امين عام الاشتراكي يهنئ الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بنجاح مؤتمرهم العام مميز    تحذير أممي من تأثيرات قاسية للمناخ على أطفال اليمن    تعز.. قيادة الإصلاح تستقبل جموع المعزين في فقيد اليمن الشيخ عبدالمجيد الزنداني    مقدمة لفهم القبيلة في شبوة (1)    لابورتا يعلن رسميا بقاء تشافي حتى نهاية عقده    فينيسيوس يتوج بجائزة الافضل    الجهاز المركزي للإحصاء يختتم الدورة التدريبية "طرق قياس المؤشرات الاجتماعي والسكانية والحماية الاجتماعية لاهداف التنمية المستدامة"    "جودو الإمارات" يحقق 4 ميداليات في بطولة آسيا    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    المجلس الانتقالي بشبوة يرفض قرار الخونجي حيدان بتعيين مسئول أمني    هبوط المعدن الأصفر بعد موجة جني الأرباح    نبذه عن شركة الزنداني للأسماك وكبار أعضائها (أسماء)    إيفرتون يصعق ليفربول ويوجه ضربة قاتلة لسعيه للفوز بالبريميرليغ    الإصلاحيين يسرقون جنازة الشيخ "حسن كيليش" التي حضرها أردوغان وينسبوها للزنداني    اشهر الجامعات الأوربية تستعين بخبرات بروفسيور يمني متخصص في مجال الأمن المعلوماتي    الإطاحة بشاب أطلق النار على مسؤول أمني في تعز وقاوم السلطات    طلاق فنان شهير من زوجته بعد 12 عامًا على الزواج    الثالثة خلال ساعات.. عملية عسكرية للحوثيين في البحر الأحمر وتدمير طائرة    رئيس الاتحاد الدولي للسباحة يهنئ الخليفي بمناسبه انتخابه رئيسًا للاتحاد العربي    الوجع كبير.. وزير يمني يكشف سبب تجاهل مليشيا الحوثي وفاة الشيخ الزنداني رغم تعزيتها في رحيل شخصيات أخرى    حقيقة وفاة ''عبده الجندي'' بصنعاء    رجال القبائل ينفذوا وقفات احتجاجية لمنع الحوثيين افتتاح مصنع للمبيدات المسرطنة في صنعاء    تضامن حضرموت يظفر بنقاط مباراته أمام النخبة ويترقب مواجهة منافسه أهلي الغيل على صراع البطاقة الثانية    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    سيئون تشهد تأبين فقيد العمل الانساني والاجتماعي والخيري / محمد سالم باسعيدة    الزنداني يلتقي بمؤسس تنظيم الاخوان حسن البنا في القاهرة وعمره 7 سنوات    حضرموت هي الجنوب والجنوب حضرموت    لغزٌ يُحير الجميع: جثة مشنوقة في شبكة باص بحضرموت!(صورة)    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    اليونايتد يتخطى شيفيلد برباعية وليفربول يسقط امام ايفرتون في ديربي المدينة    لأول مرة.. زراعة البن في مصر وهكذا جاءت نتيجة التجارب الرسمية    رئيس كاك بنك يبعث برقية عزاء ومواساة لمحافظ لحج اللواء "أحمد عبدالله تركي" بوفاة نجله شايع    "صدمة في شبوة: مسلحون مجهولون يخطفون رجل أعمال بارز    البحسني يثير الجدل بعد حديثه عن "القائد الحقيقي" لتحرير ساحل حضرموت: هذا ما شاهدته بعيني!    عبد المجيد الزنداني.. حضور مبكر في ميادين التعليم    وحدة حماية الأراضي بعدن تُؤكد انفتاحها على جميع المواطنين.. وتدعو للتواصل لتقديم أي شكاوى أو معلومات.    الخطوط الجوية اليمنية تصدر توضيحا هاما    مليشيا الحوثي تختطف 4 من موظفي مكتب النقل بالحديدة    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    الديوان الملكي السعودي: دخول خادم الحرمين الشريفين مستشفى الملك فيصل لإجراء فحوصات روتينية    صحيفة مصرية تكشف عن زيارة سرية للارياني إلى إسرائيل    برشلونة يلجأ للقضاء بسبب "الهدف الشبح" في مرمى ريال مدريد    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    «كاك بنك» فرع شبوة يكرم شركتي العماري وابو سند وأولاده لشراكتهما المتميزة في صرف حوالات كاك حواله    قيادة البعث القومي تعزي الإصلاح في رحيل الشيخ الزنداني وتشيد بأدواره المشهودة    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و183    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    دعاء مستجاب لكل شيء    مع الوثائق عملا بحق الرد    لماذا يشجع معظم اليمنيين فريق (البرشا)؟    لحظة يازمن    - عاجل فنان اليمن الكبير ايواب طارش يدخل غرفة العمليات اقرا السبب    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المرشد الأعلى
نشر في الجمهورية يوم 01 - 07 - 2009


النفَس الذي يخرج من صدرك
يتحول غيمة داكنة
ويقف مثل جدار أمام عينيك
الآن في صيف 2009م، في القيظ الشديد لشوارع طهران الخانقة، خامنئي نفسه هو الذي بات يمثل لملايين الإيرانيين تلك الوطأة الباردة والثقيلة للسلطة.
