يعرف المواطن اليمني كثيرا عن تهاويل المعتقل ودواعي الاعتقالات ومدن واق الواق ! وهو في حياته اليومية وفي أحاديثه الجادة يعلق أحيانا عن حادث في الماضي وهو يريد الحاضر ! يتحدث عن السدود الزراعية , وهو يقصد السدود المفتعلة في طريق الإصلاح في البلاد ! يتحدث عن انقطاع الأمطار , وهو يقصد السنوات العجاف في ظل قائد المسيرة ! يتحدث عن دول الخليج , وهو يقصد الثروات المنهوبة , والخزينة المغتصبة ! وقليلا مايصرح بذلك ! في أيدي رجال الأمن المركزي ماعلى ظهورهم من صفعٍ بالنعال , وضربٍ بالجريد ! أحط مافي المجتمع هم أحظى الناس في وظائف الدولة ! وعلى قدر هتك الناس وإحداث الفتنة ومصادرة الحقوق تكون جدارة رجل الأمن وشطارته ! متأصل ٌ ذلك فيه بالطبع والوراثة والبيئة ! ماعرف العزيز ذلا إلا على يديه , ولا الكريم مهانة إلا في معتقلاته ! رجل الأمن الذي أقصده هو من اضمحلت معاني القبلية في شخصيته , فصارت عصبية وعنجهية آثمة ! واختلت قيم الحياة في طبيعته فصارت ميليشيا وهراوة , وقوطي وكدمة , ومعتقل وقنبلة ! غابت عنه معاني الأبوة إلى ضابطه وقائده فهو أبوه وأمه ! طبع الله على قلبه فلايرق ُّ لمظلوم ! وختم على سمعه فلايبالي بصراخ مسجون ! وجعل على بصره غشاوة فلا يفرق بين ناقة وبعير ! يأتي على الناشطة السياسية أو الصحفية فيجرها جرا , ويبسط لها من لسانه مايدين ُ بهِ من سوقية ووضاعة ! ونسي هذا المأفون أن هذه امرأة لها من الله الستر والعفاف , ولها من المجتمع الحفظ والرعاية ! يجهد الصحفي ُّ يومه ليحدثنا حديث الساعة في أبهى حلة وأرشق عبارة ! يكدّ ذهنه في تحري الحقيقة , ويقلب ُ في دفتره الخاص أولا بأول , ويتابع في غفلة الناس كل جديد , لايعرف إجازة ولايعرف عطلة ! تراوده السلطة عن نفسها مراودةُ امرأةِ العزيزِ فتاها عن نفسه ! حتى لايُغطّي منها حدثا , ولا يكشف لها عن عورة , ولايفضح للناس تبذّلها وعهرَها ! فإذا ذكّرهم شرف المهنة , هبط عليه وعلى أهله رجالُ الأمن كالوباء , فانتزعوه من بين أوراقه , ورموه في مكان يضلُّ فيه الخرّيت ! ثم تعلن آثار التعذيب : أن جميع الحقوق محفوظة لدى سجون الأمن المركزي ! وإذا كان المواطن اليمني يعرف كل ذلك , صب جام غضبه على ظروف الحياة ! وكأن شؤون الحكم ليست منه , ومؤسسات البلاد ليست له ! همه قوت يومه ! وإذا كان لديه من القات مايكفيه , فكل ماوراء ذلك لايعنيه ! سيان لديه أن يحكمه عمر بن الخطاب أو يحكمه أبرهة الأشرم ! لايبالي من يتزوج أمه ! دائما مايقول : من شل أمنا , صار عمنا ! تستوي في عينه الكحلاء ِ تيجانُ السلاطين ِ وأسمال ُ العوام ! فكره منزوعٌ إلى تربته , وروحه مجرورة ٌإلى ترعته , فهو بطبعه فلاح ! يأخذ من مزرعته ويرد إليها , يتعصب لها ويوالي عليها , يظلمه الحاكم فيقبل يده , ويتعسف في طلب الضريبة فيحمد فعله , يرسل إليه العسكر تلو العسكر , فيحسن الوفادة , ويجزل العطية ! وإذا كان الحاكم لاتضيئ له الكهرباء إلا من دم هذا المسكين ؟! وإذا كان الحاكم لايستقر له كرسي إلا على كاهل هذا الفقير ؟! وإذا كان المواطن اليمني يعرف كل ذلك ؟! فمتى يرجع شارده ؟! ويتحرك ساكنه , ويثور دمه ؟! ففي أعصابه ينام سبأ مدوخُ الدنيا وآسرُ الملوك ! وفي شريانه يرقد سيف بن ذي يزن مؤدبُ الفرس وسلطانُ العرب ! وبين عينيه أدبُ محمد صلى الله عليه وسلم .. القدوة الحسنة في زمن تغيب فيه عن الناس القدوات ! فمتى يغضب اليمني ؟! [email protected]