إننا اليوم نعيش في عهد الجمهورية والحرية والوحدة والديموقراطية والأمن والاستقرار ودولة المؤسسات والنظام والقانون والجيش والقوات المسلحة والأمن المركزي والحرس الخاص والأمن الوطني والحرس الجمهوري والشرطة والصاعقة والمظلات والمغاوير والبرية والبحرية والجوية والطيران والمدفعية والدفاع والداخلية والجيش الرسمي والشعبي ويعمل في كل هذه المراكز رجال من مختلف أرجاء الوطن وجميع فئاته الطيبة عاهدوا الله من غير رجعه للماضي ومخلفاته السيئة ووهبوا أنفسهم للوطن والمواطن.. من المؤسف حقاُ أن يترجم أولئك الأشخاص مفهوم الحرية بعقلية ضيقه تتناسب مع أفكارهم وطموحاتهم التآمرية التي تسعى وراء الإطاحة بمنجزات الشعب ومقدرات الوطن التي بذل الشعب من اجلها كل غالٍ ونفيس. اليوم نسمع عن تأسيس مجلس جديد لنفر من المغتربين في بريطانيا وكندا وثلاثة أشخاص من أمريكا، ليبلغ إجمالي أعضاءه من المغتربين (15) نفراً لا غير- بحسب ما أورده موقع "عدن برس" الذي يبث من أوربا- من بين جالية يتجاوز تعدادها 300 ألف نسمه.. اليوم نكتشف أمر المجلس وغاياته وأهدافه، إذ قامت مجموعة ال (15) نفراً، ودون علم الآخرين، ولو من باب المجاملة- باختراع نظام ودستور جديد لليمن- حكومة وشعباً- إذا ما التزمنا به فإن بنسبة 99% من المتوقع أن ينقلنا على الهواء مباشرة إلى عواصم الدول الغربية، لنرقد ليلة واحدة ونصبح جميعنا أغنياء من فضل من لا نعلم بفضله!! وهذه المبادرة التي صدروها إلى الوطن كانت معلبة وجاهزة وعليها الشبه، ولم يتجرأ احد منهم على فتحها حتى تصل عبر أحدث وسائل النقل يوم الجمعة 11 -1 -2008 إلى ارض الوطن وتهبط بالسلامة في مطار موقع "مأرب برس" الإخباري. فهل لحريتنا حدود يجب أن نتوقف عندها أم إن حرية القرن الواحد والعشرين تعني: (أنت حر في كل ما تريد أن تقوله وتفعله) ما دمت تعيش في بلد ديموقراطي..؟ بالطبع جميعناُ يعلم أن للحرية في كل دول العالم حدود تقف عندها حرية الفرد طالما توشك على الاصطدام بكرامة وعزة الإنسان، وحقوقهم، أو يترتب عليها الإضرار بحياة الآخرين ومصالحهم ! لم نجد- نحن المغتربين- من سبيل غير أن نرد على "الشيف" الكبير الماهر الذي طبخ المبادرة: فعادة يقوم الإنسان بحماية نفسه من مرض نفسي ألم به سالكا طريقة إبعاد مشاعر الحقد والحزن الذي بداخله- ولو مؤقتا- حتى يقدر على التعامل مع المستجدات.. وربما يستطيع طرد المعاناة عن نفسه ولو لفترة بسيطة تختفي خلالها مشاعر الحزن عنده، حينها يظن أنه قد نجح. إلا أن هذه الطريقة سلبية، فنجاحه في طرد مشاعر اليأس والكراهية سيؤدي بدون أن يدري إلى فقدان كل المشاعر الإيجابية كالأمل والفرح والتفاؤل.. والمترابطة معا في سلة المشاعر الإنسانية. فيغدو الأفراد بعدها مجرد مخلوقات خالية من مشاعر الحزن والفرح على حد سواء ليعيشوا على هامش التفاعل دون أن يملكوا القوة على الأخذ والعطاء- وهذه أعاقه بحد ذاتها. فترى الواحد منهم يقع في مطب مفرغ من المشاعر الإنسانية، وكثيرا ما تملأ هذا الفراغ النفسي الهائل الكامن بداخله أمواج متتالية من الكراهية تجعله كارها الحال الذي آل إليه وحاقدا على كل شي