العشاري: احراق محتويات مكتب المعهد العالي للتوجيه والارشاد بصنعاء توجه إلغائي عنصري    غارات على صنعاء    صنعاء .. طوابير سيارات واسطوانات أما محطات الوقود وشركتا النفط والغاز توضحان    «CNN»:الصاروخ على مطار بن غوريون خرق أمني لأكثر المواقع تحصيناً في «إسرائيل»    قال حزب الله إن العملية البطولية اليمنية في قلب الكيان الصهيوني تؤكد فشل العدوان الأمريكي ..حركات المقاومة الفلسطينية تبارك الضربة النوعية لمطار بن غوريون    شركات طيران أوروبية تعلق رحلاتها إلى "إسرائيل"    سريع يعلن المطارات الاسرائيلية اهداف عسكرية في سياق حصار جوي شامل    التحذير من شراء الأراضي الواقعة ضمن حمى المواقع الأثرية    الرئيس المشاط يعزّي في وفاة الدكتور عبدالله محمد المجاهد    الدكتور عبدالله العليمي يعزي العميد عبده فرحان في استشهاد نجله بجبهات تعز    نصيحة لبن بريك سالم: لا تقترب من ملف الكهرباء ولا نصوص الدستور    ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 52535 شهيدا و118491 مصابا    تحالف (أوبك+) يوافق على زيادة الإنتاج في يونيو القادم    قيادي حوثي يفتتح صيدلية خاصة داخل حرم مستشفى العدين بإب    ريال مدريد يتغلب على سيلتا فيغو في الدوري الاسباني    عدن: تحت وقع الظلام والظلم    «كاك بنك» يدشن خدمة التحصيل والسداد الإلكتروني للإيرادات الضريبية عبر تطبيق "كاك بنكي"    بن بريك اعتمد رواتب لكل النازحين اليمنيين في عدن    أعضاء من مجلس الشورى يتفقدون أنشطة الدورات الصيفية في مديرية معين    هيئة رئاسة مجلس الشورى تشيد بوقفات قبائل اليمن واستعدادها مواجهة العدوان الأمريكي    وفاة طفلتين غرقا بعد أن جرفتهما سيول الأمطار في صنعاء    الدكتور أحمد المغربي .. من غزة إلى بلجيكا.. طبيب تشكّل وعيه في الانتفاضة، يروي قصة الحرب والمنفى    اسعار الذهب في صنعاء وعدن الأحد 4 مايو/آيار2025    الخبجي : لا وحدة بالقوة.. ومشروعنا الوطني الجنوبي ماضٍ بثبات ولا تراجع عنه    شركات طيران أوروبية تعلق رحلاتها إلى إسرائيل بعد استهداف مطار بن غوريون بصاروخ يمني    الوزير البكري يهنئ سالم بن بريك بمناسبة تعيينه رئيسًا للحكومة    وجّه ضربة إنتقامية: بن مبارك وضع الرئاسي أمام "أزمة دستورية"    أطباء تعز يسرقون "كُعال" مرضاهم (وثيقة)    بن بريك والملفات العاجلة    92 ألف طالب وطالبة يتقدمون لاختبارات الثانوية العامة في المحافظات المحررة    هدف قاتل من لايبزيغ يؤجل احتفالات البايرن بلقب "البوندسليغا"    ترحيل 1343 مهاجرا أفريقيا من صعدة    يفتقد لكل المرافق الخدمية ..السعودية تتعمد اذلال اليمنيين في الوديعة    السعودية تستضيف كأس آسيا تحت 17 عاماً للنسخ الثلاث المقبلة 2026، 2027 و2028.    الأهلي السعودي يتوج بطلاً لكأس النخبة الآسيوية الأولى    لاعب في الدوري الإنجليزي يوقف المباراة بسبب إصابة الحكم    التركيبة الخاطئة للرئاسي    أين أنت يا أردوغان..؟؟    