كيف علقت حركة ''حماس'' على رحيل الشيخ الزنداني    مليشيا الحوثي توافق على عقد لقاء مباشر مع الحكومة الشرعية مقابل شرط واحد    الشيخ بن بريك: علماء الإسلام عند موت أحد من رؤوس الضلال يحمدون الله    أذكروا محاسن موتاكم.. فتشنا لمحاسن "زنداني" ولم نجدها    القبض على مقيم يمني في السعودية بسبب محادثة .. شاهد ما قاله عن ''محمد بن سلمان'' (فيديو)    لابورتا بعد بيان ناري: في هذه الحالة سنطلب إعادة الكلاسيكو    انقطاع الشريان الوحيد المؤدي إلى مدينة تعز بسبب السيول وتضرر عدد من السيارات (صور)    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مكان وموعد تشييع جثمان الشيخ عبدالمجيد الزنداني    سيئون يتخطى هلال السويري ويقترب من التأهل في البطولة الرمضانية لكرة السلة بحضرموت    قيادي حوثي يقتحم قاعة الأختبارات بإحدى الكليات بجامعة ذمار ويطرد الطلاب    التضامن يقترب من حسم بطاقة الصعود الثانية بفوز كبير على سمعون    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    بيان حوثي جديد بشأن العمليات العسكرية في البحر الأحمر والعرب والمحيط الهندي    برئاسة القاضية سوسن الحوثي .. محاكمة صورية بصنعاء لقضية المبيدات السامة المتورط فيها اكثر من 25 متهم    ميلشيا الحوثي تشن حملة اعتقالات غير معلنة بصنعاء ومصادر تكشف السبب الصادم!    الحوثيون يستجيبون لوساطة قبلية للسماح بإقامة مراسيم الدفن والعزاء للزنداني بصنعاء    دعاء مستجاب لكل شيء    حزب الرشاد يعزي في وفاة الشيخ الزنداني عضو الهيئة العليا للإصلاح    الزنداني كقائد جمهوري وفارس جماهيري    رئيس مجلس القيادة: برحيل الشيخ الزنداني خسرت الأمة مناضلاً جمهورياً كبيراً    - عاجل محكمة الاموال العامة برئاسة القاضية سوسن الحوثي تحاكم دغسان وعدد من التجار اليوم الثلاثاء بعد نشر الاوراق الاسبوع الماضي لاستدعاء المحكمة لهم عام2014ا وتجميدها    الكشف عن علاقة الشيخ الراحل "عبدالمجيد الزنداني" مع الحوثيين    ديزل النجاة يُعيد عدن إلى الحياة    عودة الزحام لمنفذ الوديعة.. أزمة تتكرر مع كل موسم    رئاسة الجمهورية تنعي الشيخ عبدالمجيد الزنداني وتشيد بدوره في مقارعة النظام الإمامي    غضب المعلمين الجنوبيين.. انتفاضة مستمرة بحثا عن حقوق مشروعة    وزير الصحة يشارك في اجتماعات نشاط التقييم الذاتي لبرنامج التحصين بالقاهرة    ماني يتوج بجائزة الافضل في الجولة ال 28 من دوري روشن السعودي    من هو الشيخ عبدالمجيد الزنداني.. سيرة ذاتية    الأمانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب تحتفل باليوم العربي للتوعية بآلام ومآسي ضحايا الأعمال الإرهابية    الامين العام للحزب الاشتراكي اليمني يبعث برقية عزاء ومواساة الى اللواء احمد عبدالله تركي محافظ محافظة لحج بوفاة نجله مميز    «كاك بنك» يكرم شركة المفلحي للصرافة تقديراً لشراكتها المتميزة في صرف الحوالات الصادرة عبر منتج كاك حوالة    تراجع هجمات الحوثيين بالبحر الأحمر.. "كمل امكذب"!!    