في فترة من فترات الجهل التي عاشها الشعب اليمني ، وشاعت فيها الخرافة، وقدرة البعض على التحكم بالجن، واكتشاف المخفي، كانت تروى حكاية عن "ابن علوان" الذي كان البعض يظن أنه وليّ من أولياء الله، يشفي المرض، ويبرئ الأعمى، ويزيل العقم وغير ذلك من الأساطير التي يختلقها الدعاة بقصد كسب المال من غير عناء كبير. كانت تروى الكثير من قصص غبن علوان ، حتى كان يتردد بين الناس أنه كان يطعن عينه، ويذبح نفسه من غير أن يموت، حتى أن أتباعه بعد وفاته بنوا له مقاماً ، وصارت الناس تزوره ، وتعتبر ذلك واجباً عليها، وتحمل له السمن والعسل والهدايا الثمينة، ويضعونها على قبره ليعطيهم عوضاً عنها حاجاتهم..! لكن أحد الذين لم يكونوا يؤمنوا بتلك "الكرامات"قدم على قبر ابن علوان برفقة قريب له كان يحمل إليه هدايا وطعام وفير، وفكر في نفسه أن يحتال على تلك الهدايا ، فانتظر قريبه يبعد قليلاً عن القبر ، والتف إلى خلف القبر ومن هناك سحب الهدايا والطعام من أمام القبر ، وحزمها ولحق بصاحبه، ثم التفت إلى القبر وقال ساخراً : "لك الله يا بن علوان من ليّات الرجال"، وما أن شاعت القصة حتى تحولت الى مثل شعبي يردده البعض في المواقف المماثلة. اليوم يتكرر مشهد ابن علوان وقصته ، ولكن بطريقة أخرى، وبلغة جديدة تواكب ثقافة العصر، غير أن خطورتها أكبر، وأشمل مما حدث لإبن علوان ، لأنها تمس مصالح الشعب، وتهدر المال العام ، وتسيء للوطن، وتحقر قوانين الدولة ، ونظام الحكومة . فهذا مسئول عن مؤسسة هامة من مؤسسات الدولة التي تقع عليها مهمة بناء الأجيال، وتطوير المستقبل ، يعفي موظفاً لم يأت يوماً لموقع العمل حتى لساعة واحدة منذ توليه الوظيفة ، ليقال أنه يعمل مندوباً لهذه المؤسسة الهامة خارج مديريته، في الوقت الذي هو متعاقد بعمل آخر في مكتب حكومي في المحافظة، لكن عندما نعارض ذلك ، ونتحدث به أمام الملأ نجد أنفسنا قد أصبحنا أعداء المصلحة الوطنية، ويصيبنا ابن علوان بغضبه . وذاك آخر بالأمس كان من دعاة العصيان على الدولة ، ومن أشد المناوئين لنظام الحكم، ومن أكبر المقلقين للأمن نجده اليوم يتملك رقاب المدافعين عن الوطن، ومن كان يقف الى جانب الشرعية الدستورية عندما كان هو يقف في خندق المواجهة المناوئ للشرعية، والمتمرد على قوانين الدولة، ويومها كان يصف موقفنا الوطني بالعمالة ن والرجعية، والامبريالية..الخ. فكيف الحال وهو يسعى اليوم لحكمنا بعقليته القديمة التي يحتال بها على ابن علوان لنصبح موضعاً لجبروته ، وفساده!؟ وكيف الحال وقد أصبح من يعارض الفساد، والمواقف التي لا تخدم المصلحة الوطنية يوصف بالمعارض – حتى وإن كان لا ينتمي لحزب أو تنظيم أو حتى جمعية خيرية!؟ وكل ذلك يحدث لأنه عمل مثلما عمل صاحبنا مع ابن علوان. هؤلاء نماذج بسيطة ممن يتلاعبون على أنفسهم قبل الوطن والشعب، ولكثرة ألاعيبهم لا يعنيهم أن الظرف حرجاً في الوقت الذي بات الوطن أكثر اتساعاً للجميع ، وبوسع الديمقراطية كفاية كل ممارسة مجتمعية أو سياسية. لكن لكي يعلموا بأن توجهات القيادة السياسية أصبحت واضحة وجلية في مكافحة الفساد ، ومحاربة الفاسدين، والمفسدين لابد أن تطولهم يد العدالة، لبتر أيديهم، وقطع ألسنتهم السليطة، ودفن فسادهم في نحورهم فتأمن الناس شرورهم ، ومكائدهم ، وتكف عن سماع من يقول "لك الله بابن علوان من ليّات الرجال"!!