كتب : كريستوفر ديكي
"لن يردوا على تحيتك". هكذا تبدأ قصيدة يعرفها المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي جيداً، وكان يحبها من قبل. وتتابع: "لن يرفع أحد رأسه ليجيب عن سؤال أو لرؤية صديق". كُتبَت القصيدة في زمن الشاه في الخمسينيات من القرن الماضي، عندما كان خامنئي رجل دين شيعياً شاباً ومثالياً يتقاسم مع شاعرها المسرف في الشراب شعوراً بالنفور الناجم عن الجو الضاغط وبالإحباط العميق. قصيدة Winter (شتاء) لمهدي إخوان ثالث، هي أقوى تعبير مجازي عن القمع، المفروض من الخارج إنما المستبطن داخلياً إلى حد كبير:
ما يحصل في إيران ليس مجرد مواجهة بين الاستبداد والحرية. فلم تؤد موجة تلو الأخرى من الاحتجاجات إلى إطاحة النظام، ولا هي سعت إلى ذلك. لكن بعد 30 عاماً من قيام الثورة الإسلامية بإطاحة الشاه، أعادت هذه الاحتجاجات صوغ المشهد السياسي في البلاد. لقد قوّضت لا بل دمرت مصداقية القيادة الدينية في إيران، ناهيك عن عصمتها عن الخطأ. وإذا كانت قد نجحت في ذلك، فالسبب إلى حد كبير هو هوية المرشد الروحي.
على غرار كل الثورات، إنه صراع معقد للإرادات والرؤى، للطموحات والأحقاد، بوجود محتجين وشهداء في الشوارع ومتآمرين مكيافيليين خلف الأبواب المغلقة. لقد شاهدتم أشرطة الفيديو غير النقية المصورة بالهواتف الخلوية التي لاتزال تفلت من الرقابة: مئات الآلاف من الأشخاص الذين يسيرون بوقار وصمت في شوارع طهران من دون أن يتعبوا» عصابات الدراجات النارية المليشياوية التي تلوح بالهراوات» أعمال العنف التي تندلع من حين إلى آخر ضد القوات والمباني الحكومية. لقد رأيتم، ربما أكثر مما ترغبون في ذلك، العينين الغائرتين والتكشيرة المقلقة للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الذي تسببت إعادة انتخابه في فوز ساحق مزعوم، باندلاع الأزمة. ووسط الحشود، رأيتم أيضاً الوجه غير المألوف نسبياً للمتحدي، مير حسين موسوي، الذي أصبح شخصياً وعلى الملصقات رمزاً للأمل.
لكن في هذا التدفق الحركي والملون للصور، غالباً ما بدا ظهور خامنئي على التلفزيون الرسمي وكأنه فواصل جامدة. بالنسبة إلى الغربيين الذين يتذكرون المرشد الأعلى الأول، آية الله روح الله الخميني ذا الخطاب الناري، يمكن أن يبدو خامنئي خلفاً ضعيفاً.
فعلى التلفزيون، لا يتمتع بأية جاذبية تقريباً، واعتبره البعض في البداية مرشداً عرضياً يملأ المنصب بانتظار أن يتولاه من هو أفضل منه. حافظ طوال عقدين على منصبه ليس من خلال قوة شخصيته أو حتى سلطته الدينية إنما عبر إرساء توازن بين الفصائل وإظهار نفسه بأنه فوق الشجار.
في الواقع، لم يكن يوماً كذلك. ويشتكي النقاد من أنه في الأعوام الأربعة الماضية، تساهل مع أحمدي نجاد، الشخصية الأكثر إثارة للانقسام في البلاد، ودافع عنه، الأمر الذي لم يكن في مصلحته. يقول سياسي يعرف خامنئي منذ أكثر من 40 عاما: "على غرار أي شخص موجود في السلطة منذ وقت طويل، يحب خامنئي أن يكون محط تبجيل". وقد طلب هذا السياسي، شأنه في ذلك شأن معظم الإيرانيين، عدم الإفصاح عن هويته في معرض مناقشته لهذا الموضوع الأكثر حساسية في إيران. وأردف قائلا: "مدهش كم أن الإطراء يخدع أشخاصا كثيرين. هذا الرجل، أحمدي نجاد، يدمر نظام الجمهورية الإسلامية بكامله الذي يشمل السيد خامنئي. لكن السيد خامنئي يدعمه لأنه يجلس مثل فأر أمامه ويقبل قدميه".
على مر السنين، عمد خامنئي أيضاً بهدف ترسيخ قاعدة سلطته، إلى تطوير علاقات وثيقة مع الجيش والأجهزة الأمنية، حسبما يتيح له الدستور الإيراني. فقد بنى بيروقراطية كبيرة داخل الحكومة وحول بيت المرشد. غير أن هذا كله جعله غير مستعد للمراحل الأولى لهذه الأزمة: ضعفه في الشارع الذي خرج بأعداد ضخمة ضد أحمدي نجاد بعد الانتخابات التي يُزعَم بأنها مزورة، وداخل الحوزات الدينية حيث تعرضت سلطته للتحدي من رجال دين منقسمين تستمر خصوماتهم العميقة والمعقدة منذ عقود.
في صلاة الجمعة في جامعة طهران، بعد أسبوع استثنائي من توجه الإيرانيين إلى صناديق الاقتراع، طلب خامنئي إلى أحمدي نجاد وموسوي، إلى جانب المرشحَين الآخرين رئيس الحرس الثوري السابق محسن رضائي ورئيس مجلس الشورى السابق هدي كروبي المشاركة في الصلاة والقبول بحكمه. ودعي المراسلون الذين كانوا قد تلقوا أوامر بعدم الخروج من مكاتبهم في وقت سابق من الأسبوع، إلى حضور الصلاة. وكان الهدف بلا شك إظهار أن النظام لايزال صلباً. (يقول السير ريتشارد دالتون، الذي كان سفير بريطانيا لدى إيران في مطلع العقد: "يعرفون أنهم إذا لم يقفوا معاً، فسوف يقضى عليهم فرداً فرداً"). في كل الأزمات السابقة، كانت هناك لحظة مماثلة، ووقف نادي فتيان الثورة معاً. لكن هذه المرة، الأمور مختلفة.. لم يأت موسوي إلى الصلاة. وكذلك كروبي. وقد نظر خامنئي إلى أحمدي نجاد الجالس مطيعاً تحته في الصف الأول من المؤمنين، ووجه تحذيراً إلى من ليسوا مخلصين بالدرجة نفسها. قال: إنه لن يتراجع. وأضاف: إنه لم يكن هناك تزوير في الانتخابات، وحتى لو كان هناك من تزوير، فهو لا يفسر فارق ال11 مليون صوت بين أحمدي نجاد وخصمه. واعتبر أن التهجم على النتائج هو تهجم على الثورة. وعبر تنديد خامنئي بالاحتجاجات، فتح الطريق أمام القمع من القوات الأمنية الذي عرف الجميع أنه قد يحصل وتخوفوا منه. غير أنه حمل المسؤولية للمحتجين عندما قال: "إذا وقع أي حمام دماء، فسوف يتحمل قادة الاحتجاجات المسؤولية المباشرة".