راتكليف يطلب من جماهير اليونايتد المزيد من الصبر    مجازر صباحية وسط قطاع غزة تخلف عشرات الشهداء والجرحى    مستشار الرئيس الزبيدي: مصفاة نفط خاصة في شبوة مطلبا عادلًا وحقا مشروعا    ارتفاع الوفيات الناجمة عن السيول في حضرموت والمهرة    انخفاض أسعار الذهب مع انحسار التوترات في الشرق الأوسط    ريال مدريد يقتنص فوزا ثمينا على برشلونة في "كلاسيكو مثير"    مع الوثائق عملا بحق الرد    لماذا يشجع معظم اليمنيين فريق (البرشا)؟    الزنداني يكذب على العالم باكتشاف علاج للإيدز ويرفض نشر معلوماته    الدعاء موقوف بين السماء والأرض حتى تفعل هذا الأمر    فاسكيز يقود ريال مدريد لحسم الكلاسيكو امام برشلونة    الحكومة تطالب بإدانة دولية لجريمة إغراق الحوثيين مناطق سيطرتهم بالمبيدات القاتلة    النقد الدولي: ارتفاع الطلب الأميركي يحفز النمو العالمي    مركز الإنذار المبكر بحضرموت يعلن انحسار تدريجي للحالة الجوية الموسمية    المواصفات والمقاييس تختتم برنامج التدريب على كفاءة الطاقة بالتعاون مع هيئة التقييس الخليجي    الأهداف التعليمية والتربوية في قصص القاضي العمراني (1)    لحظة يازمن    بعد الهجمة الواسعة.. مسؤول سابق يعلق على عودة الفنان حسين محب إلى صنعاء    المساح واستيقاف الزمن    - عاجل فنان اليمن الكبير ايواب طارش يدخل غرفة العمليات اقرا السبب    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    الممثل صلاح الوافي : أزمة اليمن أثرت إيجابًا على الدراما (حوار)    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



داخل الحرس الثوري.. ثلاثون عامًا من الحكم الحديدي لإيران
نشر في نشوان نيوز يوم 05 - 07 - 2010

لم يتردد محمد رضا نقدي في تنفيذ أوامر قيادته في الحرس الثوري الإيراني باغتيال ابن عمه محمد حسين نقدي، القائم بالأعمال الإيرانية في روما لمجرد أنه انضم للمعارضة، نفذ رضا نقدي المهمة بنجاح فكانت المكافأة من قيادات الحرس أن أصبح واحدًا منهم ليبدأ خطواته على سلم الترقي حتى تولى أخيرًا قيادة الحرس الثوري.

ما فعله نقدي ليس غريبًا على الحرس الثوري ولا أعضائه، فهكذا يتعامل ذلك التنظيم الحديدي الذي يحكم إيران منذ ثلاثين عامًا بالحديد والنار مع كل من يشق عصا الطاعة، وهكذا ينفذ أعضاؤه الأوامر مهما كانت قاسية دون نقاش، وإنما بطاعة عمياء إن لم يكن بفعل الانتماء فبخوف من انتقام الحرس الثوري. ليس مجرد تشكيل مسلح قريب من النظام ، لكنه اشبه باخطبوط سياسي نجح عبر خطة طويلة ممنهجة ، طويلة المدي في أن يختصر ايران في كيانه المتشعب لكل نواحي الحياة فيها ونظرة مقربة للجمهورية الإسلامية تؤكد ذلك التوغل غير المسبوق لهذا التشكيل الأمني الذي دفع برجاله الي الوزارات والهيئات الامنية والقضائية والمؤسسات الدينية ،دون أن يغفل الموقع الأهم في البلاد - الرئاسة - الذي قدم فيه أفضل رجاله وأكثرهم ولاء علي الإطلاق وهو احمدي نجاد الذي عمد بدوره الى تقوية التنظيم وتصعيد رجاله لتكون لهم الكلمة العليا في كل قطاعات الدولة المهمة.
بعد قيام الثورة الإسلامية عام 1979، بدأت إيران في تدعيم نفوذها على الساحة الإقليمية من خلال انتهاج سياسة "تصدير الثورة" التي اعتمدت على استخدام ما يسمي ب"الرموز المكثفة" "Condensations Symbols"، مثل شعار "عدو الإسلام" الذي استخدم بكثافة ضد كل خصوم نظام الجمهورية الإسلامية، وشعار "ديف بزرك" أو "الشيطان الأكبر" لوصف الولايات المتحدة الأمريكية.