وادي حضرموت على نار هادئة.. قريبا انفجاره    مع المعبقي وبن بريك.. عظم الله اجرك يا وطن    المعهد الثقافي الفرنسي في القاهرة حاضنة للإبداع    رسائل حملتها استقالة ابن مبارك من رئاسة الحكومة    نقابة الصحفيين اليمنيين تطلق تقرير حول وضع الحريات الصحفية وتكشف حجم انتهاكات السلطات خلال 10 سنوات    - حكومة صنعاء تحذير من شراء الأراضي بمناطق معينة وإجراءات صارمة بحق المخالفين! اقرا ماهي المناطق ؟    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    "ألغام غرفة الأخبار".. كتاب إعلامي "مثير" للصحفي آلجي حسين    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    الحقيقة لا غير    مصر.. اكتشافات أثرية في سيناء تظهر أسرار حصون الشرق العسكرية    اليمن حاضرة في معرض مسقط للكتاب والبروفيسور الترب يؤكد: هيبة السلاح الأمريكي أصبحت من الماضي    القاعدة الأساسية للأكل الصحي    أسوأ الأطعمة لوجبة الفطور    الفرعون الصهيوأمريكي والفيتو على القرآن    مانشستر سيتي يقترب من حسم التأهل لدوري أبطال أوروبا    الكوليرا تدق ناقوس الخطر في عدن ومحافظات مجاورة    الإصلاحيين أستغلوه: بائع الأسكريم آذى سكان قرية اللصب وتم منعه ولم يمتثل (خريطة)    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسواق اليمن.. ملغومة بثقافة الاستيراد، وكل شيء زائف!!
نشر في نبأ نيوز يوم 07 - 08 - 2010

ترسخت فكرة أفضلية المنتجات الأجنبية لدى المستهلك اليمني إلى درجة وصلت حد الخطورة؛ فكثيرون هنا، ممن تم استطلاع آراءهم، يفضلون كل ما هو مستورد على المنتجات المحلية، بل إن أصحاب محال تجارية أكدوا ذلك في نفس الوقت الذي أوضحوا أننا بلد يستورد كل شيء زائف لمنافسة كل شيء جيد، تاركا الساحة لرأس مال طفيلي لا عنوان له سوى شنطة سفر، وبضع بطاقات لا علاقة لها بهموم ومشاكل هذا الواقع.
إذن لماذا المستورد؟ وكيف يحدث التزييف؟ ومن المسئول؟ وهل من سبيل أمام اليمن للانعتاق من ثقافة المستورد حتى لو كان زائفاً..!؟ ذلك هو ما بحثت عن إجابات له "السياسية" من خلال هذا التحقيق الشامل:
هناك قناعة تامة لدى غالبية المستهلكين اليمنيين بأن المنتجات المستوردة هي الأفضل؛ كونها الأجود، خاصة تلك الواردة من أوربا وأميركا، وأحيانا الأقل سعرا. ومن خلال استطلاعنا لعدد من المستهلكين قالوا بصوت يكاد يكون واحدا: "نفضل المنتجات الأجنبية؛ كونها الأفضل والأرقى والأطول عمرا، كتجربة اكتسبناها خلال مسيرة حياتنا".

فيما يرى آخرون أنهم يقبلون على السلع الواردة من الهند أو الصين التي غزت أسواقنا؛ كونها رخيصة الثمن مقارنة بالمنتجات المحلية، ولا ينظر هنا للجودة والنوعية، برغم أن ذلك مهم لدوام السلعة وصمودها أطول فترة ممكنة.
منتجات رديئة
مدير الدائرة الفنية بجمعية حماية المستهلك، صالح غيلان، يؤكد أن المستهلك اليمني لديه قناعة مطلقة بأن كل ما هو قادم من الخارج جيد وسليم ومطابق للمواصفات وخال من أي عيوب، حتى إذا كان رديئا، وهو ما يدفعه للإقبال بشكل كبير على هذه المنتجات، بسبب وجود منتجات محلية رديئة ومخالفة للمواصفات ولا يتوفر فيها أدنى شروط السلامة الصحية، بل إن كثيرا منها للأسف تصنع بعيدا عن الرقابة في أماكن لا تتوفر فيها أي شروط للسلامة الصحية من مواد أولية منتهية الصلاحية.