في الواقع، شكّل الخطاب تتويجاً لحياة المرشد الأعلى، بدءاً من التلميح إلى أن عدم إطاعته هو أشبه بخيانة النبي محمد، وانتهاء بتوجيه خامنئي نظره نحو الهواء من حوله وكأنه يخاطب مباشرة الإمام ال12 الذي اختفى قبل 11 قرناً. وقد ذرف المؤمنون دموعاً طقوسية.
لم يرسِ المرشد الأعلى، 69 عاماً، الذي تحدث لأكثر من 90 دقيقة، القانون فحسب، كما يراه هو، بل وضع رؤية عن عالم تكون فيه إيران فريدة وفخورة ونافذة ويحدق بها الأعداء، ولا سيما الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل. لن تكون هناك ثورة "مخملية" جديدة في إيران، سواء كانت محلية المنشأ أم ممولة من الخارج. وليس لدى الأجانب ما يعلمونه لإيران. يقول مؤيد متفانٍ للمرشد الأعلى، من الواضح أن العرض فاجأه: "كانت لحظة الخميني. كان قوياً ولا يهاب شيئاً". حتى مؤيدو موسوي بدوا متفاجئين، فقد قال أحدهم: "ندخل حقبة جديدة".
لكن على الرغم من كل الدراما المتقنة والسعي إلى الظهور بمظهر الضحية في الخطاب، فإن خامنئي هو الذي سبب جزءاً كبيراً من الأزمة لنفسه. يقول حليف سابق: "هذه حالة تقليدية عن عمى السلطة. فالسيد خامنئي هو حقاً رجل ذكي وحاذق ومثقف. حتى إنه معتدل. لكن تنسى كل تلك الصفات الإيجابية عندما يتعلق الأمر بسلطته الخاصة".
بحسب أشخاص يعرفونه جيداً، يحلم خامنئي بإنشاء خلافة إسلامية حيث تكون الحياة أكثر عدلاً وإنصافاً لشعب إيران كافة. غير أن الرجل الذي اختاره لتحويل ذلك الحلم حقيقة، أي الرئيس أحمدي نجاد، ليس مثالياً بقدر ما هو شعبوي يخدم مصالحه الذاتية. ويقول مساعد سابق لخامنئي: إن تركيز المرشد المريض على هدفه اليوتوبي جعله ضيق الرؤية، بحيث إنه يغفل أحياناً عن حقائق بلاده الحاضرة والتطلعات التي بدأت تظهر لدى شعب شاب ومثقف ويزداد تمدناً. إنهم يعتبرون أحمدي نجاد مصدر إحراج، لا بل أسوأ من ذلك، استفزازياً قد يجر البلد إلى مواجهات مكلفة وعقيمة مع باقي العالم.
ربط خامنئي مراراً وتكراراً خلال العام الماضي، وخلافاً لنصائح الكثير من أنصاره، مصيره بمصير أحمدي نجاد. ووفقاً للصحافي في
Rooz Online، حسين باستاني، الذي يعيش الآن في فرنسا، التقى
المرشد الأعلى في أغسطس الماضي مع حكومة أحمدي نجاد، وأغدق المدائح على الرئيس بعبارات واثقة. قال: إن أحمدي نجاد لم يعتذر عن تصرفات إيران أو يتخذ موقفاً دفاعياً، بل تولى موقع الهجوم مما يجعله أفضل من الرئيسين اللذين سبقاه. قبل نحو شهر من الانتخابات، قال خامنئي صراحة في رحلة عبر المناطق الكردية في البلاد: إنه يفضل المرشح الذي يواجه القوى العظمى ويعيش ببساطة ولا يهاب شيئاً. لم يحدد أحمدي نجاد بالاسم، لكن ما قاله كان أشبه باستعمال حجج من حملة هذا الأخير. يقول سياسي إصلاحي كان قريباً من خامنئي في السابق: "منذ ذلك الوقت، لم تعد الانتخابات تقتصر على أحمدي نجاد وموسوي، بل تحولت استفتاء حول شرعية حكم السيد خامنئي. هو تسبب بالوضع الذي نحن فيه الآن".