وقد تمخض عن انتهاج إيران لسياسة "تصدير الثورة" نتيجتان: الأولى، توتير العلاقات مع معظم دول الجوار التي اتهم بعضها إيران بالسعي لإقامة هلال شيعي يمتد من العراق إلى سوريا ولبنان وينتهي في فلسطين، وتعرض إيران لعزلة دولية وإقليمية بسبب طموحاتها النووية والإقليمية. والثانية، تصاعد الدور السياسي الخارجي لبعض المؤسسات الرسمية الإيرانية وعلى رأسها الحرس الثوري (الباسدران)، الذي كان بمثابة الذراع الطولى لإيران لتصدير ثورتها إلى الخارج، من خلال تطوير هيكلية رسمية لتجنيد وتدريب جنود وعملاء الثورة الإسلامية، الذين حاولوا نشر الثورة في الخارج بجميع الوسائل، وتأسيس شبكة اتصالات وعلاقات واسعة مع العديد من المنظمات الراديكالية الموجودة في المنطقة.
منذ تلك اللحظة بدأ الحرس الثوري يفرض نفسه باعتباره رقمًا مهمًا في معادلة صنع القرار في إيران. ورغم أن هذا القسم الحيوي من القوة العسكرية الإيرانية تأسس في البداية لمهام دفاعية بحتة ممثلة في حماية النظام الإسلامي من الأخطار الداخلية بالأساس، فإنه نجح في التحول إلى قوة سياسية واقتصادية لها وزنها على الساحتين الداخلية والخارجية.
وتعتبر وحدة "قدس" أحد أهم وحدات الحرس الثوري، إذ يبلغ عددها قرابة 5 آلاف شخص، وهي مسئولة عن مهمات استخباراتية وعمليات سرية، على غرار الإسهام في تأسيس "حزب الله" في لبنان في الثمانينيات من القرن الماضي، وتدريب قوات "فيلق بدر" التابعة للمجلس الإسلامي الأعلى بالعراق. وقد شيدت هذه الوحدة أربع قواعد عسكرية سرية في طهران، وقواعد أخرى في تبريز وقم ومشهد وشرق لبنان، كما أسهمت في دعم منظمات عسكرية في لبنان وفلسطين وأفغانستان والعراق، تحت عنوان "تصدير الثورة الإيرانية إلى الخارج"، وهو ما دفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى وضع الحرس الثوري على لائحة الإرهاب في سبتمبر/أيلول 2007. كما تضمنت قرارات مجلس الأمن الدولي (1737، و1747، و1803) تجميد أصول ضباط الحرس رفيعي المستوى، وذلك بسبب روابطهم بالبرامج النووية والصاروخية الإيرانية الحساسة.
أسباب متعددة
وثمة عوامل أساسية أربعة أسهمت في تدعيم دور الحرس الثوري في عملية صنع القرار في إيران: الأول، اندلاع الحرب العراقية –الإيرانية
(الحرب المفروضة، كما يطلق عليها الإيرانيون، وتمتد من عام 1980 إلى عام 1988)، والتي أكسبت الحرس الثوري قاعدة جماهيرية واسعة، كما دفعته إلى تطوير قدراته العسكرية بحيث أصبح يمتلك جيشًا كامل التجهيز. والثاني، أن دور الحرس لم ينحصر في المجال الأمني والدفاعي فقط، بل امتد ليشمل المشاركة في المشروعات العمرانية الكبرى، التي تقوم بإنشائها الحكومة، الأمر الذي حول الحرس إلى مؤسسة ضخمة لها مواردها وميزانيتها وكوادرها وجامعتها ومساهمتها الإنتاجية الواسعة. والثالث، شبكة العلاقات الواسعة التي أقامها الحرس مع مؤسسات صنع القرار الأخرى في إيران وعلى رأسها مؤسسة المرشد، الذي يدين له بالولاء التام، ويتمتع مقابل ذلك بامتيازات؛ أهمها الاستقلال النسبي في مواجهة المؤسسات الأخرى وعلى رأسها مؤسسة الرئاسة، كما أن للحرس علاقات قوية مع الحوزة الدينية في مدينة قم والمؤسسات الخيرية الواسعة الانتشار في إيران، ويذكر في هذا السياق، أن مؤسسة "جهاد البناء" التي تأسست في الأصل لتمكين الفلاحين من الاستيلاء على الأراضي الزراعية، التي صادرتها الثورة، تحولت إلى أحد أفرع الحرس الثوري خلال فترة الحرب مع العراق، من خلال إقامتها للطرق والجسور والاستحكامات الدفاعية، وبعد انتهاء الحرب تولى بعض كوادر الحرس العديد من المؤسسات الأخرى مثل مؤسسة "المستضعفين" الأكثر شهرة وانتشارًا في إيران وخارجها، والتي تدير أكثر من 400 شركة يقدر خبراء إيرانيون قيمتها بنحو 12 مليار دولار، وتعد أكبر هيئة اقتصادية بعد الحكومة. وقد أورد قسم الإحصاء التابع لها تقديرًا إجماليًا لحجم هذه الثروة ومفرداتها، جاء فيه أن 45% من المشروبات المرطبة، و46% من المصنوعات المعدنية، و30% من المنسوجات، و30% من المنتجات الغذائية، فضلًا عن 60% من الفنادق ذات الأربع والخمس نجوم تقع تحت تصرف المؤسسة التي تمتلك أيضًا جمعيات رياضية و21 سفينة تجارية وعددًا من طائرات الركاب.
