مثلما صنعوا حركة (طالبان) في أفغانستان ثم ندموا على ذلك، يصنعون حاليا ما يسمى ب (المجلس الأعلى للمحاكم الإسلامية) في الصومال، حيث تنتشر ميليشياتهم المسلحة في كل مكان. بل وسيطروا مؤخرا على العاصمة (مقديشو)، وراحوا يفرضون على الناس قوانينهم وتشريعاتهم المتشددة، وكان آخرها تحريم مشاهدة مباريات دورة كأس العالم لكرة القدم! وقد حاولت اليمن مؤخرا التوسط بين "المحاكم الإسلامية" والحكومة الانتقالية الصومالية، ولكن فشلت المفاوضات بسبب رفض الميليشيات نزع سلاحها والانخراط في العملية السياسية بشكل ديمقراطي سلمي. السؤال الذي يطرح نفسه: من الذي يموّل ماليا هذه الميليشيات المسلحة، سواء كان ذلك في الصومال أو أفغانستان أو العراق أو السودان أو لبنان أو غيرها من دول الشرق الأوسط وآسيا وإفريقيا؟ ثمة حكومات تتورط في ذلك، وهناك مؤسسات إسلامية وبنوك أيضا، وهناك صناديق تبرعات تفتح ميزانياتها لهذه الميليشيات المسلحة، وتوفر لها الغطاء المالي لكي تفرض نفوذها في المواقع التي تحتلها.. بل لا نبالغ إذا قلنا: إن ثمة استخبارات (دولية) تضلع في تنفيذ مهمات مزدوجة في مناطق ملتهبة بالصراع وترسم سياسات لإضعاف طرف ضد طرف آخر. ولعل ما يحدث في العراق خير دليل، حيث صنعوا (الزرقاوي) ثم قتلوه، والآن يصنعون خليفته وسوف يقتلونه أيضا.. كل ذلك لجعل الصراع مستمرا في العراق بعيداً عن واشنطون ولندن وأوروبا بشكل عام.. وإذا كان العراق يغري الجميع بما يملكه من النفط.. فأين الإغراء الاقتصادي في بلد مثل (الصومال)؟! بلد لا يجد فيه الناس رغيفا يأكلونه، وترى وجوههم معفرة بالتراب من شدة الفقر والمجاعة والأمراض المستعصية. لكن هل كانت أفغانستان تغري بصناعة الحرب حينما صنعوا (طالبان) فيها؟! إنها لعبة السياسة الدولية منذ عصر "لورنس العرب" حتى تجارة الأسلحة في الصومالوالعراقوأفغانستانواليمنولبنان.. لذلك ننصحكم بمشاهدة فيلم "سريانا" لجورج كلوني، و"رجل الحرب" لنيكولوس كيج.. إنهما من إنتاج هوليوود، لكنهما يطرحان أفكاراً ومعلومات كثيرة عن لعبة السياسة والحروب وتجارة الأسلحة والاستخبارات العالمية. وإذا لم تتحرك دول المنطقة لإيقاف تطاول الميليشيات المسلحة في الصومال فإنها سوف تصنع حركة "طالبان" جديدة هناك.. لكن هذه المرة ستكون قريبة جدا من خاصرة الخليج وباب المندب وقناة السويس!.. حينها "الطموا" الوجوه!