تغذي الضغوط من الشارع التيارات الخائنة المتقاطعة داخل النظام، لكن هذه التيارات تعود إلى ما قبل ولادة الكثير من المتظاهرين الحاليين. تظهر صورة قديمة لخامنئي عندما كان طالب دين، شاباً غير ملتحٍ يعتمر عمامة ويضع نظارة سميكة منذ ذلك الوقت» وخلف هذه النظارة نرى في تعابير عينيه فتى ينظر نحو أعماقه سارحاً في أفكاره. وتكشف صورة لزميله في المعهد الديني، علي أكبر هاشمي رفسنجاني، تعود إلى الحقبة نفسها في الخمسينيات، عن أنه خلف العمامة البيضاء، هناك شخصية من الطراز الأول يمكن أن تترشح في سياق أمريكي، لرئاسة الصف. التزم الشابان صنع الثورة كمناصرَين لآية الله الخميني في «قم» قبل نفيه، وناشطين داخل البلاد وداخل سجونها في معظم الأحيان بعد إرغام الخميني على الرحيل. واستمرت العلاقات التي تكوّنت بين رجلي الدين الشابين في ذلك الوقت في صياغة السياسة الإيرانية منذ انتصار ثورة الخميني عام 1979.م فمن خلال الترسيخ الدموي للسلطة وحرب الأعوام الثمانية ضد العراق، عززا موقعيهما تارة عن طريق التنافس وطوراً عن طريق دعم أحدهما الآخر. فالخميني المتقدم في السن استمر بكل معنى الكلمة في تولي منصب المرشد الأعلى الذي يسعى الجميع للحصول على موافقته. وكان يكافئ الولاء له. قال الإمام: "ستبقى الثورة حية ما دام السيد هاشمي رفسنجاني حياً وقد ربيت السيد خامنئي بنفسي".
خلال سنوات الحرب، أصبح رفسنجاني رئيس المجلس، وتولى مفكر يساري شاب يُدعى مير حسين موسوي رئاسة الحكومة. كان خامنئي رئيساً، لكن غالباً ما كانت هناك خلافات في وجهات النظر بينه وبين موسوي، وكان الأخير يربح في معظم الأحيان، مما يثير روع خامنئي.
ثم انتهت الحرب عام 1988م، وعام 1989م توفي الخميني من دون خلف واضح له في منصب المرشد الأعلى. كان يُفترَض أن يتولى المنصب باحث كبير في الإسلام كما كان الخميني، آية الله واسع العلم يعتبره كل رجال الدين الشيعة مرجعاً أو مصدراً جديراً بأن يقتدى به. غير أن رجل الدين الأكثر تأهلاً الذي اعتُبًر لسنوات بأنه وريث الخميني، آية الله العظمى حسين علي منتظري، كان قد سقط من الحظوة. ففي العام السابق، عندما قُتًل آلاف السجناء السياسيين في سجن إفين، ندد منتظري جهاراً بالأمر. (التزم رفسنجاني وموسوي وخامنئي الصمت). عاقب الخميني المنشق واصفاً إياه ب"الساذج" وبأنه "ليس رجل دولة قادراً على إدارة البلاد".
كان قرار اختيار المرشد الأعلى الجديد في يد مجموعة من رجال الدين تُعرَف بمجلس الخبراء. وقد باشر رفسنجاني العمل على إقناعهم مستخدماً كل مهاراته السياسية اللافتة من أجل الحصول على تعيين رفيقه القديم في المنصب. لا يهم أن خامنئي لم يكن قد أصبح آية الله بعد، ولا مرجعاً بالتأكيد. يقول مصدر اطلع على النقاشات لكنه طلب عدم الكشف عن هويته: "لولا دعم رفنسجاني، لما أصبح السيد خامنئي مرشداً أعلى. شهدت كيف عمل ليل نهار لإقناع أعضاء مجلس الخبراء ورجال دين كبار آخرين بدعم السيد خامنئي. وعلى الرغم من أن السيد خامنئي لم يكن مؤهلاً من الناحية الدينية لتولي المنصب، اتفق الملالي الكبار في الرأي مع رفسنجاني لأنهم كانوا يثقون به. من العدل القول: إن السيد خامنئي يدين بمنصبه لرفسنجاني".
من جهته، أصبح رفسنجاني رئيساً ودفع باتجاه إقرار دستور جديد تخلص من منصب رئيس الوزراء المنافس لمنصب الرئاسة. (تقاعد موسوي من السياسة إلى حين عودته هذا العام). في الوقت نفسه، رسخ رفسنجاني القاعدة الدستورية التي تمنح المرشد الأعلى القرار النهائي في كل المسائل الكبرى. غير أن الحظوات يمكن أن تكون مزعجة، ولاسيما لمن يشعرون أنها قد تؤثر سلباً في سلطتهم. كان هناك افتراض واسع في أوساط المحللين الإيرانيين عام 1989م بأن رفسنجاني عمل على إيصال خامنئي إلى منصب المرشد الأعلى ظناً منه أن بإمكانه السيطرة عليه. وعلى الأرجح أن خامنئي اشتبه في الأمر عينه.
عندما تولى الرجلان المنصبين الأعلى في البلاد، أصبح الاختلاف في رؤيتيهما واضحاً للعيان. كانت قاعدة سلطة رفسنجاني تتركز في أوساط طبقات التجار» "البازار" كما يسمونها في إيران. ربما لم يقل، على غرار إحدى الشخصيات في وول ستريت: إن "الجشع جيد"، لكن غالباً ما أعطى انطباعاً بأن هذا هو رأيه. وضع النمو والتنمية الاقتصاديين في قلب سياساته، وأصبحت عائلته فاحشة الثراء.
أما خامنئي فقد أراد استقطاب الجماهير الإيرانية. فمنذ أيامه الأولى حيث كان يغوص في الكتب الدينية والقصائد، أحب أن يتماهى مع "المظلومين"، وبنى قاعدة الدعم له في تلك المؤسسات رجال الدين والجيش والبيروقراطية حيث يسمح الولاء والطاعة بالخروج من الفقر. منذ سنوات الحرب في الثمانينيات من القرن الماضي، بنى أيضاً علاقات وثيقة مع أجهزة الاستخبارات، لأنه ربما أقنع نفسه، كما فعل عدد كبير من الثوريين، بأن الطريقة الفضلى لمنع الظلم هي إلغاء الأعداء. في مقال نُشًر العام الماضي في مجلة فورين أفيرز، زعم المعارض الإيراني أكبر غانجي أنه في لقاء خامنئي الأول مع قادة الحكومة بعد توليه منصب المرشد الأعلى عام 1989م، عرض "نظرية رعب" حددت مقاربته للمسائل الأمنية. ونقل عنه قوله: "معظم الناس في الدولة صامتون"، لكن "تستطيع مجموعة من الأشخاص الناكرين لذواتهم أن تجعل الدولة تعاني عن طريق استعمال الرعب".