كما يسيطر الحرس على مؤسسة النور (بنياد نور) التي تنشط في مجال استيراد السكر والأدوية ومعدات البناء، وبحوزتها أيضًا ممتلكات عقارية مهمة. ويترأس هذه الجمعية محسن رفيق دست، وزير الحرس الثوري سابقًا، الذي أصبح فيما بعد رئيس جمعية "المستضعفين"، كما أنه عضو في مجلس تشخيص مصلحة النظام.
وتخضع مؤسسة المؤثرون (بنياد ايثارگران) لإدارة ضباط سابقين في الحرس الثوري. وهي توفر خدمات لعائلات أولئك الذين قتلوا أو أسروا خلال الحرب الإيرانية-العراقية. وتمثل هذه المؤسسة تيارًا اجتماعيِّا تعرض لظروف سياسية واقتصادية قاسية دفعته إلى تبني نهج متشدد في التعاطي مع مختلف القضايا، فهو وليد الطبقة الفقيرة التي تشعر بالتمايز والفوارق الطبقية أمام الطبقة العليا التي ينتمي إليها كبار رجال الدين الذي يجمعون بين السلطة والثروة ويرتبطون بعلاقات قوية مع تجار البازار.
اللافت للانتباه في هذا السياق، هو أن سيطرة الحرس الثوري على بعض هذه المؤسسات العملاقة كانت سببًا في ظهور حالات فساد كبرى، مثلما حدث في مؤسسة "المستضعفين" عام 1995، حيث أدانت محكمة خاصة في طهران كلا من مرتضى رفيق دوست رئيس إحدى الشركات التجارية التابعة للمؤسسة، وشقيق رئيس المؤسسة محسن رفيق دوست وزير الحرس الثوري السابق، وسبعة من زملائه المقربين، باختلاس 800 مليون دولار من أموال الدولة. وأصدرت المحكمة أحكامًا على مرتضى رفيق دوست بالسجن مدى الحياة، بينما حكمت بالإعدام على فاضل خوداد، رئيس حسابات إحدى الشركات التي تعاونت بشكل وثيق مع المؤسسة، ونفذ الحكم فورًا. وتعذر إثبات المشاركة المباشرة لمحسن رفيق دوست في هذه القضية، ورغم رفع ما يقرب من ألف دعوى قانونية ضد رئيس المؤسسة منذ عام 1995، فإن المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي وفر له الحماية.
تصاعد الدور الاقتصادي للباسدران بدا جليًا بعد حالة الجدل التي شهدتها الساحة الإيرانية في سبتمبر/أيلول 2009، عقب قيام مجموعة شركات "اعتماد مبين" المرتبطة بالحرس بشراء أكثر من 50% من أسهم شركة الاتصالات الحكومية مقابل 7.8 مليار دولار، في إطار عملية الخصخصة التي تقوم بها الحكومة منذ عام 2006، وهو ما اعتبرته هيئة التفتيش مخالفًا لفكرة التخصيص ذاتها وفتحت تحقيقًا رسميِّا حول هذا الأمر.
