستندلع جراء واحد من ثلاثة أسباب: هجوم إرهابي مثل تفجير حافلة السياح في بلغاريا، لكن «أكبر بقليل»، أو تدهور الأوضاع في سوريا، أو هجوم إسرائيلي على لبنان إذا ما اكتشفنا أن سلاحاً كيميائياً إنتقل إلى حزب الله. وأشارت الصحيفة رغم كل التصريحات المتشددة لبنيامين نتنياهو في الشأن الإيراني، فإن العدو الأكثر إقلاقاً للقيادة العسكرية الإسرائيلية هو حزب الله