لكن حتى لو كان هذا صحيحاً، فقد كان هناك تعقيد. قدمت إيران نفسها بأنها ديموقراطية إسلامية، ونعم، مقارنة بعراق صدام حسين أو الكثير من الديكتاتوريات الأخرى في الشرق الأوسط، كانت معقلاً للتعبير الحر نسبياً. كان ناخبوها يُمنَحون خيارات محدودة ومدروسة بعناية، لكن كان هناك بعض التنافس الحقيقي. وقد أظهرت صناديق الاقتراع في التسعينيات من القرن الماضي أن القيادة الهرمة ومؤسساتها المتشددة باتت صماء جداً عن التغييرات التي تحصل في المجتمع الإيراني. فقد عرضت المحطات التليفزيونية الفضائية التي كانت غير قانونية إنما رائجة، رؤية عن عالم أوسع بكثير. ثم جاء الإنترنت. وسرعان ما ازدادت المطالبات بحريات وفرص أكبر في أوساط السكان الذين كانوا في معظمهم دون سن ال30 ومثقفين أكثر فأكثر.
عام 1997م، عندما حقق المرشح الإصلاحي للرئاسة، محمد خاتمي، الذي اعتبر من سمحوا له بالترشح بأنه لا يملك حظوظاً كبيرة، فوزاً بغالبية ساحقة، رأى المرشد الأعلى في الأمر تهديداً. تعهد خاتمي بتحرير المجتمع وتعزيز المؤسسات المدنية الإيرانية، وبدا لبرهة من الزمن أن شتاء الخوف والقمع قد ولى. غير أن ربيع طهران لم يدم. أنهكت الضغوط المستمرة من خامنئي وكذلك من رفسنجاني الذي عمل خلف الكواليس لحماية مصالحه الواسعة الإصلاحيين وخفضت من مصداقياتهم. وهكذا عندما أعلن خاتمي ترشحه لولاية ثانية، كانت عيناه دامعتين بكل معنى الكلمة، وعلى الرغم من فوزه، عمل في مساحة سياسية أكثر تضييقاً للخناق حوله حيث كان أنصاره يُقتَلون أو يُعتقلون أو يُرغمون على التوجه إلى المنفى.
في هذه الأثناء، بدأ المرشد الأعلى يستعين بابنه الثاني، مجتبى خامنئي، الذي أصبح بمنزلة عميل له ومنفذ لإرادته. ويعتقد البعض في بيت المرشد أن رجل الدين البالغ من العمر 40 عاماً، قد يرث منصب والده ذات يوم. لكن في الوقت الراهن، أصبح مجتبى صلة وصل المرشد الأعلى الأساسية بالعالم الخارجي، ومفسر ما يجري في الشارع. يقول حليف لرفسنجاني طلب عدم الإفصاح عن هويته: "اعتبر مجتبى أن الإصلاحيين كانوا يخونون والده خلال رئاسة خاتمي التي استمرت ثماني سنوات". فقد اعتُبًروا خطرين جداً لأن عدداً كبيراً منهم كانوا ناشطين في الانتفاضة الشعبية ضد الشاه وشاركوا في تنظيمها. كانوا يعرفون كيف يحركون الشارع. وبعد ولايتَي خاتمي، لم يرد مجتبى ولا والده أن يتولى الإصلاحيون السلطة من جديد.
عام 2005م، ترشح رفسنجاني للرئاسة سعياً منه لاستعادة المنصب الذي أرغم على التخلي عنه عام 1997م بسبب الحدود المفروضة على عدد الولايات الرئاسية. لكن بغض النظر عن الجاذبية الشعبية التي كان يتمتع بها من قبل، فقد خسر في أوساط الجماهير التي اعتبرت الحرس القديم فاسداً وبعيداً عن الواقع. دعم خامنئي أحمدي نجاد، عمدة طهران الذي كان ابن عائلة من الطبقة العاملة، ومحارباً قديماً في قوات البسيج والحرس الثوري ومستعداً لتقبيل قدمي المرشد الأعلى. وقد فاز أحمدي نجاد.
في الأعوام الأربعة اللاحقة، استفادت إيران من البلايين التي وفرتها العوائد غير المتوقعة لأسعار النفط المرتفعة، فأطلقت من جديد برنامجها للتخصيب النووي، ومولت حركة حماس في سيطرتها على غزة، ودعمت حزب الله اللبناني وسلحته في حربه مع إسرائيل عام 2006.م وفي الواقع، أسف أحمدي نجاد لأن إسرائيل موجودة على الخريطة. وقد ابتهج خامنئي بكلامه. يقول مصدر استخباراتي أوروبي إنه في مطلع ولاية أحمدي نجاد الأولى، عرض الرجل الذي يقود المفاوضات النووية للبلاد، خيارات عدة حول الطريقة والسرعة اللتين يجب أن يسير بهما البرنامج النووي الإيراني. قال أحمدي نجاد: إن هناك خياراً واحداً فقط: إنتاج صناعي شامل. وكان جواب خامنئي: أجل، هذا ما سنفعله. في مطلع العام الماضي، قرر رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تقع في قلب المفاوضات أنه لوضع حد للبرنامج الإيراني أو احتوائه، فلا بد من لقاء خامنئي مباشرة. يقول محمد البرادعي: إنه بينما كانا يحتسيان الشاي في منزل خامنئي، فوجئ بأن الأخير "على اطلاع كامل على ما يجري، ولا يثق على الإطلاق بالنوايا الغربية".