فضلا عن ذلك، يحظى الحرس الثوري بنفوذ واسع في كل أجهزة الشرطة والمخابرات، والجهاز الإعلامي، حيث قام بإنشاء قناة إعلامية خاصة به، كما قام بتأسيس مكاتب تابعة له داخل الجامعات الإيرانية مثل جامعة الإمام الخميني في قزوين، بالإضافة إلى نفوذه داخل المؤسسات السياسية والمدنية الأخرى في إيران.
أما العامل الرابع، فيتمثل في انتشار رجاله في العديد من مؤسسات صنع القرار الأخرى مثل مجلس الشورى ووزارة الاستخبارات، ووزارة الخارجية التي تحظى باهتمام خاص لدى الحرس الثوري، لكونها أحد أهم مراكز صنع قرار السياسة الخارجية. وقد كان لبعض مسئولي الخارجية الإيرانية من المحسوبين على الحرس الثوري بصمات واضحة فيما آلت إليه علاقات إيران الخارجية، مثل حسين شيخ الإسلام الذي كان مسئولا عن دائرة الشئون العربية في الوزارة، وشارك في اقتحام السفارة الأمريكية في طهران عام 1980، كما كان له دور في عملية اختطاف الرهائن الأمريكيين في لبنان عام 1982. كذلك جمع محمد بشارتي بين مهام عمله في الوزارة والحرس الثوري، وقام من هذا المنطلق ببذل جهود حثيثة في الوساطة بين حركة أمل وحزب الله إبان مواجهاتهما في الفترة من 1988- 1990. وإلى جانب ذلك، قام الحرس الثوري بتأمين وجود خاص له في لبنان عقب الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، حيث أقام مخيمين للتدريب: الأول في الزبداني، وهي بلدة سورية على الحدود مع لبنان، والثاني في بعلبك اللبنانية.
اتصالات مع القاعدة
كما فتح الحرس الثوري اتصالات مع تنظيم القاعدة مع بداية التسعينيات من القرن الماضي، تخللها الاتفاق على قيام الحرس الثوري بتنظيم تدريبات تكتيكية للقاعدة، ولم يمض وقت طويل، حتى ذهب عناصر من القاعدة إلى طهران لتلقي التدريبات. وقد تلاقي الطرفان مرة أخرى في البلقان عام 1992، حيث بدأت الحرب في البوسنة والهرسك. ورأت كل من إيران والقاعدة أن المسلمين يتعرضون للاضطهاد والتطهير، ومن ثم كانا من أبرز الأطراف التي قدمت مساعدات للمسلمين هناك. ففي عام 1993 أقيم في البوسنة لواء الحرس الثوري السابع، الذي كان تحت قيادة إيرانية وكان يقوم في أكثره على مجندين من المجاهدين في أفغانستان، وعناصر منظمات راديكالية مختلفة. وحتى نهاية الحرب في البلقان في عام 1995 وجدت عشرة أطر لوائية، بعضها ألوية بقيادة المجاهدين من أفغانستان، وبعضها ألوية مختلطة من البوسنيين المحليين والمتطوعين الأجانب.
اللافت في هذا السياق أن الخلاف المذهبي لم يقف عائقًا أمام تطوير العلاقات بين إيران والقاعدة، وهذه الحقيقة بالتحديد كشف عنها قائد وحدة القدس التابعة للحرس الثوري الجنرال قاسم سليماني، الذي أقر في ندوة عقدها مخيم لطلبة الدراسات الإستراتيجية والدفاعية بجامعة الإمام الحسين عام 2004، بتوفير إيران تسهيلات للزعيم السابق ل"تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين" أبو مصعب الزرقاوي، مبررًا ذلك ب"أن نشاطات الزرقاوي في العراق تخدم المصالح العليا للجمهورية الإسلامية وبينها منع قيام نظام علماني فيدرالي متعاون مع الولايات المتحدة". وأضاف سليماني: "لا يحتاج الزرقاوي وعناصر قيادة تنظيمه إلى رخصة مسبقة لدخول إيران، فهناك نقاط حدود معينة تمتد من حلبجة شمالا إلى عيلام جنوبا، يستطيع الزرقاوي وما يزيد على عشرين مقاتلا من مؤيديه دخول الأراضي الإيرانية متى يشاءون". وقد رد العميد سليماني على تساؤلات أثارها بعض الطلبة بشأن أسباب دعم إيران لشخص معادٍ للشيعة مثل الزرقاوي، الذي سبق أن اتهمته أوساط قريبة من المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي بالضلوع في اغتيال محمد باقر الحكيم رئيس المجلس الأعلى الإسلامي العراقي، بقوله أن تورط الزرقاوي في مقتل الحكيم ليس أمرًا مؤكدًا، فضلا عن أن ما يقوم به الزرقاوي حاليًا يخدم مصالح الجمهورية الإسلامية العليا، فقيام عراقي علماني فيدرالي متعاون مع الولايات المتحدة أخطر بكثير من النظام البعثي السابق، ذلك أن النظام الجديد سيشكل، حسب سيلماني، "تهديدًا حقيقيِّا للإسلام الثوري المحمدي الخالص وولاية الفقيه".