ويضيف: "هناك زيوت معدنية مصنعة (تعبئة) محليا من زيوت منتهية الصلاحية والمصنع بدلا من أن يكتب بالعلبة أنها محلية أو معادة التصنيع يكتب "صنع في بريطانيا" أو "وفقا للمواصفات الألمانية" إضافة إلى اللغة التي تستخدم على بطاقة البيانات (إنجليزية) وهذا يوحي للمستهلك اليمني بأن السلعة قادمة من الخارج وجيدة، فيقبلون عليها ويمنحوها أرباحا هائلة، بينما لو كتب أنها زيوت معبأة محليا فلن يقبل عليها أحد، وناقشنا هذا الموضوع أكثر من مرة مع المواصفات والمقاييس والجهات التشريعية".
عقدة الأجنبي
من جهته أكد أستاذ رئيس قسم العلوم النفسية والتربوية بجامعة عمران، الدكتور صلاح الجماعي، عقدة الوطن العربي عامة واليمن خاصة ليس في السلع الأجنبية فقط بل حتى في الخبرات والمستشفيات وغيرها، كشائعة ثابتة قد تكون صحيحة أو غير صحيحة، موضحا غياب الثقة بين المنتجات المحلية والمستهلك المحلي.
ويتفق مع ذلك مدير عام الهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس وضبط الجودة، المهندس أحمد البشة، الذي يرى أنه لو عدنا إلى المنتجات الوطنية فلدينا ما يغنينا منها وكالمثل بالنسبة للكفاءات والخبرات الوطنية.
السائد في مجتمعنا
ولم يختلف حول ذلك مدير عام مكتب الصناعة والتجارة بمحافظة صنعاء، عبد الباسط الكميم، الذي أشار إلى أن الفرق بين المنتجات المحلية الصنع والعربية الصنع أولاً، والأجنبية ثانياً، يكمن في الجودة والمواصفات الجيدة، ولا حكم للاستثناءات هنا؛ لكن القاعدة العامة في وعي الناس تقول ذلك، معللا ثقة المستهلك بالتجربة والمقارنات والوعي المتراكم لديه، ولمبدأ عام عنوانه أن الناس في الدول المنتجة الغربية قد وصلوا إلى مرحلة متقدمة من احترام مواصفات ومقاييس الإنتاج، وأنهم أكثر إخلاصاً في أعمالهم، وهي حقيقة يجب التعاطي معها رغم مرارة دلالتها العامة.
ويؤكد الكميم إن ثقافة "الكلفتة" هي السائدة في مجتمعنا، ومعظم الأعمال والصناعات تسيّرها هذه الثقافة السيئة، ويجيد أصحاب الصناعات في بلادنا أو أكثرهم صناعة الغش حتى في المنتجات الغذائية والدوائية التي لا تقبل شيئاً من ذلك.
ويضيف: "في أحسن الأحوال تكون دون المواصفات المطلوبة بكثير، ولا علاقة لما يُكتب على تلك المنتجات بالكثير من مكوناتها الحقيقية، والإعلانات التي تروّج لها بهتان وزور، وهي من متطلبات التضليل وخداع المستهلك الذي يصدق كل ما يراه أو يسمعه في الإعلانات من منتجات يدفع فيها ماله ويوّفي عليه من صحته وعمره فتستهلكه أضعاف ما يستهلكها، وتضره أكثر مما تنفعه!".
في المقابل يرى مهتمون ومختصون أن ليس كل مستورد سليم أو بمواصفات جيدة، بل ومنها غير مأمونة وغير مطابقة للمواصفات، مؤكدين وجود منتجات محلية تتميز بمواصفات قياسية عالية جدا وبدأت منذ فترة ليست قصيرة بالمنافسة في السوق المحلية والخارجية، لكنها قليلة مقارنة بالمنتجات المغشوشة إلى جانب تأثير هذه المشكلة على الاقتصاد الوطني.