وعندما قام الرئيس أوباما ببادرة حيال إيران من خلال تحيتها لمناسبة رأس السنة الفارسية في مارس، رد خامنئي بأنه إذا غيرت الولايات المتحدة سلوكها، يمكن أن تغير إيران سلوكها أيضاً، تاركاً الباب مفتوحاً أمام مزيد من المحادثات. غير أن الوضع تعقّد الآن بسبب الانتخابات والأحداث التي تلتها. هل كانت الانتخابات مزوّرة في الواقع؟ يقول المسؤولون الأمريكيون في مجالسهم الخاصة إن هناك مؤشرات على حدوث تزوير، لكنهم يعتقدون أن أحمدي نجاد كان سيفوز في كل الأحوال. وربما اعتقد أنصار خامنئي أو أخطأوا في الاعتقاد أن الأرقام الساحقة سوف تساعد على تهميش كل خصومهم: بقايا الحركة الإصلاحية» رفسنجاني وحلفائه» المعارض آية الله منتظري» وسواهم. وظنوا أنه ستتم تصفية الكثير من الحسابات القديمة، وسوف يصبح النظام أقوى بكثير عندما يدخل في مفاوضات مع الولايات المتحدة. وغالباً ما يمارس القادة غير الآمنين المبالغة، ويصبحون في نهاية المطاف أقل أماناً.
ربما كان ذلك ينطوي على سخرية شاعرية. قد يكون التهديد الداخلي الأكبر للنظام في سنواته ال30 مًن صنع حكام شعروا أن عليهم سرقة انتخابات فازوا فيها أصلاً.
بمشاركة مارك هوزنبول ومايكل هيرش ودان إيفرون في واشنطن وكيفن بيراينو في القدس "الشتاء" ترجمة مهواش شاهيق
عندما أعلن المرشد الأعلى الحالي أن فوز أحمدي نجاد هو «حكم إلهي» كان يستعمل سلاحاً أساسياً وهو الموافقة الإلهية. لكن ملايين الإيرانيين لم يقتنعوا بذلك
التململ من الثيوقراطية
نحن نشهد سقوط الثيوقراطية الإسلامية في إيران. لا أعني بذلك أن النظام الإيراني على وشك السقوط، مع أن هذا قد يكون صحيحاً وأنا آمل أن يسقط بالطبع لكن الأنظمة القمعية يمكن أن تبقى قائمة مدة طويلة. نحن نشهد فشل إيديولوجية تشكل أساس الحكومة الإيرانية. مؤسس النظام، آية الله روح الله الخميني، عرض تفسيره الخاص للإسلام السياسي في سلسلة من المحاضرات عام 1970.م في تفسيره هذا للإسلام الشيعي، يُفترض أن الفقهاء الإسلاميين يتمتعون بسلطة إلهية ليحكموا ويكونوا أوصياء على المجتمع وأصحاب القرار النهائي ليس فقط في المسائل الأخلاقية بل السياسية أيضاً. عندما أسس الخميني جمهورية إيران الإسلامية، كان مبدأ ولاية الفقيه هذا، أي حكم الفقيه الأعلى، في صلبها. الأسبوع الماضي، منيت هذه الإيديولوجية بضربة فتاكة.
عندما أعلن المرشد الأعلى الحالي، آية الله علي خامنئي، أن فوز أحمدي نجاد في الانتخابات هو «حكم إلهي»، كان يستعمل السلاح الأساسي في ترسانة ولاية الفقيه، ألا وهو الموافقة الإلهية. لكن ملايين الإيرانيين لم يقتنعوا، وكانوا متأكدين من أن أصواتهم وهي أحد الحقوق العلمانية الأساسية المسموح بها في ظل النظام الديني الإيراني سرقت منهم. وسرعان ما اضطر خامنئي إلى القبول بضرورة إجراء تحقيق في الانتخابات. مجلس صيانة الدستور، وهو الهيئة الدستورية العليا في إيران، وعد بإجراء تحقيقات ولقاء المرشحين وإعادة فرز بعض الأصوات. أدرك خامنئي أن وجود النظام على المحك وقد اتخذ موقفاً متصلباً الآن، لكن هذا لن يعيد الأمور إلى ما كانت عليه. لقد أصبح واضحاً أن الشرعية في إيران اليوم ليست متأتية من سلطة إلهية بل من الإرادة الشعبية. طوال ثلاثة عقود، مارس النظام الإيراني سلطته من خلال مكانته الدينية، مقصياً الذين يتحدونه. لكن هذا لم يعد مجدياً، والملالي يعرفون ذلك. بالنسبة إلى ملايين الناس، وربما معظم الإيرانيين، فإن النظام خسر شرعيته.
لماذا يحدث هذا؟ لقد حصلت تظاهرات في إيران من قبل، لكنها كانت دائماً تضع الشارع في مواجهة الدولة، وكان جميع رجال الدين يقفون إلى جانب الدولة. عندما كان الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي في السلطة، كان ينظر في إمكانية دعم الشارع بعد حصول أعمال شغب طلابية عامي 1999م و2003م، لكنه في النهاية قرر المحافظة على دعمه للنظام القائم. الشارع والدولة يتواجهان من جديد، لكن الفرق هذه المرة هو أن رجال الدين منقسمون. لقد دعم خاتمي بشكل علني المرشح المنافس مير حسين موسوي، وأيده أيضاً آية الله العظمى الإصلاحي حسين علي منتظري. وحتى رئيس مجلس النواب علي لاريجاني، وهو ليس رجل دين لكن له علاقات عائلية وطيدة بأعلى مستويات الهرمية الدينية، عبر عن شكوكه بشأن الانتخابات. وفي الكواليس، يزعم أن الرئيس السابق علي أكبر هاشمي رفسنجاني وهو رئيس مجلس الخبراء، وهي هيئة دستورية مهمة أخرى يشن حملة ضد أحمدي نجاد وربما أيضاً ضد المرشد الأعلى. إذا شكك بعض كبار رجال الدين في «الحكم الإلهي» الذي تحدث عنه خامنئي، وجادلوا بأن مجلس صيانة الدستور مخطئ، فسوف يشكل ذلك ضربة قاضية للمبدأ الأساسي الذي تقوم عليه جمهورية إيران الإسلامية. الأمر شبيه بقول قائد سوفييتي كبير عام 1980م «إن كارل ماركس ليس المرشد المناسب للسياسات الاقتصادية».