حصة مميزة في حكومة نجاد الثانية
وقد كان للباسدران حصة غير قليلة في التشكيلة الحكومية الجديدة للرئيس محمود أحمدي نجاد التي صدق عليها البرلمان في 3 سبتمبر/أيلول 2009، حيث تم تعيين أحمد وحيدي وزيرًا للدفاع، وهو مطلوب من الإنتربول على خلفية تفجير مركز يهودي في بيونس آيرس في عام 1994 قتل فيه 85 شخصًا. ولا يستطيع وحيدي السفر إلى الخارج خشية اعتقاله.
وكان وحيدي الذي عمل في الحرس الثوري أغلب حياته ورأس الاستخبارات في الحرس، مسئولا عن وحدة القدس التابعة للحرس الثوري، التي تعتبر قوة النخبة المسئولة عن العمليات الإيرانية في الخارج، كما أن وحيدي كان أحد المسئولين في قضية "إيران كونترا" حيث تم الاتفاق سرًا على أن تزود إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان إيران بالأسلحة بسبب حاجتها الماسة لأنواع متطورة منها خلال الحرب مع العراق مقابل مساعدة إيران في إطلاق سراح بعض المعتقلين الأمريكيين الذين اختطفوا في لبنان، وكان الاتفاق يقضي ببيع إيران عن طريق إسرائيل ما يقارب 3000 صواروخ تاو مضادة للدروع وصواريخ هوك أرض جو مضادة للطائرات.
تعيين وحيدي وزيرًا للدفاع وإشادة نواب البرلمان به واحتفاؤهم بمنحه الثقة، كل ذلك يعني أن الحكومة الجديدة سوف تتبنى إستراتيجية متشددة تكون القوة العسكرية أداتها الرئيسية، لاسيما أن وحيدي وهو مقرب من المرشد خامنئي، يؤمن بأن الهجوم خير وسيلة للدفاع، كما يقدم مؤشرًا على أن إيران تعي جيدًا احتمال تعرضها لضربة عسكرية في الفترة المقبلة لاسيما في ظل التحفز الإسرائيلي ضدها، واقتراب الموقف الأمريكي من تبني الرؤية الإسرائيلية، واحتمال تغيير موقف روسيا والصين، خصوصًا بعد العراقيل التي وضعتها إيران أمام تنفيذ الاتفاق الذي تم التوصل إليه في اجتماع جنيف، الذي عقدته إيران ومجموعة "5+1" في أول أكتوبر/تشرين أول 2009، والذي يقضي بنقل نحو 1200 كجم من مخزونها من اليورانيوم المنخفض التخصيب (3.5%) إلى روسيا، لرفع مستوى التخصيب إلى 19.75%، ثم إلى فرنسا لتحويله إلى قضبان ووقود، على أن يعود إلى إيران لاستخدامه لتشغيل مفاعل للأغراض الطبية وهو الاتفاق الذي لم ير النور وأكملت إيران عنادها فيه برفع مستوى التخصيب إلى 20% لتواجه ثورة دولية مازالت مستمرة الصدى .