الرقابة الحكومية!
في المقابل كشفت دراسة حديثة أن 333 بالمائة من المستهلكين المحليين لا يستهلكون بديلا للمنتج الأجنبي في حين يستهلك 345 بالمائة سلع مزدوجة المنشأ أي محلية وأجنبية.
وأشارت الدراسة الميدانية الخاصة بتأهيل الصناعة الوطنية ضمن البرنامج الترويجي المتكامل "صنع في اليمن" والتي أعدها المكتب الاستشاري للدراسات والتقنيات الحديثة المغربي بتمويل من البنك الإسلامي للتنمية وشملت آراء 95 مبحوثا من المعنيين في المؤسسات الحكومية 87 مبحوثا من المنتجين و 55 مبحوثا من الجمعيات المهنية والحرفية و959 مستهلكا محليا في ثماني محافظات (أمانة العاصمة، صنعاء، حضرموت، عدن، تعز، ذمار، إب، الحديدة) إلى أن المنتج الأجنبي يحظى بالأفضلية في السوق اليمنية.
وكشف المبحوثون أن المنتج المحلي يفتقد للمواصفات والشروط المطلوبة على مستوى الجودة والسعر أساسا على غرار ما هو متوفر في منافسه الأجنبي وانتهاء بالشكل والهيئة التي يتخذها ويقدم بها في الأسواق هو فقط التفسير الموضوعي، لذلك وما يسقط أية فرضية أخرى قد تذهب إلى اعتبار ما هو سيكيولوجي وانبهار بالمنتج الأجنبي سببا في ذلك، وهو ما يدل عليه استعداد أكثر من 85 بالمائة من المستهلكين اليمنيين لاقتناء المنتج المحلي الصنع شريطة توفره على الجودة والسلامة الصحية وأن يكون سعره في المتناول.
وأوضح 78 بالمائة من الفئات التي تمت مقابلتها في قطاع المستهلكين بحسب الدراسة التي نشرتها مجلة "التجارة" في عددها الفائت أنه لا تتوفر لديهم المعلومات الكافية حول المنتج المحلي مقابل توافر 593 بالمائة على كل المعلومات الخاصة بالمنتج الأجنبي وأن 693 بالمائة من الذين تمت مقابلتهم من المستهلكين لم يسمعوا بموضوع "صنع في اليمن".
ودعت الدراسة إلى وضع حلول حقيقة وعاجلة لمعالجة أزمة الثقة القائمة بين اليمنيين ومنتجاتهم المحلية والناجمة عن تجارب غير ايجابية أصبحت مختومة على تاريخ العلاقة بينهما، واعتبرت ذلك مسؤولية المنتجين وأن عليهم البحث في كيفية استعادة هذه الثقة المفقودة عبر تجسيد ذلك عمليا ولن يكون سوى عبر تمظهر حقيقي لحسن نيتهم في المنتج، مشيرة إلى أن جميع الأطراف المبحوثة صرحت بأن انعدام الرقابة الحكومية هو ما دفع إلى تردي وضعية المنتج المحلي وبالتالي فإن المسؤولية الأولى والكبرى ثابتة ومؤكدة في حق الأجهزة الرسمية الوصية على القطاع.
وحول ذلك، أوضح مدير عام الهيئة اليمنية للموصفات والمقاييس أن من صميم أهداف الهيئة ومهامها الرئيسية تشجيع ودعم المنتج الوطني أيا كان سواء كان ينتج مصنعا أو محصولا زراعيا أو سمكيا أو حرفا مهنية وغيرها، مبينا ما قامت به من خطط وإجراءات في سبيل ذلك الهدف والتعريف بمفاهيم المواصفات والمقاييس والجودة وأهميتها وفوائدها للمنتج أو المستهلك أو الاقتصاد الوطني، موضحا الإجراءات التي تتخذها الهيئة في تعاملها مع المنتجات الرديئة التي تسيء للمنتجات المحلية الجيدة بما فيها وقف الإنتاج والمصادرة بالتنسيق مع الجهات المختصة.
