رائع ذلك الخبر الذي أعلنه قارئ أخبار التاسعة على الفضائية مساء الأربعاء (8/2/2006م) والذي مؤداه قيام قيادة وزارة الداخلية بتدشين برنامج التوعية بحقوق الطفل الذي يستهدف إحياء هذا المدلول لدى كل منتسبي الأجهزة الأمنية على مختلف مراتبهم ورتبهم الإدارية والقيادية في عموم محافظات الجمهورية. العناية بتعميق مفاهيم ومدلولات حقوق الطفل الذي تضمنته خطة وزارة الداخلية لعام 2006م جاء على خطى قيادة الوزارة في مسار تطوير وظيفة الشرطة نحو تأصيل وترسيخ أداء الشرطة للواجب الاجتماعي والخدمي والإنساني للمواطن على النحو الذي كفلته وحددت نطاق مفرداته مختلف النصوص الدستورية والقانونية من جهة وسائر الاتفاقات والمواثيق والمعاهدات الدولية المعنية بهذا الشأن من جهة ثانية، والذي أوجبه قبل هذا وذاك ديننا الحنيف من جهة أخرى وعلاقة التضاد بين حقوق الطفل من جهة وبين وضع أحياء وشوارع مدن بلادنا وغياب الوعي لدى بعض الآباء من جهة أخرى تحتاج إلى بيان. فعواصم بلادنا ومدنها ذات الشوارع المحشورة بأكوام من الكتل الحجرية والخرسانات المسلحة وفتحات الدكاكين والورش.. الخ، هذه المدن فوق تشوهاتها القبيحة التي تسيء إلى الذوق العام تمكنت من سرقة حق الطفل ليس في أن ينعم في الحي الذي تقيم فيه أسرته بوجود المرافق والأندية المختلفة التي تعنى برعايته اجتماعياً وتربوياً وبدنياً، وإنما حقه في مجرد وجود فضاءات خضراء أو حتى ترابية يفرغ فيها طاقاته ويمارس فيها هواياته وأنشطته المختلف وألعابه بحرية واطمئنان. حتى تلك المساحات القليلة التي لا توجد بها غير قلة من الألعاب الكهربائية وفي عدد محدود جداً من عواصم المحافظات إنما تشكل بأوضاعها الراهنة قهراً لايطاق في حق الأطفال، وابتزازا مستفزا بحق الآباء خلال تلك الأيام القليلة التي تفتح فيها أبوابها ويحشر فيها الآباء وأطفالهم تحت لهيب حرارة الشمس ونيران ارتفاع رسوم الألعاب في أيام الجمع والأعياد. في ظل وضع هكذا شوارع وأحياء مدنه وعواصمه كثيراً ما تنتهك حقوق للأطفال، فالآباء يطردونهم إلى الشارع كي لا يمسّون حقهم في القيلولة مع الصحبة والأوراق الخضراء، وفي الشارع يتعرضون للاضطهاد ولشتى أنواع القهر، ولأحظار عدة غير أخطار حوداث السير كما يتعرضون لانتقاد ولوم بل وأفعال عنف من قبل العديد من أبناء المجتمع سيما أولئك الذين يشعرون أن في وجود الأطفال في الشوارع للعب أو لممارسة أي من الأنشطة أو المهارات البريئة تعكير لحقهم في أن يمارسوا مهنهم أو حرفهم أو حتى حقهم في صفوة سكينتهم. وبعيداً عن حالة النظافة والمجسمات الرائعة والجهود المبذولة لتزيين جزر الشوارع الرئيسية في أمانة العاصمة وعدد من عواصم محافظات بلادنا، وبعيداً عن النشاط المحموم نحو استثمار وتأجير الأرصفة وأماكن عبور المشاة هنا وهناك، وبعيداً عما يتعلق بالسكينة العامة وبالآثار السلبية لبيئة مجتمع هكذا وضع مدنه لا تعيش حالة فشل رئوي فحسب، وإنما دون رئة أصلاً. أقول بعيداً عن هذا وذاك فعلماء الإجرام ومعهم المهتمون بشأن الطفل وبرعاية الأحداث يقررون من أن الطفل الذي يعيش في ظروف هكذا قوامها يكون أكثر عرضة وبدرجة قوية للانحراف، وأكثر قابلية لتلقي وممارسات أفعال العنف وكراهية الآخر، كما أن المعنيين بالشأن الأمني يعدون مسألة العناية بالأطفال ورعايتهم في مقدمة أهم طرق وقاية المجتمع من خطر الجريمة. وعلى ذلك فنحن بحاجة ماسة جداً إلى خلق ثقافة مجتمعية تعنى ليس بتعميق مفاهيم ودلالات حقوق الطفل فحسب، بل وأن يكون لهذه الثقافة حضور قوي في سلوكياتنا وأفعالنا أينما كنا وأياً كانت مواقعنا وصفاتنا، ذلك أن الحضور المستهدف للوعي المجتمعي في هذا الصدد وحضوره العملي القوي لا يقتصر على الجانب الحكومي فحسب وإنما يجب أن يمتد ليصل وبنفس القوة إلى ضمائر الآباء والأمهات والمجتمع المدني بمختلف منظماته أيضاً، فالجميع معني دينياً ووطنياً وأخلاقياً، بإعطاء الطفل حقوقه، كل حقوقه المباشرة وغير المباشرة وفي الإزدراء والاستهجان بمن ينكر أو يتلاعب أو يبتز أياً من تلك الحقوق. ولنعي جميعاً أن أطفال اليوم هم صناع الغد، وأن الأمم التواقة إلى غد أفضل تولي حقوق أطفالها عناية افضل. "الثورة"