قد تبقى الجمهورية الإسلامية قائمة لكنها ستكون مجردة من شرعيتها. بإمكان النظام أن ينتصر في هذا النزاع» وفي الحقيقة، لعل هذه النتيجة الأكثر ترجيحاً. لكنه سيتمكن من ذلك من خلال اللجوء إلى حلول جذرية، حظر كل التظاهرات، واعتقال الطلاب، ومعاقبة كبار القادة، وشل المجتمع المدني. مهما كانت النتيجة القمع أو استيعاب المعارضة من الواضح أن الملايين في إيران لم يعودوا مؤمنين بالإيديولوجية التي يحكم النظام على أساسها. وإذا تمسك النظام بالسلطة، فإنه سيفعل ذلك من خلال التهويل العسكري فقط، مثلما فعل الاتحاد السوفييتي في أواخر حقبة بريجنيف. يقول المفكر الإيراني المولد رضا أصلان: «ستتحول إيران إلى ما يشبه مصر»، أي إن النظام سيعتمد على الأسلحة بدلاً عن الأفكار للحفاظ على تماسكه خلف واجهة سياسية.
لقد شهدت الجمهورية الإسلامية انحسار شرعيتها على مر العقد الماضي. أولاً أتى خاتمي، المصلح الذي حقق فوزاً ساحقاً في الانتخابات وبدأ بإجراء بعض الإصلاحات قبل أن يقوض عمله مجلس صيانة الدستور. هذه التجربة جعلت الملالي يقررون أن عليهم إعادة النظر في العنصر الديموقراطي الوحيد الذي سمحوا به في إيران، أي الانتخابات الحرة نوعاً ما. الوسيلة التي اتبعها النظام لفرض سيطرته كانت انتقاء المرشحين المقبولين، وتأييد واحد أو اثنين منهم، والسماح بتصويت سري حقيقي. لكن في الانتخابات البرلمانية عام 2004م، قرر مجلس صيانة الدستور أن الوسائل العادية لن تؤدي إلى نتائج مقبولة. فحظر ترشيح 3.000 شخص، بمن فيهم الكثير من النواب آنذاك. ولأن الدعم الشعبي كان غير مؤكد هذه المرة، اتخذ النظام خطوة إضافية، معلناً نتائج الانتخابات في غضون ساعتين وفوز أحمدي نجاد بفارق كبير يحول دون الطعن بالنتائج. وقد كشف خامنئي عن هذه الاستراتيجية في خطبته يوم الجمعة الماضي، سائلاً: «فارق ب11 مليون صوت؟ كيف يمكن أن يكون هناك تلاعب في الأصوات؟»
كيف يجدر بالولايات المتحدة التعامل مع الوضع في إيران؟ أولاً، تجدر الإشارة إلى أن واشنطن تتعامل معه بالفعل. من خلال مد يده إلى إيران، بشكل علني ومتكرر، صعّب الرئيس باراك أوباما إلى حد كبير على النظام الإيراني الادعاء بأنه يحارب أمريكا عدائية عازمة على مهاجمة إيران. قبل بضع سنوات، كان هذا ادعاء معقولاً جداً. فقد أعلن الرئيس جورج دبليو بوش بشكل متكرر أن النظام الإيراني عدو لدود وأن إيران جزء من محور الشر وأنه يدرس احتمال شن هجوم عسكري على البلد. لكن أوباما اتبع مساراً معاكساً، موضحاً أنه يكن المودة للشعب الإيراني وأنه سيتفاوض مع أي قادة يختارونهم لتمثيلهم. في خطاب تنصيبه، وخطاب التهنئة بحلول رأس السنة الفارسية وخطابه في القاهرة، بذل جهوداً حثيثة لإظهار احترامه وصداقته للإيرانيين. لهذا السبب كانت ردة فعل خامنئي غاضبة جداً في معظم الخطاب الذي رد فيه على رسالة التهنئة بحلول رأس السنة الجديدة. فهي تقوض صورة الشيطان الأكبر التي غالباً ما يرسمها في خطبه. (طبعاً، كونه براغماتياً، ترك الباب مفتوحاً للتفاوض مع الولايات المتحدة).
في خطبته يوم الجمعة، قال خامنئي: إن الولايات المتحدة وإسرائيل وخصوصاً بريطانيا تقف وراء التظاهرات التي هزت طهران، وهو اتهام سيبدو سخيفاً بالتأكيد بالنسبة إلى الكثير من الإيرانيين. لكن ليس كلهم: فالشكوك بتدخل قوى خارجية مترسخة حتى في عقول المواطنين الأكثر تقبلاً للغرب في إيران. وردة الفعل الحذرة التي أبداها أوباما تصعب على خامنئي وأحمدي نجاد استغلال المشاعر القومية.