الاستعمار الجديد!
ما ينبغي تأكيده في هذا السياق أن الأسرة اليمنية شهدت خلال الثلاثة العقود الأخيرة تحولات كبيرة أفقدتها بعضا من وظائفها الهامة والضرورية، بحسب مختصين ومهتمين ودراسات حديثة، وأجمعوا على أن الإنتاج الذاتي من الحبوب ومختلف أنواع الفواكه والخضروات الطازجة في مختلف المواسم نتيجة لتعدد الطقس على مدار العام كميزة فريدة لبلادنا وكذا المنتجات الحيوانية من لحوم وألبان ودهون، والذي كان يحقق للأسرة اليمنية في الماضي اكتفاء وتصريفاً لما يتبقى ولم يعد يتم في إطار العائلة خاصة الريفية، وأن الأسر اليوم تعتمد أكثر على السوق بما توفره من منتجات محلية أو مستوردة، وأن ما يدمي القلب منافسة الخضروات والفواكه المستوردة للمحلية وهو ما لم تكن تعرفه أسواق اليمن قبل ثمانينيات القرن الماضي.
وفي حين أرجع البعض ذلك إلى الهجرة من الريف إلى الحضر وبخاصة بين الشباب وتعليم الأبناء وانصرافهم إلى مهن وأعمال حضرية رسمية، اتفق معهم آخرون وأضافوا أن الاستعمار الجديد (الغزو من الداخل) هو أيضا أحد أسباب المشكلة، مستشهدين بنظرة فقيد الوطن والأدب الشاعر عبد الله البردوني -رحمه الله- الذي شهد ذلك بقلبه وأحاسيسه ومشاعره وببصيرة ثاقبة لمستقبل اليمن الزراعي والاقتصادي في قصيدته الشهيرة التي شكلت يومها سبقا صحفيا واحتلت أغلفة الكثير من الصحف والمجلات العربية والمحلية وقال في مطلعها:
فظيع جهل ما يجري وأفظع منه أن تدري
وهل تدرين يا (صنعا) من المستعمر السري؟
غزاة لا أشاهدهم وسيف الغزو في صدري
وشددوا على ضرورة تشجيع ودعم وتعزيز الأسر اليمنية المعاصرة ككل، وحمايتها من العوز والفقر، بنشر وتقوية برامج الأسر المنتجة، المدرة للدخل والمقوية للاعتماد الذاتي، ووضع سياسة زراعية تحدد حاجة الاستهلاك المحلي، وتصدير الفائض من أي منتج وسياسة تسويقية تضمن للمزارع وصول منتجاته إلى الأسواق المحلية ومن ثم الخارجية، باعتبار أن توفر القناعة لدى المستهلك باستهلاك المنتجات الزراعية المحلية سيشجع المزارع على التوسع في زراعة هذه المحاصيل وسيحد من زراعة القات الذي يحتل المساحة الأكبر بين المحاصيل الزراعية المحلية، بالإضافة إلى تأمين مياه الري اللازمة عبر تقديم المضخات وشبكات الري وفقا لحجم الأراضي التي يمتلكها المزارع وتوفير المدخلات الزراعية من أسمدة وبذور محسنة ومبيدات حشرية وإرشاد زراعي عبر الوسائل المسموعة والمقروءة والمرئية حد قولهم.
تحقيق الاكتفاء
وتأكيدا لذلك، يرى غيلان أن تحقيق الاكتفاء الذاتي خاصة بالنسبة للخضار والفواكه التي لم تسلم من المنافسة هو الحل الأمثل لعقدة كل ما هو قادم من الخارج، وهو ما سيوفر فرص عمل ودعما للاقتصاد الوطني، بدليل أننا حاليا نصدر من هذه المحاصيل لدول الجوار، مبينا أن الفواكه اليمنية تتميز بمواصفات عالية جدا من حيث المذاق واكتمال المواد الغذائية والنكهة والطعم فيها، بغض النظر عن الشكل، بعكس المستورد حيث يحتوي على مواد مضرة بالمستهلك، مشيرا إلى أن الجمعية دائما تقف مع المنتج الجيد المطابق للمواصفات المأمون صحيا والمصنع وفقا للمواصفات القياسية وشروط السلامة الصناعية والصحية.
