آح يا قلبي المعنى ثم آح ... لست أدري لست أدري هل يباح أم حرام في الأقاويل الصحاح ... أن يبث المرء آلام الجراح نبئوني يا صماصيم الكفاح ... ما على الصب إذا ما قال آح يا ليالي الوصل في هذا الوطن ... لا أراك الله فصلا من عدن يا بلاد الأنس في ماضي الزمن ... ما الذي فرقنا حتى يظن أن وقت الأنس قد ولى وراح ... ما على الصب إذا ما قال آح هذه مطلع أبيات شعرية للشيخ محمد بن سالم البيحاني رحمه الله, يصف فيها حال عدن كيف كانت أيام الاستعمار البريطاني، وكيف أصبحت في ظل حكم الحزب "الماركسي" الذي حول الحياة في مدينة عدن إلى جحيم لا يطاق, وذلك ما كانت تتمناه بريطانيا لأبناء اليمن بعد رحيلها ليعرفوا لها فضل الحرية والعدل، فكان كما قال الشاعر: "وبضدها تتميز الأشياء". والجدير بالذكر إن علامة شبه الجزيرة العربية الشيخ محمد بن سالم البيحاني كان قد لجأ إلى شمال الوطن بعد أن أمم "الشيوعيون" الحاكمون في عدن معهده العلمي الذي كان منارة إسلامية في مدينة عدن، وجامعة إسلامية عظمى أسسها الشيخ البيحاني (رحمه الله) بأموال قام بجمعها من كافة زعماء الدول العربية والإسلامية والتجار. فلما أغلق الشيوعيون المعهد، وصادروه من يد الشيخ، واتخذوه وزارة للداخلية، وأحرقوا مكتبته وأرشيفه، لم يجد الشيخ بداً من الهروب إلى مدينة تعز بضيافة الحاج هايل سعيد أنعم (رحمه الله)، وبذلك يكون قد نجا من مصرع محقق ولو كان كفيفاً لا يرى بعينيه.. خاصة عام 1972م عندما قام الحزب الشيوعي الاشتراكي بقتل العلامة المسن أحمد بن صالح الحداد (70) عاما، وهو من أبناء العوالق.. قتلوه بطريقة بشعة بضربات بالفؤوس على رأسه، وداسوه بالنعال ورددوا على مصلاه: "لا كهنوت بعد اليوم"! وبالأسلوب نفسه والوحشية الفظيعة، قتلوا العلامة المسن أحمد بن عبد الله الكعيتي المحضار (72) عاماً، في منطقة "نصاب"، وكان هذان الرجلان أبرز علماء شبوةوحضرموت..! أما محافظة المهرة، فقد شهدت مجازراً بشعة لعلمائها ووعاظها بسبب استنكارهم علناً قتل العالمين المذكورين, وممن لقي مصرعه بسبب ارتدائه "عمامة"، وانتقاده سفك الدم بتهمة التدين الشيخ العلامة محمد بن عبد الرحمن الجيلاني. أما الشيخ محمد الخطيب- إمام مسجد حوف- فقد تم تعذيبه وتهجيره إلى عدن تحت الإقامة الجبرية المؤبدة إلى أمد مجهول الهوية.. وبسبب تعاطف الشيخ سعيد بن يحطب مع هذا الشيخ المضطهد لقي مصرعه أمام جماهير المصلين بعد إلقائه خطبة الجمعة, في فناء الجامع.. وقد تلقى العلامة محمد علي با حميش كبير علماء وخطباء وقضاة عدن صدمة بسيارة تابعة لجهاز أمن الدولة عندما كان ماراً على أحد الأرصفة البعيدة عن مجرى خط السير! ولكن المأساة الدامية والجناية التاريخية العظمى كانت قد حلت بمحافظة حضرموت، ذات المدن العلمية الشهيرة، حيث أغلق الشيوعيون كافة أربطة العلم والهِجر التالدة في "سيئون، وتريم، وشبام حضرموت"، بل حولوها إلى أطلال وقفار ومواخير.. ومن تلك الأربطة: "رباط تريم الإسلامي"، و"رباط الشمر الإسلامي"، و"رباط غيل باوزير العلمي".. وتم إبادة كافة علماء الدين البارزين.. ويقدر الباحثون عددهم بأكثر من (150) عالماً، وكان من أبرزهم: العلامة حسين الحبشي (67) عاما, والعلامة علي بن سالمين بن طالب (65) عاماً، والعلامة عبيد بن سند (70)عاما,، والعلامة عامر بن عون (70) عاما، والعلامة عمر كعتوه (69) عاما، والعلامة والشيخ الجليل العطاس (85) عاما، ناهيك عن من قتلوا في مدينة العلم الخالدة "تريم"، ومن أبرزهم: محمد بن حفيظ، ومحمد بنى طالب الجابري، وفضل عبد الكريم الجابري.. وكان أبشع القتل والصلب يكرم به العلماء، حيث كانوا يعلقون بالسيارات ويجرون أجسامهم وراءها في شوارع المدينة حتى تتقطع لحماً ودماً في طريق الأحياء الآهلة بأقاربهم وذويهم والشوارع العامة أمام كافة الناس!! وفي محافظ لحج، اختطف الحزب العالمين محمد عبد الرحيم بخش وعبد الكريم عبد الرحمن في ديسمبر 1972م ليحقق معهما في تهمة ارتكاب جريمة ترغيب الناس في الذهاب إلى مكة لأداء فريضة الحج.. وحتى يومنا هذا لم يرجع عنهما خبر، ولم يعلم أحد كيف كانت نهايتهما!! ولم ينجُ في عدن من الاعتقال والتعذيب أي باحث، أو مفكر، أو عالم، أو واعظ.. ومن أولئك الشيخ العلامة حسن الشاطر، إمام "جامع الولي الصالح"، حتى اضطره إلى الهجرة إلى مكة ولم يعد بعد. أما الشيخ محمد عبد الرب جابر فقد عذب في السجن عدة مرات، مما أدى إلى إصابته بالشلل الدائم في بعض أعضاء جسده!! هذه هي الثقافة الدموية التي حكموا بها الجنوب أولئك الذين تسمعونهم ينعقون من عواصم الغرب والشرق، ويذرفون دموعهم على الجنوب، وحقوق أبناء الجنوب، بعد أن نهشت مخالبهم أجساد علماء الدين، وكتموا صوت "الله أكبر" في كل مدن الجنوب.. وقطعوا السبيل حتى الى حج بيت الله الحرام..! هذه هي ثقافتهم التي يفاخر بها فاقرئي يا شوارع "الحراك" فصول التأريخ لتعرفي من أي مسلخ بشري قدم "البيض"، و"العطاس"، و"علي ناصر"، و"محمد علي"، و"الحسني"، و"الخبجي"، و"شلال"، و"باعوم"، وكل المتاجرين بالجنوب في بورصة لندن. ويل، ثم ويل، ثم ويل من غضبة ربّ قاهر جبار لكل من يدعم– ولو بكلمة- قتلة العلماء.. ولكل من عرف الحقيقة وكتمها عن أبنائنا الشباب، وتركهم فريسة بين مخالب الشيطان..!