تأمل الحياة ذاتها فن يساهم في صياغة التكوين الثقافي للكاتب مازلت أتأمل خيباتي المريرة وخياناتي اللانهائية لأحلامي السرية هنا في اليمن.. ثمة سيناريوهات سرية للحلم في رأس كل كاتب لا يجرؤ على البوح بها بفعل كوابح اجتماعية متأصلة.. يظل تأمل الفشل الشخصي على أكثر من صعيد محفزا للكتابة. سأذكر حلما سريا واحدا من أحلامي وهو أن أمتلك آلة العود وان أتعلم العزف لأغني لنفسي.. هذا يعني أن فن الغناء والعزف على العود ظل هاجسا شخصيا. لا أستطيع أن أقول لك بأن سيمفونيات بيتهوفن أو الفن التشكيلي العالمي ساهما في تكويني الثقافي.. سأكون كاذبا لو ادعيت ذلك. أنا من بيئة فلاحية تضج بأغاني الفلاحين المتعلقة بالمواسم الزراعية ولطالما حلمت بتحويل تلك الأصوات إلى موسيقى وأغان عصرية. أحببت كل ألوان الغناء الشعبي في اليمن، وحفظت الكثير منها. أستغرب حينما اسمع أي مثقف يمني نشأ في الريف الفلاحي وهو يدعي انه يفضل أغاني محمد عبد الوهاب على (المهاجل الزراعية) وانه لا يتفهم روح الأغنية الشعبية التي انطلقت بأصوات الفنانين في السبعينات.. رغم أنها بقيت مقتصرة على آلة العود فقط.. من الأغاني الشعبية في الأعراس والمواسم الزراعية أحببت موسيقى الشعر واستوعبتها، وبدأت بكتابة قصيدة التفعيلة قبل أن اكتب النثر. هنا في اليمن تجد في أغاني المرأة الريفية شجنا بكائيا وهي ترثي لحالها ومعاناتها المستمرة إلى اليوم. كانت أغاني الجدة والأم ونساء الدار هي سيمفونياتي الأليفة إلى النفس.. وهن يجلبن الماء من العيون البعيدة عن القرية.. وهن يطحن الحبوب في المطاحن الحجرية أسفل الدار، وهن يجلبن الحطب أو العلف من رؤوس الجبال المحيطة بالقرية. كل ما له صلة بالأغنية الشعبية اليمنية المعجونة بدم الحياة وتعبها والمختلطة بعرق الفلاحين في الأراضي الزراعية التي خلقها الإنسان اليمني بنفسه وهو يغني ويبني المدرجات ويحافظ عليها بعناء وغناء إلى اليوم. * عناوين ثقافية