وطالب بتفعيل أجهزة الرقابة ودعمها كما يجب، ومتابعة الإشراف على المعامل والمصانع فيما يتعلق بالصناعات الوطنية بشكل عام بهدف الارتقاء بالمنتجات المحلية إلى مستوى المنافسة.
"صنع في اليمن"
حملة ترويجية أطلقتها وزارة الصناعة والتجارة وجمعية الصناعيين اليمنيين بالتعاون مع المنظمة العربية للتنمية الصناعية والتعدين نهاية مايو الماضي في محافظة تعز وتستمر ثلاث سنوات تهدف إلى تعزيز ثقة المستهلك اليمني في المنتجات الوطنية ورفع قدراتها التنافسية، وذلك في إطار مكونين رئيسيين، هما: الجانب الترويجي، واعتماد برنامج وطني للجودة لرفع القدرات التنافسية للمنتجات الوطنية.
وهو ما يؤكده مدير عام جمعية الصناعيين اليمنيين، علي المقطري، الذي اعتبره برنامجا وطنيا يهدف إلى الترويج للصناعات الوطنية الجيدة والنهوض بها وتشجيع الصناعيين للنهوض بأوضاع صناعاتهم من خلال معايير رسمية معتمدة وإجراءات معينة، مبينا أن البرنامج لا يقبل مشاركة أي مصنع محلي ما لم يكن حاصلا على شهادة نظام التصنيع الجيد بالنسبة للصناعات الغذائية، وهو نظام عالمي متكامل يشمل جوانب كثيرة فنية وإدارية ولوجستية وغيرها. وبالنسبة للصناعات غير الغذائية فالمعيار هو نظام التسجيل الذي تعتمده الهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس وضبط الجودة، لافتا إلى أن حصر المشاركة في البرنامج حول هذا الإطار بحد ذاته تحفيز للآخرين للحصول عليه كهدف من أهداف البرنامج.
التصنيع الجيد
من جانبه شرح مدير عام الهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس تفاصيل نظام ممارسة الإنتاج والتصنيع الجيد (جي. إم. بي) الذي أعدته واعتمدته الهيئة منذ فترة كنظام فني يساعد المنشآت على ضمان الإنتاج الصحيح وعدم الوقوع في الأخطاء واستخدام الوسائل الصحيحة والطرق السليمة في مختلف المراحل الإنتاجية والذي حقق نتائج جيدة حتى الآن، حد قوله، وهو ما سيرفع كفاءة الإنتاج المحلي وقدرته المنافسة محليا وخارجيا، لافتا إلى أهمية ذلك خصوصا بعد إعلان انضمام اليمن إلى هيئة التقييس الخليجية وسعي بلادنا للانضمام لمنظمة التجارة العالمية والتي ربما تتحقق العام الجاري.
خطوة صحيحة
وفي الوقت الذي أجمع فيه عدد من الاقتصاديين ورجال الأعمال على أن البرنامج خطوة صحيحة لدعم الصناعة الوطنية والاهتمام بها، يرون أن نجاح الحملة وتحقيق أهدافها يتطلب تنفيذ أنشطة متعددة ونشر الإعلانات للتعريف بها وترسيخ الوعي لدى المستهلك سواء عبر وسائل الإعلام أو في الشوارع والطرقات والمناطق المهمة التي تعتبر اقتصادية، وهو ما لم يلاحظوه منذ تدشين الحملة وحتى اليوم، حد قولهم.