وحيدي ليس الوزير الوحيد الذي ينتمي إلى الحرس الثوري في الحكومة، فهناك أيضًا مصطفى محمد نجار، وزير الداخلية الجديد، الذي عمل كذلك غالبية حياته في الحرس الثوري، وبتعيينه وزيرًا للداخلية يكتمل عقد العسكريين في الحكومة الجديدة، إلا أن تعيينه يثير قلق الإصلاحيين في إيران، فهو بحكم منصبه الجديد سيكون مسئولا عن الانتخابات البلدية القادمة، والتي تعتبر أول استحقاق سياسي سوف يعقب الانتخابات الرئاسية ويأمل الإصلاحيون من خلالها في إعادة جزء من قوتهم التي فقدوها خلال انتخابات الرئاسة، ومن ثم إحداث تعديل للخلل في توازن القوى الناشئ بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة لصالح المحافظين الأصوليين.
وإلى جانب وحيدي ومحمدي، تم تعيين مسعود مير كاظمي وزيرًا للنفط، وهو صديق شخصي للرئيس أحمدي نجاد جاء من الحرس الثوري أيضًا، ويعتبر تصديق البرلمان عليه مفاجأة، في ضوء الانتقادات الحادة التي واجهها، لاسيما فيما يتعلق بافتقاده الخبرة اللازمة لإدارة هذه الوزارة الحيوية المسئولة عن 80% من الدخل الإيراني.
التصعيد في الملف النووي فرصة ذهبية للباسدران
استغل الباسدران حالة التصعيد الحالية في أزمة الملف النووي الإيراني التي تهدد بفرض عقوبات أكثر قسوة على إيران، وربما بنشوب مواجهة عسكرية بين إيران والغرب، من أجل تدعيم نفوذه داخل مؤسسات الدولة، وبسط سيطرته على معظم الأجهزة الحساسة وخاصة الإذاعة والتليفزيون الذي يتولى رئاسته العميد في الحرس الثوري عزت الله ضرغامي، الذي جدد المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئى فترة رئاسته لمدة خمسة أعوام أخرى.
وقد صبت التغييرات الأخيرة، التي أجريت داخل القوات المسلحة وأجهزة الأمن، استعدادًا لاحتمال تعرض إيران لضربة عسكرية ضد منشآتها النووية، أو إثارة اضطرابات داخلية خاصة في المناطق التي تقطنها الأقليات الموجودة على الحدود مع الدول الأخرى، لاسيما بعد العملية التي قام بها تنظيم "جند الله" السُني البلوشي في مبني بلدية مدينة سرباز بمحافظة سيستان بلوشستان في 18 أكتوبر/تشرين أول 2009، والتي أودت بحياة أكثر من 15 عنصرًا من قوات الحرس الثوري على رأسهم نائب قائد القوات البرية في الحرس العميد نور علي شوشتري، وقائد القوات البرية في محافظة بلوشستان محمد زاده، في صالح الباسدران، حيث أتاحت له السيطرة على مناطق جديدة في إيران. فبناءً على هذه التغييرات، تم تفويض الإشراف والرقابة على حدود بحر قزوين إلى الجيش الإيراني، فيما أحيل أمن منطقتي الخليج وبحر عمان إلى الحرس الثوري. كذلك تم تقسيم قوات الحرس الثوري بناءً على الخطة إلى ثماني مناطق وانضمت قوى التعبئة (الباسيج) إلى القوات البرية في الحرس الثوري.
وتفيد تقارير عديدة، ومنها التقرير الأخير الصادر عن البحرية الأمريكية، والذي نشره موقع "سيكرسي نيوز" الإلكتروني، أنه بعد إعادة هيكلة القوات المسلحة الإيرانية، تضاعفت قوة الحرس الثوري، حيث أصبحت القوات البحرية التابعة له تمتلك ترسانة من الزوارق الصغيرة الشديدة السرعة بنتها شركة "فابيو بوتسي ديزاين" الإيطالية، والصواريخ المضادة للسفن، والسفن القاذفة للصواريخ بالاستناد إلى النماذج الكورية الشمالية، بهدف إنشاء خط دفاعي يمنع "العدو" من بلوغ مضيق هرمز والخليج.
مجمل ما سبق يؤكد أن الحرس الثوري الإيراني بات يمثل دولة داخل الدولة، سواء لجهة سعيه إلى النفاذ داخل كل مؤسسات صنع القرار، بما فيها مؤسسة المرشد، أو لجهة سعيه إلى التفرد بإدارة الصراع مع الغرب حول الملف النووي والتمدد الإيراني على الساحة الإقليمية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.