المحافظون الجدد يستنكرون حذر أوباما. بول وولفويتز، الذي كان نائب وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد، شبه ردة فعل البيت الأبيض بتردد رونالد ريغان عندما عمت التظاهرات شوارع الفلبين تنديداً بنظام فرديناند ماركوس. لكن هذا التشبيه في غير محله. فماركوس كان مدعوماً من الولايات المتحدة، وكان في السلطة بفضلها. كان المتظاهرون يطالبون ريغان بسحب هذا الدعم وترك الأمور تأخذ مجراها. إيران، من جهة أخرى، بلد مستقل ومتشدد قومياً لديه تاريخ طويل من التدخل البريطاني والأمريكي في شؤونه السياسية واقتصاده. فقد استولت بريطانيا على قطاع النفط الإيراني عام 1901م» وكانت الولايات المتحدة وراء انقلاب عام 1953.م الانتقاد الأساسي الذي كان يوجه إلى شاه إيران هو أنه كان دمية في يد أمريكا. كما في الكثير من البلدان المماثلة الهند مثال آخر فإن هذه المشاعر المناهضة للإمبريالية قوية جداً. الإيرانيون يعرفون أن هذه المعركة معركتهم، ويريدونها أن تبقى كذلك.
من الأصح تشبيه ردة فعل أوباما بردة فعل جورج بوش الأب الحذرة عندما بدأت التصدعات تظهر في الإمبراطورية السوفييتية عام 1989.م آنذاك، كما يحصل الآن مع أوباما، كان الكثير من المحافظين الجدد ساخطين على بوش لأنه لم يدعم بحزم أكبر أولئك الذين يحاولون إطاحة الأنظمة الشيوعية في أوروبا الشرقية. لكن بوش كان قلقاً من هشاشة الوضع. فتلك الأنظمة كانت قادرة على قمع هؤلاء المتظاهرين بسهولة، وكان بإمكان الاتحاد السوفييتي إرسال دباباته إليهم. وإعطاء الشيوعيين حججاً للرد بعنف لم يكن مفيداً لأحد، لا سيما المتظاهرين. كانت مقاربة بوش صحيحة بشكل عام وقد أثبت التاريخ ذلك.
لكنني أتمنى لو أن أوباما لم يدلِ بتصريح واحد. عند مناقشته الأحداث الجارية في إيران، قال: إنه ليس هناك فروق مهمة بين أحمدي نجاد وموسوي، لأن كليهما سيدافع عن الخيارات الأساسية للجمهورية الإسلامية في السياسة الخارجية، بدءاً من طموحاتها النووية وصولاً إلى دعمها لمنظمات مثل حماس وحزب الله. وجهة النظر هذه عبر عنها في الحقيقة بعض المحافظين الجدد الذين يفضلون بصراحة فوز أحمدي نجاد: فالعدو الأكثر تهديداً سيسلط الأضواء بشكل أوضح على المخاطر التي يشكلها هذا النظام على بقية العالم. لكن حتى لو كان هذا صحيحاً قبل الانتخابات، فهو لم يعد صحيحاً الآن. لقد أصبح موسوي رمزاً للتغيير وللمشاعر المناهضة لأحمدي نجاد وحتى للطموحات إلى تغيير النظام. إنه يعي ذلك بوضوح وهو يرحب بالدعم. وانتصاره سيعني نشوء إيران مختلفة.
حتى خلال حملته الانتخابية، ما الذي قاله موسوي وكان له الوقع الأكبر بين الناخبين؟ إنه سيدير الاقتصاد بشكل أفضل؟ وإن الفساد خرج عن السيطرة؟ ربما، لكن كل المرشحين المعارضين يقولون ذلك، ولم يكن لدى موسوي أفكار جديدة كثيرة أو سجل حديث مثير للإعجاب لجعل هذه الادعاءات جديرة بالثقة. المسألة التي شدد عليها موسوي بشكل متكرر هي أن أحمدي نجاد عزل البلد واعتمد سياسة خارجية عدائية وحول إيران بلا داعٍ إلى دولة منبوذة. بالنسبة إلى الكثير من مؤيديه، كانت هذه المسألة الأهم: فهم يتوقون إلى المزيد من الانفتاح على العالم. رفض أحمدي نجاد المتعمد للغرب وكلامه المستمر عن انهيار أمريكا المزعوم كانا بمنزلة إهانة لطموحاتهم بأن يصبحوا جزءاً من المجتمع العالمي من جديد.
يمكن للرئيس أوباما أن ينظر إلى هذه الأحداث ويقول ببساطة: «لدى إيران تاريخ طويل تفتخر به كدولة منفتحة على العالم وليس كدولة منعزلة عنه. لطالما أراد العالم مد يده إلى الشعب الإيراني. عند مراقبة الانتخابات والتظاهرات المدهشة والسلمية التي تحصل، يتضح أن الشعب الإيراني يريد أيضاً التقرب من العالم. نحن نسمع أصواتكم ونتمنى لكم الخير». بهذه الطريقة الحذرة، يمكن لأوباما أن يجعل القومية الإيرانية ترتد على النظام.
لكن المسألة الحقيقية هنا لا تتمحور حول بضع كلمات من أوباما بل حول المجريات على الأرض في إيران. فترنح الجمهورية الإسلامية سيكون له تبعات في كل أنحاء العالم الإسلامي. مع أن إيران شيعية ومعظم العالم الإسلامي سني، فإن تسلم الخميني الحكم شكل صدمة لكل البلدان الإسلامية، وكان دلالة على أن التطرف الإسلامي أصبح قوة يجب عدم الاستهانة بها. بعض البلدان، مثل السعودية، حاولت استيعاب هذه القوة. وغيرها مثل مصر قمعتها بعنف. لكن إيران كانت قد أصبحت رمزاً لتنامي نفوذ الإسلام السياسي في كل مكان. إذا انهار النظام الإيراني الآن، فسيكون المسار الذي دام 30 عاماً قد انقلب.
«نيوزويك»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.