لا تكتئبوا .. لا تتسرعوا في إصدار الأحكام .. لا تجعلوا من الفراغ وسيلة للتدمير أو معولاً للهدم .. لأنه قاتل .. لا تكونوا كالفئة الضالة . فالعلم نور .. والجهل ظلمات .. فمعاناة شعبنا في أرض الجنوب المحتل لا تستثني أحداً ممن يعيش في محيطها المغلق ، بعد سلسلة الظلم والاضطهاد والقهر والحرمان ، وامتهان كرامة الإنسان ، وطمس الهوية ، ونهب مقدرات الشعب ، وتزوير التاريخ لأرضنا الحبيبة .. أرض الجنوب المحتل .. الشعب يريد رحيل المحتل ، الشعب يريد إسقاط الأوهام ، الشعب يريد إسقاط الظلام ، الشعب ينادي بصوت واحد كالسيل الهادر ، والأسد الكاسر ، إرحل .. إرحل .. إرحل .. فالشعب لا يريدكم ، ولن ينخدع بعد اليوم بحيلكم وزيفكم ، وأكاذيبكم وشعاراتكم المخدّرة ، لقد انكشف المستور ، وخرجت فضائحكم وسرقاتكم وخيانتكم ، وتضليلاتكم للنور ، فتبينت حقائق مساعيكم ، لقد انتهى زمن الوصايا الجبرية على شعبنا الأبي القاصر ، لقد قرأتم رسائلنا ، واستوعب العالم مضامينها ، وتعددت رسائلنا في مختلف المناسبات واخترق شعاعها الأحجار الصماء ، وأضاءت للعالم لتظهر بواطن الخفايا المزرية من خلال نطق حروفها بمختلف اللغات ، حين برهنت للعالم قوة وصلابة إرادة الشعب في وحدة صفه بتعبيره : في يوم الشهداء ، يوم التسامح والتصالح ، جمعة الكرامة ، يوم الرفض للحوار اليمني ، يوم الالتفاف الغادر على القضية الجنوبية ، في نضال سلمي وأسلوب حضاري ، قدم من خلالها قوافلاً من الشهداء وآلاف الجرحى والمعتقلين ، بمليونية وراء مليونية ، ويوم وراء يوم ، وألف الف يوم ، لتفهمون جيداً ما يريد الشعب ، وترحلون وتغادرون بلا رجعة ، محملين بوزر ما سرقتم ، وإثم ما أفسدتم غير مأسوف عليكم .. هذه طائفة من المصطلحات الشجاعة الجديدة التي أضافتها الى قاموسنا البارد ، وفرضتها الى معاجمنا العربية النائمة ، والنفعية ، والمسيّسة ، مدرسة الربيع العربي بجراحها وشهدائها وتضحياتها ، ورصيد تجربتها ، وتحدياتها .. سنوات طويلة من الاستبداد والقهر والاستعباد سممت فكر هذه الأمة المحمدية ، وشوهته ومسخته جيلاً بعد جيل ، وأرضعتهم مفردات الخوف والجبن والاستسلام والتبعية ، مفردات نسبها البعض زوراً وبهتاناً للإسلام وخير هدى الأنام ، ليس بالإمكان أفضل مما كان ، ما بيدنا حيلة ، إتسع الخرق على الراتق ، اقتربت القيامة ، التحذير من تلك الفتنة ، ونسيان ألف فتنة وفتنة ، وانزويتم عن قوله تعالى : (( فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلاّ قليلاً ممن أنجينا منهم ، واتّبع الذين ظلموا ما أُترفوا فيه وكانوا مجرمين * وما كان ربك ليُهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون )) الآية 116 ، 117 سورة هود ، ومن قول النبي محمد صلى الله عليه وسلم : (( مثل القائم على حدود الله والمدهن فيها كمثل قوم استهموا على سفينة في البحر فأصاب بعضهم أعلاها وأصاب بعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم وقال الذين في أعلاها لا ندعكم تصعدون فتؤذوننا ، فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا ، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً ، وإن أخذوا بأيديهم نجوا ونجوا جميعاً )) أخرجه البخاري