أمامه، وبالفعل يفقد التعامل مع الآخرين بعقلانية وحكمة، ويتوهم له أن غيره من كان السبب في ذلك، وقد يكره نفسه ويكره كل من حوله فيتوق إلى الخلاص من كل أبناء وطنه .. منتقما من حاله ومن غيره . فلعله يجد من يعيد إليه هيبته المفقودة بطريقه أو بأخرى.. حتى ولو يكون الوطن والشعب فداء لذلك يخاطر بكل شي أمامه عابث بجميع المنجزات والتضحيات الجسيمة التي حققتها هامات الوطن وأهل العزم والإرادة القوية والذي على قدر عزمهم وإخلاص وحبهم لوطنهم وشعبهم تحققت الجمهورية والوحدة العظيمة، وترسخت مبادئ العدالة والديموقراطية.. فكما هو الحال اليوم يعيش الشعب اليمني في أفضل حال مقارنة بالماضي ويكفي أن تكون الوحدة دليل المصداقية والوفاء للوطن والتي هي هدف كل وطني غيور على بلاده، أضف إلى ذلك وجود الأمن والاستقرار وكل ما تشهده اليمن اليوم من تقدم وازدهار في مجالات عديدة. وبالرغم من حجم مكتسبات وخيرات الوطن الكبيرة، والتي تحتاج إلى مد الأيادي جميعها للحفاظ عليها وتطويرها، ومع هذا وللأسف قد تسمع عن أشخاص حاقدين مستهترين قانطين من رحمة ربهم لا يعرفون إن للحرية حدود.. ولم يملك هؤلاء حتى أي مبررات لشتم وسب الوطن والمواطنين، أي وطنهم وشعبهم. ومنذ فترة طويلة يخيم على عقولهم الحقد والتشاؤم والأنانية باذلين أقصى جهدهم لإطفاء نور الأمان واقتلاع جذور الخير من الأرض الطيبة، ومحال أن يسمح لهم بذلك أكثر من عشرين مليون يمني في مقدمتهم حماة الوطن لأنه إذا ضاع الحلم ضاع الأمل فينتهي بضياعهما الإنسان. يا ترى هل تهدف أبعاد المؤامرة إلى تحويل العقل والجسد عندنا إلى مجرد أجسام هائمة، مجردة من مشاعر الفرح والأمل والتفاؤل بخير إن شاء الله ... وبغض النظر عن الفروق الاقتصادية إلا أن شرائح المجتمع اليمني تكاد تبدو أسرة واحدة لا فرق بين شريحة وأخرى ، تعيش كلها نفس المستوى من القناعة والبساطة البعيدة عن التعقيد الفارغ من المضمون. بكلمات مختصرة: المجتمع اليمني الواحد كان وسيظل كالبنيان المرصوص، وأما القلة القليلة التي تعزف اللحن في أوساط مجتمعها لتنشر الحقد والكراهية أو تحاول الإفساد بين الناس فكان لا ينوبها سوى سواد الوجه، لأن مجتمع البلدة الطيبة حذر ويقظ دائما يترقب لأية محاولة خبيثة لاختراق صفوفه المتلاصقة، ووعيه ينبهه للذود عن وحدته مدافعا عنها من أي اختراق في بنائه مهما كان ضئيلا. وبالنسبة إلينا نحن في المهجر فإن الإقبال نحو المستقبل يتجسد في قدرتنا على فتح الحوار مع الأجيال التي تأتي من بعدنا ونجعلها تدرك بأن هذه المسيرة ليست ترفا بل وظيفة ومسئولية وان ما يحدث على أرض الوطن هو هدف لن يتحقق ما لم يكن هناك دافع واع بما يحدث للأمم الأخرى في بقية دول العالم وان يكون لها إيمان بالجهود التي سبقتها لا أن تباركها فقط بل لتكمل مسيرتها وفق ما هو وقابل للتطوير والمشاركة الصادقة لتقدم وازدهار الوطن. ومع ذلك فان فئات مجتمع الأمل مازالت تعيش وتعمل من أجل حفظ الأمن والاستقرار حتى لو حصل اختراق هنا وهناك في البناء الأخلاقي فعزمنا سيعمل على دعمه وتقويته وسد جميع الثغرات في بنيته واقفين معا وقفة شعب ووطن واحد لا أكثر .