وطالبوا الجهات المختصة ممثلة بوزارة الصناعة والتجارة والقائمين على الحملة بضرورة الترويج الجيد والمدروس لتحقيق الأهداف وإيصال الرسالة إلى كافة المستهلكين بالتزامن مع نشر وعي حول كيفية تمكين الصناعة الوطنية من المنافسة.
واعترف مدير عام جمعية الصناعيين اليمنيين بالقصور القائم في هذا الجانب منذ تدشين الحملة وحتى الثلث الأخير من يوليو الماضي (حتى كتابة المادة)، وأرجع ذلك إلى أن البرنامج دشن في وقت ضيق ولم يأخذ الوقت الكافي للتحضير وهو ما أدى إلى تأخير حشد الموارد المالية المخصصة من قبل شركاء البرنامج، منوها بأن كافة الأنشطة التي وضعت سيتم تنفيذها خلال الفترة القادمة.
نقطة الخلاف!
وفي سياق متصل أفادت "السياسية" عن مصادر مقربة من القائمين على الحملة أن عدم نشر الإعلانات في الشوارع والطرقات والمناطق المهمة ووسائل الإعلام يعود إلى الخلاف، أو تحفظ القطاع الخاص حول الإجراءات الأخيرة التي قامت بها الحكومة والمتمثلة برفع أسعار الديزل بالنسبة للمنشآت الصناعية بنسبة 300 بالمائة، وتذمر القطاع الصناعي من هذا القرار وعدم تفاعله مع برنامج "صنع في اليمن"، وألمحت إلى أن القطاع الخاص ينظر لمسألة دعم البرنامج كمسؤولية الحكومة، كونها برنامجا حكوميا، لكن الواقع أنه سيدعم من قبل الشركاء (القطاع الصناعي) وهي نقطة الخلاف والتأخير في التنفيذ وأن الوزارة لديها حلول وبدائل لمعالجة الإشكالية.
ويرى محللون اقتصاديون ورجال أعمال أن هذه البداية لا تبشر بالايجابيات بقدر السلبيات والتي قد تتسبب في عرقلة تنفيذ البرنامج وتأجيله لعدة سنوات أخرى، برغم أن الوقت لم يعد كافيا لذلك خصوصا في ظل الأوضاع الاقتصادية غير السارة التي يشهدها البلد وتتطلب سرعة النهوض بواقع الصناعة المحلية لتحقيق نمو اقتصادي وتوسع الطاقات الإنتاجية وتوفير بيئة استثمارية جاذبة لرأس المال الأجنبي.
وأرجعوا عدم إطلاق هذا البرنامج خلال السنوات القادمة إلى قصور في التخطيط من قبل القطاعين الخاص والحكومي وغياب الثقة بينهما إلى جانب الأحداث التي مر بها اليمن وعدم الاستقرار والتقلبات الاقتصادية وغيرها، مؤكدين أن نقطة الخلاف هي مسألة دعم البرنامج، وبرغم أن جمعية الصناعيين اليمنيين حاولت عام 2002 أن تطلق مثل هذا البرنامج، ولكن لظروف ذاتية وموضوعية لم تتمكن من مواصلته، بحسب مديرها العام، وأن الظروف التي تعانيها بلادنا في الموارد تقف عائقا أمام تنفيذ كثير من المشروعات والبنية الأساسية فما بالك بتمويل برنامج كهذا.
الصناعة تكاملية
وفي حين توقع اقتصاديون أن البرنامج سيحقق إذا تم الترويج له بشكل صحيح ومدروس على المدى القصير وعيا لدى المستهلكين والمصنعين وتحسين الجودة التي يمكن المنافسة بها مع ضرورة توعية المستهلكين بأهمية شراء المنتجات الوطنية الجيدة حتى وإن كانت غالية الثمن بالنسبة للبعض، لما لذلك من أهمية وتحقيق عائد للاقتصاد والعملة والهوية الوطنية، بالإضافة إلى الحفاظ على الحرف التقليدية كمهنة تدر دخلا لا بأس به لعدد غير قليل من المجتمع ودورها في تعريف الآخرين بثقافتنا ومنتجاتنا الشعبية.