عن النعمان بن بشير . إن الحوار الراقي والهادئ بين العاجزين : هو مفتاح الإصلاح الأوحد = بيضة لا تتحدى حجراً ، لا تغتروا بنداءات الغرب حول العدل والمساواة والحرية ، إنهم لا يريدون الخير لكم ، وهم يكيلون بمكيالين ، وأنا أشفق عليكم ، وأكيل لكم الوهن والوهم والذل كيلاً ، لا تطفيف فيه بمكيالي المفتوح من أعلاه وأدناه كما تعرفون ، لا تسمعوا لهم فهم يحسدونكم ، وأنا الضمان الوحيد لكم أمام الإرهاب والعدو الخارجي المتربص الذي لا يرحم ، تمسّكوا بالفكر الداخلي ، وحذار .. حذار من الفكر الخارجي ، والعمالة للأجنبي ، وهم أدرى وأعلم وأبصر بالغالي والبخس ، والطهور والنجس ، وحالنا مع سوئه وذله وبؤسه وعاره أفضل من غيرنا . هذا الكلام كرره عدد من أفراد الشعب ببلاهة وسذاجة ، ولم يتوقف أحد ليسأل غيره ، أو يسأل نفسه : من هذا الغير الذي يقارنون حالنا به ؟ وهل يرضى نهج الإسلام الصحيح أن تكون المقارنة مع الأدنى والأسوأ ؟ ومن هو المنتفع بهذه المقارنة المذلة والمخذلة ؟ . لا شك في ذلك بأن المقدمة ربما تكون طويلة جداً ، وبعدت عن الموضوع ، والقصد منها التسويف والتشويق وتجييش المشاعر والتمهيد ونقل الحديث الى أمنية عزيزة أظنها بل أكاد أجزم بأنها تداعب خيال العلماء والعقلاء والحكماء والممانعين السلميين والجرحى والشهداء وأبنائهم وآبائهم وأمهاتهم وإخوانهم وأراملهم ، لا أحد يريد هذا العناء أو يختاره طوعاً ، لا أحد من الشعب الواعي يختار التعب والشقاء والبرد والاختناق والدموع والبلطجية والخسائر والجهد المضني في الممانعة السلمية ، لكن ما الخيار الآخر ؟ . إن نداء الربيع العربي الذي كاد أن يصبح شعاره المميز : إرحل .. إرحل .. إرحل .. ما هو إلاّ نداء أضطر إليه إضطراراً ، قاله بهدوء معاتباً ومنادياً ، وواصل الشعب النداء لأنه لم يكن يعرف في أول الأمر كل الحقيقة المرّة وهي صمم المنادي الاختياري ، وسمعه الانتقائي ، وكبره الأزلي ، وباطنه العفن ، واصل النداء بصوت أعلى وأقوى ، ولم ييأس ، ونادى بمفردات أخرى ، وكلمات جديدة وجريئة اخترقت بعد حين جدار الصمت وبدأت ملحمة إسقاط أصنام الوهم . أمنية عزيزة تدغدغ الأرواح ، وتنتشي لها قلوبنا المتعبة ، متى يتحول نداءنا بحق ويتغير بصدق ؟ متى يغادر قاموسنا ، بل رجعة هذا النداء المخجل ؟ لهم وليس لنا إرحل .. إرحل .. إرحل ، متى تصوغ آيات الكتاب ودماء الشهداء ، وبطولات الميادين نداءً جديداً ولحناً حبيباً ؟ لحناً عذباً ندياً مباركاً ، يتصل سنده العالي بالسماء ، نداءً تتمناه أرواحنا المنقولة شعاراً ، وتعيشه واقعاً ، ونعلّمه أبناءنا ، ونهديه للعالم الحيران . نريد خليفة مسلماً عادلاً ليبقى ينير الأرض بصلاحه وإصلاحه ، يبقى ليعلّم البشرية عدل الإسلام ، وجمال الحق ، يبقى .. ويبقى .. ويبقى ، فالشعب المسلم الواعي يريده ويريد تثبيت النظام ، نظام الاسلام والعدل والحرية والعزة والكرامة والنور ، وإرادة الخير للناس وكل الأرض ، أمنية عزيزة ، نظن أننا بذرنا أول بذورها ، حتى تسطع أشعة شمس الأمل المشرق بعد أن سقيناها بالقليل من دمائنا ، أمنية غالية ، ودعاء مُلِحْ ، ونداء ننتظر مقدمه .. ووعد الله حق .. وما ذلك على الله بعزيز . سالم باعثمان المكلا حضرموت