أما على المدى الطويل فيرون أن الصناعة عملية تكاملية وليست شعارا موسميا، وأن من الضروري رفع نوع الصناعات بدلا من كونها تحويلية ووضع استراتيجيات طويلة الأجل والولوج إلى بوابة الصناعات الثقيلة وإخراج هذا النوع من الصناعات للمجتمع.
أفندي: المسألة ليس بإطلاق الشعارات
من جانبه، عضو مجلس الشورى أستاذ الاقتصاد بجامعة صنعاء الدكتور محمد أفندي، أكد: أن الصناعة في اليمن تعاني من مشكلات ذاتية ومشكلات مرتبطة بالبيئة الاقتصادية العامية وأخرى تتعلق بالمناخ الاستثماري إلى جانب عدم وضوح طبيعة تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي واضطراب السياسات الاقتصادية.
وأضاف: "جميعها مشكلات قائمة، بالإضافة إلى معاناتها في المنافسة نتيجة انفتاح الأسواق بشكل مفاجئ ومتسارع، في الوقت الذي تحظى فيه كثير من الصناعات المستوردة بنوع من الدعم بشكل أو بآخر، والتي تجعلها بموقع تنافسي سواء سعري أو من ناحية الجودة والمشكلات التي تواجهها الصناعة هي ذاتها التي تواجه بقية القطاعات الاقتصادية الأخرى كالتمويل (تمويل الاستثمار) وقضايا مؤسسية في هيكلية الشركات وغياب الأسواق المالية وعدم توفر البنية التحتية من خدمات المياه والصرف الصحي والكهرباء وغيرها من الصعوبات والعوائق".
جيد ولكن...؟
وأشار أفندي إلى أن "صنع في اليمن" شعار رائد وجيد؛ "ولكن أين المقومات؟ والمسألة ليست بإطلاق الشعار وإنما بمقومات تحقيقه"، موضحا أن هناك عددا من المقومات التي تحقق نجاح هذا الشعار والذي يحتاج إلى مناخ صحي وسليم للاستثمار وسياسات اقتصادية ملائمة تشجع على الإنتاج والنمو وتحقق فرص متكافئة للتنافس وتسهيلات واضحة ومحددة لأنشطة القطاع الخاص وتحرير العلاقة مع القطاع الخاص من الابتزاز وجعل المصلحة الاقتصادية ومصلحة النهوض بالقطاع الخاص كقائد للتنمية هي الاعتبار وليس للاعتبارات السياسية، إلى جانب ضبط الأسواق بحيث تتكافأ الفرص للتنافس، والاستقرار الاقتصادي يساعد على مناخ الاستثمار ويطلق القدرات الكامنة لدى القطاع الخاص للعودة والإنتاج بتنافسية عالية، وكذا استيعاب المعرفة والتقنية الحديثة، وهو ما لا يتأتى إلا من خلال مناخ استثماري صحيح وسليم وبيئة استثمارية مواتية.
ولفت إلى أنه إذا تم التركيز على تلك المقومات سيحقق شعار "صنع في اليمن" أهدافه. وأضاف: "يحتاج ذلك أيضا تعميق الوعي بأهمية الصناعة المحلية لدى المستهلك والتي لا ينبغي أن تكون نظرية فقط وإنما تحتاج ما يثبت في الصناعة المحلية اليمنية، كفاءتها ونوعيتها وجودتها مع السلعة المنافسة المستوردة".
ولفت إلى أن النهوض بقطاع الصناعة أو بغيره يحتاج إلى برنامج شامل للإصلاحات (إصلاح سياسي واقتصادي ومؤسسي وقضائي...)، معتبرا أن تلك عوامل ومقومات أساسية لنهضة وانطلاقة أي اقتصاد، وأننا في اليمن مازلنا نعاني من الهياكل والمقومات الأساسية التي مازالت ضعيفة أو أن بعضها غائب وأن المسألة حاليا ليست في التفاصيل وإنما عند بناء الأشياء الأساسية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.